علم وسياسة وآينشتاين مثالاً
أينشتاين (14 آذار 1879 إلى 18 نيسان 1955) 1913 يقدم له الألمان، الذين كانوا يدركون أهمية العلم والتكنولوجيا في تحقيق الهيمنة دوليا، وبوساطة اثنين من كبار فيزيائييهم (ماكس بلانك، ووالتر نيرنست) عرضاً بتسهيلات للقيام بأبحاث، وأموالاً واستقلالية.
1914 تندلع الحرب العالمية الأولى بعد انتقال أينشتاين إلى برلين بفترة قصيرة، ومن بين القلائل من أساتذة الجامعات الذين رفضوا دعم مجهود ألمانيا الحربي، لا تقوم الحكومة بمضايقة أينشتاين كما فعلت مع أنصار السلام الآخـرين. وفي هذه الفترة يلتقي بالصهيونية لأول مرة وكان عمره 35 عاماً.
1919 - 30 كانون الأول - يكتب أينشتاين في صحيفة «برلينر تاجيبلات»:
«التحريض ضد اليهود من أوروبا الشرقية يثير بشكل خاص الشك في أن الأحكام المتزنة الهادئة تتعرض إلى تشويهها بغشاوة من غرائز قوية لمعاداة السامية، وفي الوقت نفسه، يبين أنه تَمَّ اختيار أسلوب معين للتأثير على مزاج الشعب يحرف أنظاره عن المشاكل الحقيقية، وعن الأسباب الحقيقية للمأساة العامة.»
ولكن هل نجا أينشتاين نفسه من هذا التضليل الذي مارسته الإمبريالية لإقناع الشعوب بأنّ الأزمة ليس في نظامها الرأسمالي وعزوها إلى تناقضات ثانوية عرقية، وهل نجا من براثن أداتها الصهيونية في استغلال التحريض العنصري المتبادل بين اليهود والأوروبيين الآخرين؟
في العام 1919 نفسه تقرر القيادة الصهيونية، التي كانت قد حلَّقَت على أجنحة بلفور، السعي لتجنيد المثقفين اليهود، وتدرج اسم أينشتاين ضمن القائمة.
1920 يقود العالم فيليب لينارد الحائز على جائزة نوبل الهجوم العلني على نظرية النسبية وعلى أينشتاين، ويقول: «أهم مثال على التأثير الخطر للدوائر اليهودية على دراسة الطبيعة يوفره السيد أينشتاين في نظرياته الرياضية الخرقاء». لماذا لينارد الذي أصبح كبير علماء هتلر؟ وإذا صح ما كانت تعتقده وزارة الخارجية الألمانية آنذاك من أنّ الصناعي الأمريكي الشهير هنري فورد، الذي امتدحه هتلر في كتابه «كفاحي» لاعتقاده بأنّه يحافظ على «استقلاليته» عن اليهود «السادة الذين يسيطرون» على الإنتاج في أمريكا، كان أحد الممولين السريين للحملة على أينشتاين، فإلى أيّ حضن كان رأس المال الصناعي الأمريكي يدفع بأينشتاين عبر استفزازه وتغذية المشاعر اليهودية لديه مستخدماً هجوم لينارد عليه؟
في العام 1921 يبعث الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان ببرقية إلى كورت بلومنفلد، وهو من كبار العاملين في مجال التجنيد للصهيونية، وكان قد كسب تعاطف أينشتاين مع «الجهود الصهيونية»، يأمره فيها «بإثارة حماس أينشتاين» وإقناعه بمرافقة وايزمان في رحلته لجمع الأموال في أمريكا. وفي العام 1921، بعد أن أقنع أينشتاين بمرافقة الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان في رحلته إلى أمريكا، بعث بلومنفلد تحذيراً إلى وايزمان، يقول فيه: «إن أينشتاين، كما تعلم، ليس صهيونياً، وأطلب إليك ألاَّ تحاول جعله صهيونياً، أو تحاول أن تضمه إلى منظمتنا...يشعر أينشتاين، الذي يميل إلى الإشتراكية، بالتعاطف كثيراً مع قضية العمل اليهودي والعمال اليهود... لقد سمعت أنك تتوقع من أينشتاين أن يلقي خطباً، أرجو أن تكون حذراً في هذا الأمر فأينشتاين ... غالباً ما يقول أشياء تصدر عن سذاجة لا نرحب نحن بها.»
ولكن أي نوع من الاشتراكيين كان أينشتاين؟
كتب اينشتاين في 21 حزيران 1921 «كيف أصبحت صهيونياً» في صحيفة «يوديش روندشاو»:
«إن هذه التجارب وتجارب مماثلة قد أيقظت مشاعري اليهودية القومية، إنني لست يهودياً بمعنى أنني أدعو إلى المحافظة على القومية اليهودية أو أية قومية أخرى كغاية في حد ذاتها، بل إنني أرى القومية اليهودية كحقيقة.. فأنا أعتبر تأكيد الاحترام الذاتي اليهودي والارتقاء به أمراً أساسياً، أيضاً لمصلحة التعايش الطبيعي مع غير اليهود، لقد كان هذا هو دافعي الرئيسي للانضمام إلى الحركة الصهيونية، فالصهيونية، بالنسبة لي، ليست مجرد حركة (استعمار) موجهة نحو فلسطين .... ففي ظروف الحياة السائدة اليوم يتعين على أبناء العشيرة الواحدة أو الشعوب أن يملكوا وعياً حياً بأبناء عشيرتهم، كي لا يفقدوا شعورهم بذاتهم وبكرامتهم»
وحول الصراع العربي - الصهيوني في فلسطين المحتلة لا يمكن وصف مواقف أينشتاين التي كان يشوبها كثير من التذبذب والتناقض بأنها سياسة واعية تماماً بقدر ما هي بالأصح نوع من الطوباوية، يكثفها قوله: «إنني أعتقد بأن المشاكل هي مشاكل سيكولوجية أكثر منها حقيقية، وبأن بالإمكان التغلب عليها إذا توفر لدى الجانبين الإخلاص والإرادة الطيبة» !
إنّ الجوانب السياسية من سيرة حياة أينشتاين تؤيّد استنتاجات عامة على المستوى العلمي والسياسي، لا يستطيع أي مثقف أو عالم في أي من المجالات التي تتعامل مع مستويات من الحركة المادية أبسط من حركة المجتمع، مهما كان متفوقاً فيها، أن يلتزم فكراً وممارسةً سياسية تقدمية، إن لم يكتسبها من خارج هذه الدائرة. ماركس وأنجلس ولينين لم يصبحوا شيوعيين لبراعتهم في العلوم الطبيعية، بل لالتزامهم الجذري بالنضال من أجل قضية الطبقة العاملة.