قراءة في كتاب «سورية أرض الحضارات»
سورية أرض الحضارات كما وصفها البارون فون أوبنهايم فردوس علماء الآثار أسهمت في مختلف ميادين الحضارة الإنسانية على مر التاريخ وكنوزها الأثرية الأشد إبهارا أروع مثال للاطلاع على الحضارات الأقدم في التاريخ ومنها لقى أثرية تعود إلى أكثر من مليون عام
حيث تم اكتشاف أكثر من عشرين موقعا أثريا فى مناطق جبل عبد العزيز والعثور على بقايا لإنسان استقر في هذه المناطق منذ مليون ومئتي ألف سنة قبل الميلاد واكتشاف أقدم موقع خارج افريقيا للسكن البشري.
وكتاب سورية أرض الحضارات الذي كتبه المؤرخ الدكتور ميشيل فورتان المستشار العلمي في جامعة لافال في كيبيك الكندية وأنجز ترجمته مركز الباسل للبحث والتدريب الأثري يؤرخ ويرصد عددأ من معارض الآثار السورية.
ويسلط الكتاب الضوء على أهم الحقب الزمنية التي مرت بها الحضارة البشرية على الأرض السورية ويبين أن المنطقة شهدت في الألف العاشر قبل الميلاد الثورة الزراعية الأولى في التاريخ وانتقل الإنسان فيها من التجوال والسعي إلى الاستقرار وزراعة النباتات واستئناس الحيوانات لينشىء لأول مرة القرى الزراعية الأولى كما نشات فيها المدن الأولى بمعابدها وقصورها وأسوارها الكبيرة ومهدت لظهور الكتابة.
وفي الألف الثاني قبل الميلاد ظهر الأموريون في ممالك متعددة مثل ماري ويمحاض وقطنا وكحت وأنشئت فيه أوابد شامخة تشهد على روعة وبراعة بانيها فمن أفاميا إلى تدمر وبصرى ودورا أوروبوس والسويداء والمدن المنسية وغيرها الكثير ولتشهد في القرن السابع الميلادي بزوغ فجر عصر جديد بحضارة وثقافة إسلامية شجعت على العلم والتطور وآثاره مازالت شاهدة مثل الرقة ودمشق وحلب وحماة وحمص.
ويشير الكتاب إلى أنه تم العثور على لقى أثرية عليها آثار مادة القار وتعود إلى تسعين ألف سنة بينما لا يعرف العالم حتى الآن اكتشافا لهذه المادة إلا فى الصين والتي تعود إلى أربعين ألف سنة فقط وهذه المادة تستخدم للصق المواد الحجرية بعد خلطها بالرمل والأعشاب لتعطي استخداما أفضل.
ومن أهم اللقى الأثرية الأخرى اكتشاف إنسان نياتدرال الذي كان يقوم بالصيد منذ تسعين ألف سنة خلافا لما كان يعتقد بأنه كان ينتظر الحيوانات المفترسة كي تنقض عن فريستها ثم يأخذ ما يتبقى من هذه الفريسة.
وعند دراسة تل العبر تلك القرية الزراعية فى الفرات الأوسط التي تعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد أثبتت الدراسات انتقال الإنسان السوري إلى حياة الاستقرار في العصر الحجري الحديث وبالتالي فإن سورية هي مهد مرحلة الزراعة والتدجين في كل العالم.
وأسهمت سورية في مختلف ميادين الحضارة مما جعلها الوطن الثقافي الآخر لكل مثقف في أنحاء العالم ففيها ظهرت أول أبجدية في العالم في أوغاريت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
وقسم الكتاب إلى عدة أقسام منها أصل الحضارة ويضم عدة أبحاث حول الحضارة والبيئة وعلاقتهما الوثيقة وأوائل الحضارات الكبرى وسورية مركز الحضارة وسورية بلد واضح التباين وتنظيم المجتمع ويضم أبحاث ظهور القرى والمدن والدول وانضمام سورية للامبراطوريات الكبرى وتنظيم الاقتصاد كما يضم أبحاث اكتشاف الزراعة وتوسيعها واستخدام المواد والفائض الزراعي وتطور التجارة وإدارة الإنتاج والتبادلات التجارية وتنظيم الفكر إضافة إلى أبحاث آلهة ذات سمات بشرية وأمكنة العبادة وممارستها والديانات الموحدة الكبرى اليهودية والمسيحية والإسلام والممارسات الشعائرية الشخصية والطقوس التي تحيط بالميت وانتقال التراث العلمي الى الغرب كما يضم أبحاث الحفاظ على الموروث الاغريقي الروماني ووسائل انتشار العلوم العربية وكيف انتقلت المعارف العلمية إلى الغرب وعززت هذه الأبحاث بالصور.
ويؤكد الباحثون أن المخطوطات العربية هي كنوز حقيقية من الكتابة وأن أولى حروف الأبجدية العربية ظهرت في القرن الرابع الميلادي في حين أن أقدم النصوص الرسمية باللغة العربية كانت قد نقشت على حجر في القرن السادس الميلادي .
أما أولى المخطوطات باللغة العربية فهي نصوص القرآن الكريم حيث أصبحت اللغة العربية لغة العلم والمعرفة خلال العصر الوسيط الغربي بين القرنين الخامس والخامس عشر.
واعتبر الباحثون أن مجموعات الحلي في المتحف الوطني بدمشق تبين أهمية الزينة النسائية في المجتمع السوري عبر التاريخ ويعتقد بعض الكتاب أن سر صهر المعادن وشغل الجواهر والحلي جاء من الشرق ويعتبر قدموس الفينيقي /الأسطوري/ أحد المخترعين للذهب ولطرق صناعة الحلي ويرجع الفضل للفينيقيين أيضا بفن صناعة العقود الزجاجية.
ويخلصون إلى أن فن شغل الحلي هو فن سوري تقليدي وبعض الكنيات الحديثة لعائلات سورية مشتقة من هذا الفن مثل عائلتي صائغ وجواهري والجدير بالذكر أن الكتاب يتضمن أيضا مجموعة من كتالوكات الصور لأهم الآثار والمكتشفات الأثرية في سورية.