الطابعة الثلاثية الأبعاد: ثياب وطعام وأعضاء بـشريّة!
سهى شمص سهى شمص

الطابعة الثلاثية الأبعاد: ثياب وطعام وأعضاء بـشريّة!

ماذا لو أصبحت حياتنا تعتمد على طابعة كبيرة؟ وتوقفنا عن الذهاب إلى السوبرماركت ومتجر الملابس ومتاجر أخرى كثيرة، وأصبحنا نصنع كل ما نريد في المنزل بأنفسنا؟ ما نشهده اليوم أقرب إلى السحر التكنولوجي المتمثل بالطباعة الثلاثية الأبعاد.

«من الصعب أن يصدق المرء ان هذه الطائرة كانت كوماً من البودرة يوم الجمعة الماضي». هذا ما قاله الباحث البريطاني جيم سكانلان في أعقاب نجاح تجربته في تجميع أول طائرة من دون طيّار بالعالم مطبوعة بشكل كامل.

ما نشهده ليس بعيداً من السحر، فأصبح هناك مطبعة «سحريّة» بإمكانها طباعة أشياء ثلاثيّة الأبعاد مثل: الثياب، التربة، قطع الغيار، الآلات الموسيقية، القطع الأثريّة وحتّى الطعام. وليس ذلك فقط الأعضاء البشريّة أيضاً. ما ينبئ بثورة صناعيّة ثالثة بدأ يشهدها العالم.

جهاز يشبه ثلاجة كبيرة الحجم، رمادي اللون ومجهز بباب من الزجاج. جهاز عادي يستطيع القيام بأشياء مدهشة، سيغيّر نمط حياتنا خلال السنوات العشر المقبلة.

سنبدأ بطباعة معظم المنتجات التي نستخدمها بشكل يومي عبر طابعات ثلاثيّة الابعاد نشتريها من الأسواق بأسعار مناسبة.

تعمل هذه الطابعات عن طريق ادخال رسم ثلاثي الأبعاد D3 على الكمبيوتر عن طريق برنامج يدعى الكاد CAD، فتبني الطابعة أجزاء المنتج المطلوب عن طريق إضافة الطبقات الدقيقة فوق بعضها بعضاً من الأسفل إلى الأعلى، حتى يجرى تشكيل المنتج في صورته النهائية. ويُطبع باستخدام مواد مختلفة كالحديد والخشب والرمل والبلاستيك.

تعتبر الطابعات الثلاثية الأبعاد أسرع وأوفر وأسهل في الاستعمال من التكنولوجيات الأخرى للتصنيع. وتتيح للمطورين القدرة على طباعة أجزاء وتركيبات مصنوعة من مواد عديدة وبمواصفات ميكانيكية وفيزيائية مختلفة في عملية بناء واحدة.

تتوقع مؤسسة كاناليس المتخصصة في بحث ودراسة متطلبات السوق أن تبلغ إيرادات قطاع الطباعة ثلاثية الأبعاد ملياراً وثلاثمئة ألف دولار في العام الحالي، أي بزيادة 52 % مقارنة مع العام السابق. بعدما بدأ ينتشر استعمال هذه التقنية بسبب انخفاض سعرها ففي البداية كانت تكلّف أكثر من مئة وثلاثين ألف دولار، فيما أصبح سعر واحدة متوسطة الجودة أقل من ألف دولار.

 

طباعة كل شيء

تتطوّر الطباعة الثلاثيّة الأبعاد بشكل مستمر منذ أن ابتكرها إمانويل ساكس في 1993، حتّى أصبحت تستخدم في صناعات كثيرة وتستفيد منها شركات عديدة. بدأ الأمر بألعاب أطفال، تماثيل، تصاميم صناعيّة، مجوهرات وأحذية وملابس، ثمّ إلى سيارات، طائرات ومبانٍ، حتّى وصل إلى الطعام والأنسجة البشريّة، من دون أن نعرف أين سينتهي.

تمكنت مؤسسة Smithsonian للطباعة ثلاثية الأبعاد من الحفاظ على التماثيل التاريخية النادرة فبدأت برقمنة كثير من التماثيل النادرة، للبدء بطباعتها مرة أخرى، وتوفير نسخ كثيرة منها. فكان تمثال السياسي الأميركي توماس جيفرسون أكبر تمثال تاريخي مطبوع بالتقنية ثلاثية الأبعاد.

