كيف نرى الألوان؟
تعتمد معرفتنا للعالم الذي نعيش فيه على حواسنا. وتعتبر حاسة البصر أكثرها تطوراً وتعقيداً، إذ تجاوزت عين الإنسان بساطة التمييز بين النور والظلام، إلى تمييز الألوان بدقة
لكن ما هي طبيعة الألوان, وكيف نحس بها؟ لماذا نرى السماء زرقاء والغيوم بيضاء؟ وما السر الذي يعطينا القدرة على تمييز ألوان الورود، وشتى المرئيات، الأمر الذي كنا سنعجز دونه عن التمتمع بجمالها؟
الضوء والألوان
بات معروفاً بأنّ الضوء له طبيعة مزدوجة: جسيمية (فوتونات)، وموجية (اهتزازات كهرومغناطيسية). والتفاعل بين الضوء والمواد الأخرى من جهة، ومع العين كعضو لحاسة البصر من جهة أخرى هو الأساس الموضوعي الذي يشكل له الدماغ صورة ذاتية في الوعي على شكل إحساس برؤية الأشياء وإدراك خصائص شكلها وحجمها وأبعادها وألوانها.
يدخل إلى الغلاف الجوي للأرض من الطاقة الضوئية الشمسية حوالي 1000 واط/م2، يكون نصفها ضوءاً مرئياً بالنسبة للعين البشرية، بأطوال موجية بين 380 - 780 نانومتر، أما النصف الآخر من الإشعاع الكهرطيسي الواصل إلى الأرض فيتكون من أشعة تحت حمراء وفوق بنفسجية غير مرئيتين للعين البشرية.
عندما ننظر من حولنا فإننا نرى الخصائص المختلفة لامتصاص الضوء من أسطح المرئيات، فاللون الأخضر لورقة نبات مثلاً سببه أنها تمتص المكونين الأزرق والأحمر من ضوء الشمس الساقط عليها، بينما تعكس المكون الأخضر. وبالمثل فإنّ الوردة تبدو حمراء لأنها تمتص كلّ الطيف ما عدا الأحمر. الزهرة الصفراء تمتص الأزرق ويتم تفسير الأخضر والأحمر المتبقيين على أنهما لون أصفر.
الامتصاص وفيزيوكيمياء اللون
إنّ امتصاص جزء من الضوء الوارد يحدد ما هو الجزء المتبقي ليتشتت أو ينعكس على السطح الخارجي للأجسام، وبالتالي يحدد ماذا سيكون لونها. ويفسّر اللون الأسود لجسم ما بأنّ سطحه يمتص جميع الضوء الوارد كلياً. السطح الذي يمتص جزئياً جميع الأجزاء الطيفية للضوء بنسب منتظمة (مثلاً 50% من كل منها)، فإنّه يظهر رمادياً. ونرى في الثلج مثالاً على سطح كامل البياض، وتفسيره هو أنّ بلورات الجليد الصغيرة تعكس الضوء دون أي امتصاص، وللسبب نفسه، تظهر بلورات السكر كاملة البياض.
يطلق على الجزيئات القادرة على امتصاص الضوء بشدة اسم الأصبغة. ومن أطياف الامتصاص المختلفة، تنشأ ظواهر السطوع والتباين اللوني.
تتميز الأصبغة العضوية بأنّ جزيئاتها تحتوي العديد من الروابط المزدوجة، أي أنها متعددة اللاإشباع. ولذلك فإنها تشكل غمامة الكترونية تستطيع امتصاص الضوء.
بالمقابل فإنّ الماء مثلاً شفاف وعديم اللون لأنّ جزيئاته صغيرة ولا تملك روابط مزدوجة، ولذلك تسمح للضوء بالمرور عبرها دون تشتت أو امتصاص.
لماذا السماء زرقاء؟
أثناء انتشار الأمواج الضوئية في الغلاف الجوي للأرض تواجه الجسيمات الصغيرة التي يحملها الهواء، وتتعرض إلى تغير في اتجاه انتشارها، وتعرف هذه الظاهرة بالتشتت، وتعتمد في حدوثها واتجاهها وأي أطوال الأمواج تتشتت أكثر من غيرها على حجم تلك الجسيمات. والأطوال الموجية الأقصر بكثير من قطر جسيمات الغلاف الجوي تتشتت بشدة أكثر من تلك التي لها أطوال موجية أكبر، ولذلك فإنّ الضوء الأزرق بسبب قصر طول موجته بالنسبة لأقطار الجسيمات المحمولة في الهواء، يتشتت أكثر من الأضواء ذات الألوان الأخرى (الأطول موجة)، فهو مثلاً يتشتت أكثر من الضوء الأحمر بحوالي 6- 10 أضعاف، ويطلق على هذه الظاهرة اسم تشتت ريلاي Rayleigh scattering، وهو يحدث بكل الاتجاهات، لذلك نرى السماء زرقاء، لأنّ الضوء الأزرق هو الذي يتشتت أكثر من غيره وينتشر في كل الاتجاهات.
يفسّر اللون الأبيض الصافي للغيوم بأنّ انعكاس وانكسار ضوء الشمس في قطرات الماء يحدث دون أي امتصاص تقريباً. أما السحب الكثيفة الرمادية أو السوداء، فإن لونها ينتج عن كون الضوء الوارد من الأعلى يرتد متشتتاً ومنعكساً باتجاه الأعلى من جديد، فلا يصل إلى أعيننا سوى جزء صغير منه ينفذ عبر السحابة.