اقرأ وتعلم.. هنا طريقك إلى الثروة والنجاح !

اقرأ وتعلم.. هنا طريقك إلى الثروة والنجاح !

«أطلق العملاق بداخلك» «اقهر الفشل في نفسك» «كيف تسيطر على مديرك» «احصل على الثقة في النفس وقدرة التأثير في الآخرين» .. وعود ووعود يطلقها الكثيرون على شاشات التلفزة يدعون أنهم يملكون المفاتيح الخالدة للسيطرة على القوة الإنسانية الكامنة في ذات كل منا

، إنها عناوين رفوف مكدسة من الكتب والمراجع «العلمية» أراها في كل مكتبة تأخذ حيزاً لا بأس فيه من المتابعة والمبيع، كلام غامض لكنه مبهر، كثير من الدغدغة للمشاعر ومن الإغراء للنفس المتعبة في داخلك، وعود باذخة بأن تصبح غنياً وناجحاً وذكياً وجذاباً في الوقت ذاته، بل بأن تمتلك قدرات خارقة تستطيع القضاء نهائياً على كل الصعاب التي قد تواجهك، يطلقون على هذا اسم «علم البرمجة اللغوية العصبية»، لكن هل يستحق هذه التسمية؟

إن أهم ما يفرق العلم عن السحر والخرافة هو قابليته للتجريب، صلابته في وجه التمحيص المعملي والميداني، وعلى كل نظرية لا تصمد لهذه القاعدة أن ينزع عنها صفة العلم، ولذا يمكن القول بكل ثقة بان البرمجة اللغوية العصبية هي كلام غير علمي واستنباطات واستنتاجات وتطبيقات يجب أن يتحقق العلم منها واصفا إياها بأنها علم زائف وخديعة كبرى لا تبتغي سوى الربح المادي لمدربيها وداعميها، حيث تدفقت الأموال بين أيادي المبشرين بهذا «العلم» وأصبح الاستغلال علنياً عن طريق بيع الأوهام تحت مسميات براقة جذابة.
تدخل هذه القضية في التفكير العلمي الزائف تحت مسمى Post hoc fallacy وهو مصطلح لاتيني يمعنى (حدث بعده إذن هو نتيجة له)، أو الربط الزائف بين الأسباب والنتائج، فقد يختفي الصداع مثلا بعد شربك لكأس من الأعشاب الطبية، لكن لأي مكننا تصنيف هذه الأعشاب من أدوية الصداع، على هذا الربط الخاطىء تقف معظم أوجه البرمجة اللغوية العصبية، هو كلام عام تعرف أكثره ويستحيل تطبيقه أو الاستفادة منه، فيه درجة من السهولة تتيح لأي واحد فهمه، لكنه كذلك فيه درجة من التعقيد تجعل من فهمه يشعر بالرضا عن ذكائه، ليتحول العلم في لحظات إلى خرافات تساهم في تدهور مخزوننا الشحيح أصلاً من المنهج العلمي، فقد بدأت ورش التدريب والعمل وأفلام الفيديو الخاصة بالبرمجة اللغوية العصبية تباع في كل مكان، ورافقتها آراء العديد من الباحثين الذين أدركوا مع الوقت أنها نظرية غير قابلة للإثبات ولا جدوى من مزيد من البحث فيها.
قام الباحث البولندي «توماز ويكوويسكي» بتتبع وتحليل الدراسات التي نشرت خلال خمسة وثلاثين عاماً عن البرمجة اللغوية العصبية من خلال قاعدة بيانات خاصة أنشأها المؤيدون لهذا «العلم»، وخلص في دراسته أن ١٨٪ فقط من الدراسات المحكمة رأت أن البرمجة لها فائدة عملية، وأضاف بأن تلك الدراسات لم تخل من عيوب جوهرية، وأجرى عالم آخر هو «شاربلي» مراجعة شاملة للدراسات التي كتبت عن البرمجة ونشرت في مجلة علم النفس الإرشادي وخلص إلى نتيجة أكثر حدة إذ يقول «إن المبادئ والإجراءات التي تسير عليها البرمجة قد فشلت في إثبات جدواها بالطرق العلمية، وأن نتائج الدراسات البحثية لم تستطع دعم مصداقية أي من طرق البرمجة العلاجية» وأضاف «إن البحث العلمي لا يؤيد جدواها، لأن نتائجها غير قابلة للتكرار، وعدم قابلية النتائج للتكرار ضمن الشروط نفسها هي الصفة المميزة للعلم الزائف» واستفاض الكثيرون في تعرية هذه البدعة حيث صرح الباحث والصحفي البريطاني «ساتام ساسانجيرا» عام 2005 قائلاً : «إن شعبية البرمجة اللغوية العصبية ليست دليلا على فعاليتها، بل على قدرة الهراء الخارقة على هزيمة العلم، إنها عجينة نصف مخبوزة من علم النفس الشعبي والعلم الزائف» ويضيف الباحث «توني روبينز»: «لم يجر أي أحد من مدربي البرمجة أبحاثا حقيقية للبرهنة عليها، طريقة العمل هي: تظاهر بأن الطريقة تعمل.. لاحظ ما تحصل عليه .. لو لم تحصل على نتيجة جرب شيئًا آخر».
على كل حال، لم يأت أولئك الباحثون بهذه النتائج من فراغ، فالباحث العلمي الحقيقي يهدف في عمله إلى الوصول إلى الإجابة الصحيحة لسؤال ما، في حين ان الباحث الزائف يعمل على إثبات شيء يعتقد بأنه صحيح، وهو بهذا قد قام بتحديد النتيجة النهائية لبحثه –إن صحت تسميته باسم بحث- حتى قبل أن يبدأه فهو «مؤمن» بما يرغب بإثباته، وقد يكون مقتنعا بصحته لدرجة أنه سيعمل بشتى الوسائل على إثبات هذه النتيجة حتى لو كانت خاطئة، وحتى لو كانت مبنية على آراء شخصية أو أمور متوارثة أو مشاهدات مشكوك فيها، تم تحويلها إلى حقائق دون دراستها أو التأكد من صحتها، ويندرج تحت هذا التصنيف الفرق بين علوم التنجيم وعلم الفلك، والفرق بين الطب والشعوذة، والفرق بين دراسة علوم الحياة على كواكب أخرى وعلوم تتبع الكائنات الفضائية الغريبة والصحون الطائرة!! إنها الغيبيات التي وجدت مكاناً خصباً للازدهار في كل مكان، وفي عالمنا العربي بالذات المحكوم مسبقاً بسلاسل معقدة من الغيبيات المرتبطة بالممارسات اللاهوتية المتطرفة، والذي يعاني منهجه العملي في البحث والتطوير الكثير من الإعاقات.
في النهاية، ستخسر البرمجة اللغوية العصبية في مرتبها نظر العلم الحقيقي وبين صفوف العلماء، إنها علم زائف في أفضل حالاتها وبالرغم من كل بريقها الجذاب، وعليك أن تعلم أن معظم حالات النجاح والغنى تحققت فقط لمدربي البرمجة لا لتلاميذهم. لذا كن على حذر وأنت تقرأ إعلاناً مغرياً لدورة بعنوان (طريقك إلى الثروة والنجاح) فأنت تعلم الآن من الذي سيحققهما!