وجدتها : بين التخصص العالي والتعميم العالي
مع تصاعد العملية التعليمية يتصاعد التخصص، بحكم المنهجيات المعتمدة في معظم دول العالم، ويصبح الباحث الذي وصل إلى أعلى الدرجات العلمية سيد التخصص، مدركاً لأدق دقائق أبحاثه عالماً بتفاصيل التفاصيل فيها
ومع توسيع دائرة الاختصاص قليلا يبدأ يشعر بالعجز ويزداد عجزه كلما توسعت هذه الدائرة إلى أن يصل إلى مرحلة العجز الكامل مع دخول هذه الدائرة إلى تخوم علوم أخرى وقد تكون هذه العلوم قريبة أو بعيدة، فيعلن استسلامه أمام التخصص، قد يبدو ذلك للوهلة الأولى ضرباً من ضروب ضرورات التطور العلمي الذي ينحو بشكل أعمق وأعمق نحو التخصص، وهذا ليس من بدهيات الأمور فلم تكن الحال كذلك منذ الأزل، فقد كان العلماء قديماً أكثر اتساعاً في دائرة اهتماماتهم، حتى أنها لم تشمل العلوم بل تعدتها إلى دائرة الفنون والآداب.
بالعودة إلى الدور الوظيفي للعالِم في المجتمعات، نرى أن التخصص أبعد جمهوراً واسعاً من الباحثين، عن تلك الرؤية الأكثر شمولية القادرة على احتواء اللوحة الواسعة للمجتمع والعالم، في سبيل استيعاب أكبر، وقدرة أعمق على التغيير، وخاصة في دول العالم الأقل حظاً، حيث تم إقناعنا بأن التخصص هو السبيل الوحيد إلى الأعماق، فأصبحنا كمن يضع حجابين أسودين على طرفي عينيه، لا يرى سوى الخط المستقيم أمامه، وتركنا مهمة رؤية الآفاق الأخرى لذاك الذي يرى كل شيء، ويوجهنا بحكمته التي لا ترد إنه الأخ الأكبر، صباح الخير.