العرافة: «فايسبوك»

العرافة: «فايسبوك»

أن تلهث خلف التوقعات حول ما قد يحدث لك في الغد فهذا دلالته أنه لا يوجد اختلاف في اليوم عن الأمس إلا في بعض التفاصيل غير المهمة، فالمشاركة في أحد المواقع التي تُعلن عن توقعات المستقبل تشبه كثيراً الجلوس أمام أحد الدجالين تسأله قراءة الكف لك، وتلك الحالتان تُعد نبوءة مدفوعة الثمن.

ظهرت في الآونة الأخيرة مواقع عدة تعُلن عن قدرتها على تقديم قراءات لمستقبل زائريها، والمطلوب أن يقوم الزائر بتسجيل حسابه الخاص على «فايسبوك» ليتمكن من رؤية النتائج؛ هكذا تكون دائماً البداية عند زيارة أحد الدجالين الذي يطلب من الزائر أن يلقي بشيء من أثره ليحصل على النتيجة المرجوة.

تجذبك هذه المواقع للمشاركة بعبارات رنانة، منها تعرف على ذكائك وشخصيتك وأصدقائك الذين يحبونك والذين يكرهونك من سمات وجهك، وتخمين شخصيتك الحقيقية وتوأم روحك والرسالة التي ترسلها عيناك من أحلامك ومن حاول قتلك وملخص لحياتك ومن أنت حقاً ومن هم أصدقاؤك المُقربون، وتقييم جنونك وجنون أصدقائك، وحقائق تم اكتشافها عنك، والأخبار الصادمة التي سيقرأها الناس عنك، واختبار نفسي، ومن هم الأشخاص الذين لا يمكن استبدالهم في حياتك، وهل أصدقاؤك ملائكة أم شياطين، ونوع وجهك ومستقبلك، وما هي الوظيفة التي ولدت لتقوم بها، أكثر الجنسيات المشابهة لملامح وجهك، والحيوان الذي تتحول إليه عندما تغضب، اسم حب حياتك، صديقك الحقيقي الأبدي، ومن سيبقى في حياتك عندما يتركك الآخرون.

رصدت السينما المصرية في العام 1990 ظاهرة الدجل والشعوذة في فيلم بعنوان «البيضة والحجر» قام ببطولته الفنان المصري الراحل أحمد زكي ( تأليف محمود أبوزيد وإخراج علي عبدالخالق)، جسد خلاله شخصية مدرس الفلسفة مستطاع الذي أستأجر حجرة في سطح أحد المنازل، وظن فيه سكان المنزل أنه على صلة بعالم أخر سفلي كما كان يعتقدون في الساكن السابق للحجرة، تقوده الصدفة إلى الوفاق بين زوجين تتكرر خلافاتهما، وهو ما دعم ظنون الناس فيه من دون أن ينفيها هو، وتمادى في لعب دور المشعوذ مستخدماً دراسته في علاجهم وحل مشاكلهم وحقق ثراءً من ذلك.

وكما انجذب سكان المنزل إلى جارهم المشعوذ تنجذب فئات عدة من رواد «فايسبوك» إلى المنشورات الدعائية التي تعرضها هذه المواقع.

تواصلت مع أستاذ علم النفس السياسي في جامعة القاهرة الدكتور جمال فرويد، الذي قال عن هذه الظاهرة: «إن هذا المواقع تعمل في مجال البحث الاستقصائي، ولا تقدم إلا كل ما هو بلا أهمية»، ودلل على ذلك بأنه عند تكرار المشاركة لزائر واحد تكون النتائج مختلفة عن السابق. واعتبر أستاذ علم النفس السياسي أن تردد المشاهير وبعض الشخصيات العامة على هذه المواقع دلالة على مدى الفراغ الذي يحتل مساحة شاسعة في عقول هؤلاء.

وأوضح فرويد أن المالكين لهذه المواقع يحصلون على أرباح مادية من زيادة عدد الزائرين، إضافة إلى أن الهدف الأصلي من إنشائها بحثي بحت، ويتمثل في الحصول على البيانات الشخصية للزائرين، والتي يتم تحليلها من قبل الجهات البحثية المختصة في هذا المجال والتابعة لبعض أجهزة المخابرات الدولية، ثم يتم إرسال النتائج البحثية إلى الجهات المهتمة بما يقال ويتداول داخل المجتمعات العربية من الآراء الشعبية على كل المستويات والصعد الاجتماعية والثقافية والعلمية، وفي ملخصها تعُد عملية تحليلية للمجتمع بغرض سياسي ليس أكثر.

وعن المشاركة الفاعلة لبعض المشاهير في مجال الفن والرياضة والأدب والصحافة والإعلام، قال فرويد: «إن الهدف من زيارة مثل هذه الشخصيات ينحصر بين هدفين الأول زيادة الشعبية التي يتمتعون بها من خلال نشر المشاركات الخاصة بهم على مواقع التوقعات والنبوءات المثيرة لإحداث فاعلية على حساباتهم الخاصة وما يتبعها من زيادة المتابعين لهم وزيادة التعليقات، والهدف الثاني هو البحث عن شعبية يفتقدونها».

ولفت أستاذ علم النفس السياسي إلى أن هناك بعض المشاهير ليست لديهم حسابات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي نهائياً، وآخرون يشاركون بحسابات وأسماء وهمية بهدف متابعة الأخبار المتعلقة بمجال أعمالهم سواء الفنية أو الرياضية أو غيرها، ووصف فرويد التأثير الذي تحدثه مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية بـ «العنيف» خصوصاً أن تأثيرها بات أكثر من الصحف في الشعوب، ووفقاً للتقارير البحثية الدولية تحتل مواقع التواصل الاجتماعي المركز الثاني بعد الإعلام في التأثير في المجتمعات الدولية، ويرى أن عدداً كبيراً من المنابر الإعلامية على المستوى الدولي تعتبر المحرك الأول والرئيس للفساد في العالم.

يذكر أن هذه المواقع تخلي مسؤوليتها عن التداعيات التي قد تحصل للزائرين بناء على ما يحصلون عليه من نتائج، معلنة عن أن كل المحتويات الموجودة لأغراض الترفيه فقط.