الموسيقا «الوظيفية»
تحفز الموسيقا الحواس والعقل بطريقة تختلف عن تأثير الكلمات أو الصور به، وقد أدرك الإنسان هذه الحقيقة منذ زمن بعيد موغل في القدم منذ بدأت الأمهات بالهدهدة لأطفالهن بأصوات تعطيهم شعوراً بالطمأنينة
تحولت الموسيقا إلى نوع من المتعة المرافقة للنشوة والسعادة النفسية، لكن خواصها الوظيفية بدأت منذ عرف الإنسان أول أدوارها في الطب وخاصة الطب النفسي، منذ أن قام الفارابي باختراع آلته الموسيقية المعروفة بآلة الفارابي وهي نوع من القيثارة، تلك الآلة المخصصة لعزف موسيقا خاصة في البيمارستانات تساعد على شفاء المرضى، منذ ذاك الحين بدأ عهد الموسيقا الوظيفية الحديث.
لم تكن هذه الموسيقا مجرد نغمات تريح النفس بل عبارة عن معدلة رياضية موسيقية مضبوطة بأهداف واضحة، فاهتمام الفارابي بالموسيقا ومبادئ النغم والإيقاع قد قربه قاب قوسين أو أدنى من علم اللوغارتم الذي يكمن بصورة مصغرة في كتابه عناصر فن الموسيقا.
وعرف الأطباء أن بعض أنواع الموسيقا تستثير الموجات بيتا في الدماغ تلك التي تساعد على الاسترخاء والشفاء وعرفوا أهم مؤلفي هذه الموسيقا وهو موتزارت وبدؤوا باستخدام موسيقاه بشكل منظم في المستشفيات.
يوجد اليوم في العالم خمسة مناهج علمية طبية عن طرق العلاج بالموسيقا في العالم، منها أسلوب الموسيقا التحسيني، والغناء والمناقشة، والخيال والموسيقا المرشدة، وأسلوب اورف شولفيريك الموسيقي العلاجي والتدخل الإيقاعي الإفضائي، وكلها مناهج من أجل تحفيز الجهاز العصبي المركزي للإنسان وتحسين أدائه الوظيفي والتغلب على الإعاقة.
إن الصمت الشديد يجعل الإنسان عصبياً كما يجعله الضجيج عصبياً، كما أن الدماغ البشري يربط الأصوات بالأماكن والروائح والطعوم والألوان ليشكل صورة ذهنية متعددة الأبعاد من الحواس وقد تكون هذه الصورة إيجابية أو سلبية، بالاعتماد على كتلة الأبعاد المجتمعة تلك، وهذا دفع العديد من المؤسسات إلى تبني موسيقا خاصة ببعض الأماكن مستفيدين من هذه الخاصية (طبعاً بالإضافة إلى تبني نماذج ديكورات وألوان وروائح وغيرها) بحيث تثير هذه الموسيقا الشعور ذاته كلما دخلت إلى المكان وتستثير الصورة الإيجابية المطلوبة المعززة لرغبتك في ارتياد المكان، واستفادت الشركات التجارية والمطاعم والمطارات والفنادق وغيرها، من خلال تصميم موسيقى (معالجة رياضياً) ذات تأثيرات نفسية محددة مرغوبة.
ثم ظهر سوق كامل من الموسيقا الوظيفية المصممة لأهداف محددة مثل جلسات العصف الذهني أو التفكير في الحلول الإبداعية أو الاسترخاء والتأمل وتحفيز الإبداع والوصول إلى أجزاء أعمق من الشخصية مما يستثير الأفكار الجديدة أو كما ذكرنا تأثير الشفاء.