عصر الخرافات (2 ـ 2)
ناقشنا في الجزء الأول من هذه المادة المفهوم العام لما أسميناه «خرافات علمية»، وحاولنا توضيح إحدى طرق صياغة هذا النوع من الخرافات والمتمثلة بالأخطاء المنهجية في وضع الفرضيات تحت شعارات «ديمقراطية» وهمية وغير علمية.. ونتابع في هذا الجزء استعراض طرق أخرى أكثر خطراً..
تصنيف العلوم
تختلف العلوم بعضها عن بعض وفقاً لموضوع الدراسة، وموضوع الدراسة هو زاوية النظر الخاصة بكل علم والتي من خلالها يرى العالم، فالخلية الحية بالنسبة لعلم الميكانيك هي مجرد كتلة تخضع لتأثير قوى تحريك خارجية، في حين أن الخلية ذاتها هي بالنسبة لعلم الكيمياء مجموعة من المركبات التي تتفاعل مع بعضها وخصوصيتها الأساسية هي السلاسل الكربوينة التي تدخل في تركيبها، وبالنسبة للبيولوجية فإن الخلية هي تبادلها للغذاء والطاقة مع الوسط المحيط..الخ وإذا كان تنوع العلوم يرجع أساساً إلى تنوع وجوه الظاهرة الطبيعية، فإن تصنيفين أساسيين يمكن لهما أن يوضحا طبيعة العلاقة العامة بين العلوم المختلفة، الأول هو التصنيف وفقاً لدرجة تعقيد الحركة والتصنيف الثاني هو التصنيف وفقاً لطول عمر الفرضية..
ملاحظات حول التصنيف
إن التصنيف الأول وفقاً لدرجة تعقيد الحركة، يتضمن فكرة أساسية هي أن كل حركة أعقد تضم جميع أنواع الحركات الأبسط، ولكن ما يميزها نوعياً هو شكل الحركة الخاصة بها، أي أن الحركة الكيميائية مثلاً تتضمن كلاً من الميكانيكية والفيزيائية، فعنصر الهيدروحين يختلف عن عنصر الهيليوم من وجهة نظر الميكانيك بالكتلة فقط، في حين يتماثلان فيزيائياً في كونهما غازين ويختلفان في درجة التجمد.. وكيميائياً يختلفان نوعياً من حيث خواصهما التفاعلية بشكل جذري بين غاز نشيط وغاز خامل.. ولكن الخواص الكيميائية لهما تأخذ بعين الإعتبار كتلة كل منهما وتأثير درحات الحرارة والضغط وغيرها على شكل تواجدهما ودرجة نشاطهما الكيميائية والخ من جهة أخرى فإن التصنيف الثاني يستند إلى كون العلوم الأبسط تحتاج إلى زمن أقل للتحقق من صحة الفرضية، ففي الكيمياء يكفيك عشر دقائق في المخبر لتتحقق من فرضية محددة عن تفاعل ما، بالمقابل فإن التحقق من أي فرضية حول المجتمع تحتاج في الحد الأدنى إلى عمر جيل أي 20 عاماً..
تفسير الأعقد بالأبسط
بالاستناد إلى التصنيفين السابقين، يمكن فهم طريقة خاصة في صياغة الخرافة العلمية. مثلاً، إذا انطلقنا من القانون الأساسي في الميكانيك القائل بأن مجموع القوى الخارجية يساوي الكتلة ضرب التسارع، والذي يعني في جوهره أن مصدر أي حركة انتقالية هو مصدر خارجي، وحاولنا أن نفسر ما يجري في سورية وفقاً له إذاً لحلنا مباشرة على نظرية «المؤامرة»..! إن القاعدة العامة للعلاقة بين العلوم الأبسط والأعقد هي أن الأبسط يمكن له يقدم شروحات وتوضيحات للأعقد، ولكن لا يحق للأبسط أن يفسر الأعقد لأن اختلافاً نوعياً كبيراً يفصل بينهما.. وسنناقش في مقالات لاحقة بعد الأمثلة الهامة على هذا النوع من «الخرافات»...