العولمة و صناعة «الوجبات السريعة»
يُقال عادةً بأن أحدى أكثر الجوانب إثارة في انغماس المرء في ثقافة أجنبية ما، هو ذاك المزيج من التوابل والأعشاب واللحوم والأسماك والفواكه والخضروات الذي يكتشفه في كل يوم
ترجمة وإعداد : نور طه
لقد تسببت عملية «العولمة» الجارية حالياً بجعل إمكانية تناول الطعام المحلي أو التقليدي في المدن الكبرى أكثر صعوبة مع مرور الأيام. حيث باتت نوعية المأكولات الفرنسية تُرى في كل مكان تقريباً، وكذلك الأمر بالنسبة للأطباق الإيطالية التقليدية. وتشكّل مدينة «سان بيدرو سولا» في شمال هندوراس، مثالاً كلاسيكياً على التقاء ثقافة «الوجبات السريعة الأمريكية» بـ «الأطعمة الكلاسيكية لأمريكا الوسطى».
وجدت نفسي خلال النصف ساعة الأول من وجودي في «سان بيدرو سولا» منغمساً في حديث مع سائق سيارة أجرة، ناقشنا فيه مواضيع عدة من صعود ظاهرة الجريمة المنظمة، وصولاً إلى الهيمنة الكلية التي تفرضها شركات الوجبات السريعة الأمريكية، حيث تجلت هذه الهيمنة بالأساليب الدعائية العدوانية التي تستخدمها سلاسل المطاعم هذه. هذا وتستخدم شركة «كوكا كولا» أكثر هذه الأساليب والصور التدخّلية بشاعةً، فقد قررت الشركة أن تروّج لإعلان يمكن مشاهدته من مسافة بعيدة جداً.
وبالنسبة للمدينة التي سيُقام الإعلان فيها، فإنها محاطة بالتلال من جهاتها الأربع، لذا فقد قررت الشركة أن تضع لافتة عملاقة على قمة إحدى التلال تكون مشابهة لنمط لافتة «هوليوود Hollywood» الكلاسيكية الشهيرة والمنصوبة في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية. وبالإمكان مشاهدة هذه اللافتة بوضوح من مركز المدينة ومن مجمع المطاعم التي تطل عليها، لا بل إنها أيضاً تضيء بلونٍ أحمر مقيت عند غياب الشمس.
إن سياسة «الاستماتة في البيع» التي ينتهجها قطاع صناعة الوجبات السريعة هي سياسة واضحة وجلية في جميع أنحاء العالم.فعلى سبيل المثال، كانت شركتا «ماكدونالدز» و«كوكا كولا» من الشركات التسع الرئيسية الراعية لدورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2012، الأمر الذي يُعدّ تناقضاً غريباً. هذا وقد حصدت «ماكدونالدز» أقل من(2٪) من إجمالي إيرادات هذه الدورة الرياضية، في الوقت الذي أنفقت فيه مبلغ (100 مليون دولار) في أربع سنوات، ويُذكر بأن الشركة المذكورة كانت إحدى الشركاء الرئيسيين خلال الأربعين عاماً الماضية. وقد بنت «ماكدونالدز» مطعماً يضمّ 1500 مقعد في الموقع الذي أقيمت فيه أولمبياد لندن وهو الأكبر من نوعه في العالم، وذكرت الشركة بأنها تسعى من خلال هذا اللمشروع إلى “زيادة الوعي» بعلامتها التجارية كما سبق وفعلت شركة «كوكا كولا».
ما أريد قوله هو أن «الدعاية العدوانية» التي تمارسها هذه الشركات، تؤدي إلى تفكيك ثقافاتنا الغذائية التي لفترات طويلة جداً والتي تشكّل جزءاً مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الوطنية. بالنسبة لي، فهذا أمرٌ يدعو حقاً للاكتئاب.
لقد بدأت أكتشف أثناء رحلاتي الحالية ذات الجهات والمقاصد المتعددة، بأن عثورك وانغماسك في «نكهة بلدك» بات أمراً شبه مستحيل، وهذه هي الحقيقة المحزنة التي أصبحت أكثر فأكثر وضوحاً مع مرور الوقت.
هوامش :
توم بيشم* : منشئ ورئيس تحرير موقع «جلوبال إيشورز Globalissuers»، وهو موقع يضم مجموعة مميزة من الكتّاب الذين يتناولون مختلف القضايا حول العالم.