الأطفال المعدّلون وراثياً
من المقرر أن تعقد «إدارة الدواء والغذاء الأمريكية» في هذا الشهر اجتماعاً عاماً لمدة يومين لبحث موضوع التعديل (الوراثي/الجيني) على البويضة البشرية. هذا وتتجه بريطانيا أيضاً نحو تشريع «الأطفال المعدّلين جينياً».
ويعود تاريخ استخدام الجينات البشرية لأغراض علاجية إلى عام 1990، وكانت معظم الجينات المُستخدمة في هذا العلاج من النوع (غير الموروث)، ودُعي هذا النوع من العلاج - الذي اعتمد على خلايا غير جنسية - بالعلاج الجسدي الجيني. ووضع القائمون على هذا العلاج قواعد صارمة له بحيث ينحصر تأثير التعديلات الجسدية التي يقوم بها بالفرد المُعالج وحده لمنع انتقال هذه التعديلات - وراثياً - إلى أفراد آخرين وبالتالي الحفاظ على سلامة الجينات البشرية.
إلا أن هذه القواعد تغيرت في عام 2001 عندما تم إجراء عملية ولادة ناجحة لحوالي30 رضيعاً معدّلاً وراثياً. وعلى إثر هذا، أكدت إدارة الأغذية والدواء الأمريكية (FDA) على شرعية استخدام الخلايا البشرية التي تتلقى المواد الوراثية/الجينية بوسائل مغايرة للوسيلة التقليدية القائمة على اتحاد نواة مشيجية*.
أما الآن، فقد أصبحت هذه الإدارة تفكر جدياً بالمضي قدماً من خلال محاولة إجراء تعديلات على البويضة البشرية ذاتها عبر إدخال مادة وراثية مأخوذة من امرأة ثانية إليها، بحيث تحمل الذرية الناتجة عن هذه البويضة حمضاً نووياً يعود لثلاثة آباء!! إن هذا النوع من التغييرات الجينية (تعديل السلالة الجرثومية) سيؤدي إلى حدوث تغيّرات في الجينات البشرية.
تقوم هذه التقنية على حقن بويضة امرأة عقيمة بحمض نووي سليم مأخوذ من متبرّع بالترافق مع عملية نقل لهيولى هذه البويضة. ومن ثم يطفو هذا الحمض المحقون خارج نواة الخلية التي تحتوي على الحمض النووي الاعتيادي، ولا يتم توريثه إلا عبر الأم فقط.
بالعودة إلى الاجتماع المزمع عقده، فإنه يُعدّ أول اجتماع عام من هذا النوع تقيمه إدارة الأغذية والدواء الأمريكية وفق تقارير صحيفة تايمز للسياسة الحيوية، ومن المتوقع أن تشهد جلساته مناقشات لاستخدام تقنية الاستبدال المسماة «الميتوكوندريا» والتي وضعها د. شوكرات ميتاليبوف في «جامعة أوريجون للصحة والعلوم».
وتلفت الصحيفة النظر إلى أن تقنية الاستبدال هذه تُعتبر إحدى أشكال التعديل الوراثي الذي كان مدعاةً للكثير من الجدل لأنه يتسبب بتغيير دائم للجينات البشرية إضافةً للمخاطر غير المتوقعة الناجمة عنه في مسائل النمو والتطور والشيخوخة.
وفقاً لتقارير «مركز علم الوراثة والمجتمع»، فقد تم في أواخر عام 2008 حظر كل العلاجات القائمة على تعديل وتحسين السلالة الجرثومية في 83٪ من دول (منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OEDC) بما فيها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
هذا وقامت المملكة المتحدة في حزيران الماضي بانقلاب نوعي على سياستها السابقة الرافضة لتعديل السلالات الجرثومية، حيث قررت المضي في سياسةٍ مغايرة عبر طرح قضية ما يُسمى بسلالة (الأطفال ذوي الآباء الثلاثة جينياً) للتصويت، وتجري الآن صياغة اللوائح المتعلقة بهذه المسألة والتي من المتوقع أن يصوّت عليها أعضاء البرلمان في عام 2014.
خلال شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي في عام 2008، قال المدير التنفيذي لمركز علم الوراثة والمجتمع ريتشارد هيز :
«إن معظم الناس يؤيدون وبقوة إجراء تطبيقات علاجية عبر العلوم الوراثية، ولكنهم يدركون أيضاً بأن التلاعب في الصفات الوراثية هو تجاوزٌ للخط المسموح به. ففي معظم الحالات، يستطيع الأزواج الذين يخشون من تمرير مرض وراثي خطير لطفلهم بأن يضمنوا خلوّ ابنهم من الأمراض عن طريق اختيار الصفات الطبية والصحية المناسبة، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى تعديل السلالة الجرثومية وما ينجم عنه من عمليات تدخّل معقدة ومحفوفة بالمخاطر»
ويحذّر هيز من أن «اقتراح تحسين السلالة الجرثومية باعتباره وسيلة لخلق أناس يتمتعون بقدرات معرفية ونفسية وسلوكية، من شأنه أن يُنشئ أنواعاً جديدة من البشر يمكن تسميتها بـ (ما بعد الإنسان)، وهذه الأنواع لن تكون قادرة على التزاوج مع البشر (الطبيعيين)»!!
وفي السياق ذاته، علّق بول نوبفلر الأستاذ في علم أحياء الخلية والتشريح من جامعة كاليفورنيا على هذه المسألة بالقول : «من الممكن أن يؤدي نقل نواة بويضة واحدة من شخص ما إلى بويضة ثانية منزوعة النواة تعود لشخص آخر إلى جميع أنواع المشاكل المدمرة».
في تأييدٍ صريحٍ منها لهذه المخاوف، تقول صحيفة التايمز للسياسة الحيوية : إذا قامت إدارة الأغذية والدواء بإعطاء الضوء الأخضر للباحثين في جامعة أوريجون للصحة والعلوم لإجراء تجارب إكلينيكية* على البشر، فسيُعتبر هذا أول موافقة تمنحها جهة تنظيمية - في العالم - لتعديل الخط الجرثومي للإنسان. وإذا أخذنا ندرة بيانات السلامة والفراغ التنظيمي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية حالياً بعين الاعتبار، فسيتضح لنا بأن السماح للعلماء بتنفيذ هذا النوع من التجارب والتي ستسبب بخلق تغيّرات دائمة في الجينات البشرية، هو أشبه بالسماح لجنيٍّ مخيف بأن يغادر فانوسه.
وكما هي الحال مع المحاصيل المعدلة وراثياً، فإن مجموعة من العواقب السلبية غير المتوقعة ستتطور عند البدء بتعديل جينات البشر التي سيرثها أطفالهم لاحقاً.
ومن الأسباب الإضافية لرفض تعديل السلالة الجرثومية يتجسد بأن هذا التعديل سوف يؤدي إلى ظهور فئة جديدة من المستضعفين وهم أولئك البشر الذين لا تتحمّل أجسادهم إجراء تحسيناتٍ جينية.
إن السماح بتعديل الأطفال وراثياً وبالتالي تمرير هذه التعديلات إلى الأجيال القادمة، يشكّل خطوةً جديدة تخطوها إدارة الأغذية والدواء الأمريكية على طريق تعديل الجنس البشري جينياً.
هوامش :
نواة مشيجية* : خلية مؤلفة من اتحاد بويضات وحيوانات منوية.
تجارب إكلينيكية* : ويُقصد بها الفحوص السريرية.