كثرة المتابعين في مواقع التواصل تتطلب الحذر
في زمن الـ«سوشيال ميديا»، يعد أمراً بالغ اللطف أن يكون لك حساب على شبكة تواصل اجتماعي كفيسبوك. ويكون جميلاً أيضاً أن تكون ممن يتواصلون عبره، وأن تُكثر الكتابة عليه. لكن هناك مفاجأة صغيرة: ليس من الجيد أن يكون لك الآلاف من المتابعين، على عكس كل التفكير السائد في ذلك الشأن! تسمع الناس يتبارون ليل نهار لتكون حساباتهم منظورة ومقرؤة من قبل آلاف مؤلفة من الأشخاص، وتستعر نيران لا تنطفئ من المنافسة على أعداد المتابعين. لكن، حذار ثم حذار. ليست الأمور كما تبدو في ظواهرها، وتذكر أن ليس كل ما يلمع ذهباً!
لا تكمن الخطورة في شعور صاحب الحساب بالفخر والتباهي بكثرة عدد المتابعين، أو الإحساس الكاذب بالأهمية والمهارة التي تولدها الأعداد المرتفعة من المتابعين لحسابك على الشبكات الرقمية للتواصل الاجتماعي. فكر قليلاً في مسألة أن هناك من يراقب تلك المسارات كلها، بل أن بيده أمر المحاسبة والمعاقبة.
هناك نموذج ملموس ومعبّر عن تلك المفارقة. في الأسابيع القليلة الماضية، تفجر غضب في أوساط صحافيّة وحقوقيّة بأثر موافقة مجلس النواب المصري المبدئيّة على قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي تقدم به «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام». ومنذها، يستعر الجدل حول المواد الخاصة بالمواقع الإلكترونيّة. وتشير المادة 19 في الفصل الثالث من ذلك القانون، وهي تتعلق بواجبات الصحافيّين والإعلاميّين حيال المواقع الرقميّة الشخصيّة، أو المُدوّنات الإلكترونيّة الفرديّة، أو الحساب الإلكتروني الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، في حال فاق متابعي تلك المُكوّنات الشبكيّة الشخصيّة على خمسة آلاف شخص! ومال كثيرون إلى اعتبار تلك المادة تلويحاً بتدخّل الدولة في المحتوى الشخصي المنشور على الشبكة العنكبوتيّة.
وفق كلماتها، تنص المادة عينها على أنه يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلاميـّة أو الموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعناً في أعراض الأفراد أو سبّاً أو قذفاً بحقهم، أو امتهاناً للأديان السماوية أو العقائد الدينية. ويلتزم بأحكام المادة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونيّة شخصيّة أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر. ومع عدم الإخلال بالمسؤولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة، يجب على «المجلس الأعلى» اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة؛ وله في سبيل ذلك، وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه.
ولم تنجح في تخفيف الاستياء والنقد، تلك النوايا الحسنة المعلنة عبر كلمات ومفاهيم كـ«محاربة الأخبار الكاذبة» و«مجابهة محاولات التشويه وإثارة الإشاعات ونشر البلبلة» وغيرها. وكذلك لم يبدُ مجدياً تذكير بعض المحتجين بالأضرار الجمّة التي حاقت بمجتمعات ودول كثيرة، جراء الحسابات الوهميّة، واللجان الإلكترونيّة، والتدخل في نتائج الانتخابات الرئاسيّة، وتجنيد عناصر للجماعات الإرهابيّة وغيرها. حيال الاصرار على إشاحة النظر عن تلك الوقائع الواضحة، لا يسع المرء سوى تذكر عبارة الشاعر الإيطالي دانتي آليجري في «الكوميديا الالهيّة»، وهي أن «الطريق إلى جهنم كثيراً ما يكون مفروشاً بأصحاب النوايا الحسنة».