وأدخلت شركة فورد هذه الطباعة إلى صناعة السيّارات لإنتاج الأجزاء النموذجيّة للسيّارة بسرعةٍ فائقة مثل رؤوس الأسطوانات ومشعّب السحب وفتحات الهواء. تمكّن أيضاً المخترع أنريكو ديني من ابتكار نظام بناء المباني التي طورته فيما بعد شركة «وين صن» الصينية للهندسة والتصاميم والديكور، وذلك بطباعتها لجميع الأجزاء والقطع التي يحتاجها تشييد المنازل مستخدمة مادّة الإسمنت، وبالتالي بناء عشرة مساكن في يوم واحد. فيما يقوم طاقم آخر في أمستردام بتنفيذ مشروع يرمي إلى طباعة منزل كامل مؤلف من 13 غرفة، بما فيها بعض المفروشات والأثاث، بعملية واحدة، وفق جدول زمني مدّته ثلاث سنوات.

يقدّم الطعام في مدرسة هوغوورتس للسحر والشعوذة ضمن سلسلة هاري بوتر بطريقة سحريّة تشبه تلك التي ابتُكرت هذا العام. طابعة Foodini الثلاثية الأبعاد يمكنها طباعة الأطعمة المنزلية التي تستغرق وقتاً طويلاً في تحضيرها، عن طريق إدخال تلك المواد في كبسولات مخصصة ليخرج في النهاية الطعام جاهزاً فقط للطهى على النار.

كما يمكن لطابعة أخرى من ابتكار مختبر الابتكارات في المملكة المتحدة طباعة الفواكة، بغرس جينات الصوديوم في شكل يشبه ثمار الفواكه. وكان أوّل من موّل وطوّر طابعة ثلاثيّة شركة ناسا المختصة بعلوم الفضاء لإطعام الرواد في الفضاء.

أمّا في مجال الطب ففوائد هذه الطباعة لا تحصى. بدءاً بزراعة الأسنان، الأطراف الصناعيّة والقلب البلاستيكي، ثمّ ترميم الكسور والعظام وأخيراً طباعة الأنسجة والأعضاء البشريّة.

شهد عام 2012 زراعة فك سفلي صناعي من مسحوق التيتانيوم في فم مريضة تبلغ من العمر 83 سنة، طُبع عبر هذه التقنية.

ثمّ قام فريق جراحي بريطاني بترميم وجه رجل أصيب أثناء حادث مستخدمين المادّة نفسها لطباعة عظام بديلة. وفي برلين، استخدمت التقنية نفسها لإنتاج صمّام قلبي بشري مماثل تماماً لقلب المريض. يتم في البداية تصوير مقطعي لصمامات قلب المريض وبعدها يأتي دور الطابعة ثلاثية الأبعاد. يتم إرسال هذه البيانات الهندسية إلى الطابعة ثلاثية الأبعاد التي تتولى إنتاج صمامات قلب بلاستيكية.

يسعى الباحثون الآن إلى الانتقال بهذه الخطوة إلى الخلايا البشرية عن طريق الاستعانة بأنسجة الحبل السري الذي يحتوي على الخلايا الجذعية. وتقوم أبحاث علمية لتطوير صمامات قلب اصطناعية تنمو فيها الخلايا، وبعد أن تنمو تُزرع في جسم المريض لتقوم بالوظيفة الكاملة التي يقوم بها صمام القلب البشري.

دخلت هذه التقنية لبنان عام 2013 على يد المهندس المعماري الفرنسي غيوم كريدوز. افتتح كريدوز مركز «ذا بيكاري» أو المخبز في ضاحية مار ميخائيل في بيروت الذي يقدّم خدمات الطباعة ثلاثية، كقطع الخشب والسيراميك المزخرفة باستخدام طابعات «زي كروب» من أجل تصنيع النماذج الأولية السريعة وتصنيع المجسمات باستخدام تقنية الـ CAD بواسطة أشعة الليزر والتي بإمكانها تشكيل أي مجسم بشكل ثلاثي الأبعاد.

تلا ذلك افتتاح مصنع مشترك لشركتي «غلي» الصينية و«سيترون» الأوروبية في الجيّة، الذي يتخصّص في إنتاج قطع غيار المركبات والآليات بالطباعة الثلاثية الأبعاد. يقدّم المصنع قطع غيار مدعومة لصالح قوارب الصيد للصيادين. وينتج قطع غيار للآلات والمعدات الإلكترونيّة والأدوات الروبوتية المؤتمتة التي تستعمل في السيارات والطائرات والكومبيوترات والأدوات الإلكترونية والرقمية والروبوتات المستخدمة في المنطقة.

يستخدم مصنع الجيّة مادة السيراميك أساساً في صنع منتجاته. وتعمل ماكينات «أ.ك.ك. فري فورمينغز» على صنع المنتجات عبر الحصول على بيانات ثلاثية الأبعاد لها، ثم تستخدم جزيئات السيراميك في صناعة الطبقات التي ترتص للحصول على الشكل الصلب النهائي.

 

المصدر: الأخبار