الأذن الخفية .. في كل مكان

الأذن الخفية .. في كل مكان

يبدو أن الجميع مغتاظ بالفعل من الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام فيما يتعلق بمضوع «التنصت الرقمي» ، ولم تعد سياسة «الحلفاء» كافية لغض النظر عن التصرفات التي ضربت عرض الحائط جميع قوانين الخصوصية الحامية للدول والأفراد، على الأقل هذا ما تبدو عليه الأمور عند مطالعتنا اليومية للاستياء الاوروبي والعالمي على شبكات الأخبار في كل مكان، لكن فصول هذه «المسرحية» لن تخدع المتابعين التقنيين وخبراء أمن المعلومات ، فلمن لا يعلم ، هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.

سياسياً، شكّلت التقارير «صدمةً» للحكومات الأوربية على وجه الخصوص، و طالبت الولايات المتحدة بتقديم تفسيراتٍ وإيضاحاتٍ بشأن عملية التجسس التي قامت بها وكالة الأمن القومي الأمريكي على الاتصالات الهاتفية ، فقد عبّر رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت في كوبنهاغن عن «صدمته» للمعلومات عن تجسّسٍ أميركيٍّ على فرنسا، وطالب الولايات المتحدة بتقديم «أجوبةٍ واضحة» حول هذه الممارسات. وقال وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس إنّ بلاده ستطالب السلطات الأمريكية بتفسيراتٍ محدّدة حول هذا الموضوع.. واصفاً تلك المعلومات بأنها «صادمة». كما ويأتي افتتاح القمة الأوروبية الأخيرة  بعد يوم واحد من إجراء المستشارة الالمانية «أنجيلا ميركل»  مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول الادعاءات القائلة إن الاجهزة الأمريكية تنصتت على المكالمات التي أجرتها باستخدام هاتفها المحمول، وفي افتتاحية نشرتها صحيفة زود دويتشر تسايتونغ - وهي واحدة من أكبر الصحف الالمانية مكانة - أشارت الصحيفة إلى أن ما حصل يعد «أكبر إهانة» تتعرض لها البلاد ، وجاء في الافتتاحية أن الهجوم الامريكي على هاتف ميركل يعتبر بمثابة هجوم على «قلبها السياسي».

 

بدأت القصة مع «إدوراد سنودون»، ذلك الموظف الأمريكي في وكالة الأمن القومي الذي أثار زوبعة عالمية بعد تسريب معلومات فائقة السرية تخص برنامجاً أمريكياً حكومياً يختص بالتنصت على المعلومات الرقمية لجميع المستخدمين، وبدأت كرة الثلج تكبر أكثر فأكثر بعد لجوء الأخير إلى روسيا ثم ترحيله لاحقاُ في إطار أزمة دولية بلغت حدوداً غير مسبوقة، عنده قامت الكثير من الصحف الأوروبية بتلقف تسريبات سنودون ونشرها على الملأ في إطار فضيحة عالمية جديدة تكشف فصلاً جديداً من فصول التنصت الأمريكي على الاتصالات في دول العالم، حتى الصديقة منها، والذي جعل من موقف تلك الدول مسرحيةً هزليةً، مليئةً بمشاهد الاستنكار والإدانة العبثية التي لا تقدم ولا تؤخّر، وتظهر مشاركة خفية في بعض الأحيان وعجزاً دولياً في الأحيان الأخرى في مواجهة التسلط الامريكي على العالم، الذي بات يصل حد التجسس على كل مواطنٍ فيه.

 

وكشفت التقارير بعضاً من الطرق التي تعتمدها وكالة الأمن القومي الأمريكي في عملية تنصّتها، حيث تقوم بتحديد أرقامٍ معينة، ترصد كلّ مكالماتها عبر عملية تسجيلٍ مستمرّة، فور إجراء هذا الرقم لأي اتصالٍ أو تلقيه، بالإضافة إلى اعتماد قاموسٍ من الكلمات المفاتيح لرصد أي رسالةٍ مرسلةٍ تتضمن موضوعاً يهمّ وكالة الأمن القومي الأمريكية، ويتمّ بعد ذلك أرشفة الرسائل والتسجيلات في سجلاتٍ خُصّصت لتلك الأرقام المرصودة.

 

وبحسب المتخصص بشؤون الحرب الإلكترونية وصاحب كتاب «الحرب السرية للاتصالات»، الفرنسي آلان شارات، فإن فرضية جهل باريس مثلاً بعملية التنصت التي تقوم بها واشنطن مستبعدةٌ كلياً، فالأمر ليس بالجديد إذ أنّ العام 1994 شهد كشفاً لعمليةٍ مشابهة قامت بها وكالة الأمن القومي في فرنسا سببت خسائر فادحة في عدد كبير من الشركات الفرنسية. وكشف شارات في مقابلة مع «فرانس 24» أنه في الصيف الماضي طُلب من موظفي الوزارات الاكتفاء باستعمال هواتف مؤمنة في بعض اتصالاتهم، الأمر الذي اعتبره دليلاً على أنّ السلطات الفرنسية تعرف أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تتجسس على اتصالات المواطنين الفرنسيين، لكنها لن تتدخل للحد من ذلك، فهي شريكة بالحد الأدنى من المعلومات التي قد تمن بها الولايات المتحدة عليها.

 

على كل حال لقد أثارت القضية استياءً كبيراً في الشارع، خاصةً أنّ ما كشفته التقارير يؤكد أنّ عملية التنصت تجري لأهدافٍ سياسيةٍ واقتصادية، ليس لمكافحة الإرهاب العالمي، ووفق استطلاعاتٍ للرأي فقد عبّر المواطنون عن خوفهم على معلوماتهم الشخصية وخصوصياتهم التي باتت عرضةً للانتهاك من أجهزة المخابرات العالمية وخاصةً الأمريكية، وعبّروا عن هاجسٍ جديدٍ يتمثّل بما وصفوه بالـ «الأذن الخفية» التي باتت ترصد أيّ مكالمةٍ أو حديثٍ لهم، ما يجعلهم عرضةً للابتزاز والانكشاف.