تجارة الأسرار.. من يبيع؟ من يشتري؟
على أراضي جزيرة مالطا الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط، يجلس اثنان من أمهر قراصنة الكمبيوتر في العالم، يقضيان ساعات النهار والليل أمام شاشات الكمبيوتر في غرفتهما المتواضعة المطلة على الشاطئ، في مهمة رقمية صعبة بلا شك، لكنها ليست مهمتهما الأولى،
إنها على قدر كبير من الأهمية وستجعلهما بلا شك من أثرى الأثرياء.
يقوم «لويجي» و«دون» بالبحث المحموم وبسرية تامة على ثغرة واحدة صغيرة في الأنظمة الحكومية الخاصة بإحدى الدول ثم بيعها - بالسعر المناسب- للدول المعادية لها، وعلى الرغم من أن لائحة «زبائنهم» تحافظ على مستوى كبير من السرية إلا أن التقارير الصحفية أثبتت بأن شركتهما الصغيرة (ReVuln) قد تعاملت مع تنوع مثير للاهتمام من المنظمات الحكومية وغير الحكومية طوال عقد من الزمن كوكالة الأمن القومي الأميريكية (NSA) مروراً ببعض أجهزة الاستخبارات الأوروبية وصولاً إلى الحرس الثوري الإيراني. وفي كل مكان من العالم تزدهر تلك التجارة يوماً بعد يوم ويتم تجنيد الكثير من الشركات والأفراد بغرض «التنقيب» عن ثغرات برمجية في الأنظمة الرقمية، لأن أي ثغرة من هذا النوع قد تسمح للمستفيد بالدخول إلى كل أركان النظام الالكتروني المستهدف بقصد التخريب أو السرقة والخروج دون أي أثر.
كان من الممكن للسيد «لويجي» والسيد «دون» بيع نتائج عملهما للشركات المصنعة للأنظمة المستهدفة كما كانت العادة منذ عدة سنين، فقد قامت مايكروسوفت مثلاً بتحدي أياً كان لاكتشاف مثل تلك الثغرات ووصل المبلغ الذي تريد دفعه لمن يقدر على ذلك إلى حوالي 150 ألف دولار الشهر الماضي!! لكن الحكومات تدفع أكثر من ذلك بكثير، كي تستطيع الاستفادة من تلك الثغرات وانتهاك الإجراءات الأمنية كافة التي تعتني بسرية النظام الهدف فالجميع يتذكر نتائج التعاون الرقمي الأميريكي-الاسرائيلي في خلق ونشر الدودة الرقمية «ستاكس نت» التي أصابت برنامج التخصيب النووي الإيراني بالشلل لعدة أسابيع.
ينبع التفوق الرقمي لمثل هذا النوع من الاستهداف من السرية التامة لمراحل التنفيذ، حيث يتم اكتشاف الثغرة الأمنية في النظام البرمجي واستخدامها على الفور، وبالتالي لا يتم اكتشاف الاختراق إلا بعد حصول الضرر، لذا كان لابد من تجنيد العديد من الخبراء لاكتشاف تلك الثغرات وإيجاد أفضل الطرق لاستثمارها، وأيقنت الكثير من الحكومات بأن الطريقة الأمثل للدفاع عن أنظمتها الالكترونية تنطلق من إيجاد الثغرات في الأنظمة المعادية واستثمارها عند الضرورة في إطار حرب استباقية، وتشير المعلومات إلى أن الصين، الكيان الصهيوني، روسيا، الهند هي من أكبر الداعمين بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تصدرت الأنباء في هذا السياق نتيجة لأزمة «إدوارد سنودن» التي لم تنته بعد، وتعد كوريا الشمالية من أهم أسواق العمل بالإضافة لإيران وبعض أجهزة الاستخبارات العربية، وبالمقابل تعد دول ماليزيا و سيننغافورة واليابان وغيرها من أكبر الدول التي تشتري تلك الأسرار.
تعمل بعض الدول والشركات أيضاً دور الوسيط بين البائع والمشتري مقابل بعض النفوذ أو نسبة من الأرباح وتعود رحى تلك المعارك الخفية إلى الدوران في المعسكرات السرية والفنادق الرخيصة في إطار حرب أدمغة طاحنة تحركها مصالح الدول، لا تحتاج إلا إلى حاسب شخصي واتصال سريع بشبكة الانترنت..!!