إرادة التغيير.. الصناعة البرمجية الهندية نموذجاً

إرادة التغيير.. الصناعة البرمجية الهندية نموذجاً

عند سماعك باسم «الهند»، لن تستطيع تجاهل صور الازدحام الخانق،الشوارع الموحلة، طوابير طويلة من الجياع الفقراء المنكوبين في الساحات والقرى، لكن تلك التخيلات ستتلاشى بسرعة لتغلبك الدهشة عندما ترى الأرقام التي تحققها الهند الحديثة كإحدى أهم القوى الاقتصادية في العالم

ولن تستطيع تجاهل التحليق بسفن الفضاء وامتلاك الصواريخ العابرة للقارات والسلاح النووي، والأقمار الصناعية، وصناعة السيارات، والسينما والدواء في دأب مذهل، وإصرار بديع قرأت فيه الهند روح العصر، فدخلت من أوسع أبوابه وأصبحت من المساهمين في إحدى أهم الصناعات النظيفة في العالم، صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات ،التي تعد اليوم المعيار الأهم في تقدم الدول وتشكل العصب الأقوى  في حياة الإنسان.

إنها قصة نجاح هندية صرفة، فقد جاء التقدم التقني - البرمجي كمحصلة الإرادة الحديدية للشعب الهندي ورغبته الجادة في التقدم، كما وضعت عبارة : “ تكنولوجيا المعلومات للجميع في عام 2008 “ كشعار لحملتها الوطنية ، فاستطاعت الهند أن تستفيد من موقعها الجغرافي، ذلك أن التوقيت الهندي يختلف عن توقيت الولايات المتحدة ب /12/  ساعة، ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق عالمي للبرمجيات. فسمحت هذه الميزة للشركات الأمريكية بتأسيس فروع لها في الهند أو بإبرام عقود مع شركات هندية، ما ساهم في جعل مشروعاتها البرمجية تعمل على مدار الساعة. تمتلك الهند ثاني أضخم مجموعة في العالم من القوى العاملة المتخصصة تكنولوجياً والتي تتقن اللغة الانكليزية، ولم يسبق الهند في هذا المجال سوى الولايات المتحدة، وللهند أفضلية على هذه الأخيرة ، بسبب انخفاض الكلفة. حيث  بدأت صناعة البرمجيات في الهند في منتصف الثمانينيات، وكان لديها في عام 1985 إلى 6800 مختص بالبرمجيات ، و خلال/12/ سنة استطاعت أن تحقق قفزة في عدد المبرمجين ليصل عام 1997 إلى 160,000 مبرمج وفي عام 2000 إلى 340,000 مبرمج. حيث أن حجم الطلب العالمي على المبرمجين يصل إلى مليوني مبرمج في اليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وتستطيع الهند أن توفر 60,000 مبرمج كل عام.

وعليه تزايد حجم الطلب العالمي على البرامج الهندية بصورة واسعة حتى أنها تستخدم اليوم في مختلف خدمات الطيران، والبنوك والشركات الهندسية، وشركات التصنيع، وأعمال الفضاء، والوحدات الترفيهية، ومعظم المستشفيات الأمريكية، بل حتى اليابان أيضا التي تولي اهتماما غير مسبوق بمستوى الجودة اتجهت إلى شركات البرمجيات الهندية للحصول على أنظمة الإشارات الرقمية للتخلص من الاختناقات المرورية التي تعانيها، ولذلك فقد زادت صادرات الهند من البرمجيات أكثر من 18 مرة، وتضاعفت عائدات صناعة الكمبيوتر 15 مرة خلال الربع الأخير من القرن العشرين وبلغة الأرقام يمكن القول بأن الهند استوعبت في العام الماضي نحو 62% من إجمالي المنتجات التي توردها الشركات الهندية إلى 91 دولة بامتداد قارات العالم، أشارت الإحصاءات إلى أن كل شركتين من خمس شركات في قطاع التكنولوجيا على مستوى العالم، قد حصلت على متطلباتها من البرمجيات من الهند ليحقق قطاع برامج الكمبيوتر الهندي معجزة بعد أن تجاوز معدل نمو هذا القطاع خلال السنوات العشر الماضية نسبة 40% سنويا  ويؤكد المسؤولون أنه بزيادة معدل النمو إلى 10% فإنه نسبة الفقر سوف تنخفض تلقائيا إلى 20 في المائة خلال عقد واحد، فيما سيزداد معدل دخل الفرد مما يعادل 266 دولاراً أمريكيا إلى نحو 512 دولاراً.

أمام تلك النجاحات تبدو صناعة البرمجيات الحل الأمثل لانتشال سوق العمل من أزمته فهي تتطلب فقط عمالة ماهرة مدربة دون أي رؤوس أموال ضخمة، ولا تترك أي آثار سلبية على البيئة، وتنمو بسرعة هائلة. 

هناك قول شائع في الهند : «إذا ضمن الهندي تناول 3 وجبات يومياً فإنه يفكر بشراء كومبيوتر»إن هذا يعكس إلى حد كبير مدى تأثير نجاح التجربة الهندية في مجال تكنولوجيا المعلومات في المواطن الهندي , وأعتقد أننا في الدول العربية على وجه العموم وسورية على وجه الخصوص وأمام كل المعوقات التي تقف في وجه التنمية العربية و صعوبة إطلاق و تطوير صناعات ضخمة يجب أن نبدأ بالتفكير جدياً في إطلاق صناعة تكنولوجيا المعلومات كمنهج رخيص وسريع وفعال يحقق قفزات نوعية في مسيرة التطور ويرفع من مستوى المعيشة.