فرط الذكاء
بعد انتشار موضة ما يسمى فرط النشاط الذي اعتبر مرضاً وبائياً يستلزم معالجة آلاف الأطفال من آثاره المدمرة لنتائج تحصيلهم الدراسي،
تتداول الآن- وربما بعد فوات الأوان للكثيرين- فكرة أن ربما لم تكن المشكلة الحقيقية في أدمغة أولئك الأطفال الذين أتخمت أجسادهم بآلاف كبسولات الأدوية المهدئة والكابحة لذكائهم الخارق كالريتالين والأديرول، بل هي في الأنظمة التعليمية المقولبة غير القادرة على لعب أي دور تطويري لهؤلاء النوابغ الصغار الحاملين لبذرة التنوع والاختلاف في العلوم والتقانات والفنون والآداب، تلك الأنظمة التعليمية المصممة لخدمة متطلبات سوق العمل، والتي تستند إلى أن تقسيم مستويات التعليم محسوب وفق الأعمار بطريقة أساسية، ولا يأخذ بعين الاعتبار الميول والإمكانات ، لا بل يحاسب جميع الطلاب وفق مسطرة واحدة تصلح للجميع، -كلكن معكن أبو خريون- لكنها منفصلة عن الواقع لا بل حتى عن متطلبات السوق ذاتها التي يفترض بأنها تخدمها، فالتفوق الدراسي ليس هو الطريق الحتمي للنجاح في العمل رغم أنه يشكل لبنة أساسية، وليس حتى الضامن الأول للحصول على عمل، ويكتشف الشاب ذلك بعد فوات الأوان أي بعد أن يكون قد أمضى كل طفولته ومراهقته وجلّ شبابه في المضي في طريق لا يوصله لا إلى الحصول على عمل يناسبه، ولا إلى النجاح في عمله، ولم يعد الوقت مناسباً ولا الإمكانات طازجة للبدء من جديد في تعلم ما فات.
ربما يكون التعلم في مجموعات صغيرة أكثر فائدة بكثير من التعلم في هذه الصفوف الكبيرة والتي تتزايد أعداد الدارسين فيها، بحيث تصبح صفوف المدارس شيئاً فشيئاً ما يشبه قاعات ومدرجات الجامعات، وتفقد الصلة بين الطالب والمعلم، وتتحول إلى ملقن ومتلق، قد يتذكر أحدهما الآخر، إن كان قد ترك ذكرى متميزة بالمصادفة، ولكن على الغالب يمر ذلك مرور الكرام، بحيث تصبح ذكرى المعلم أو ذكرى الطالب ما يشبه ذكرى أي نشرة أخبارية تنسى تفاصيلها حتماً بعد مرور أسبوع عليها.
ما يفسح المجال أمام المتعلم في إبداء رأيه والتعبير عن قدراته المتنوعة والمختلفة أمام غيره من الدراسين في نوع من تبادل طرق التفكير، بدلا من قوالب التفكير الجاهزة التي لا يمكن الحصول على تقدير جيد من دونها.