داخل معمل تديره البروليتاريا
يُظهر العاملون في فنزويلا ما هو ممكن عندما يستولي العمّال والمجتمعات المحليّة على وسائل الإنتاج.
تعريب: عروة درويش
قام عمّال مصنع بيرة براهما في ولاية لارا في فنزويلا، بعد إغلاق الشركة وصرفهم من الخدمة بشكل جماعي، بالاستيلاء على المصنع عام 2013. يملك المجتمع المحلي الشركة اليوم، وتُدار من قبل العمّال الذين يهدفون إلى تلبية احتياجات المزارعين والمقيمين المحليين.
زرنا المصنع كجزء من وفد التضامن الدولي، وقد تمّت إعادة تسمية المصنع: «اتحاد البروليتاريين Proletarios Unios».
كان مصنع براهما مملوكاً لشركة برازيليّة، والتي أنتجت البيرة لتباع في فنزويلا وبورتو ريكو والولايات المتحدة والكثير من البلدان الأخرى في أمريكا وأوروبا. عندما توفي الرئيس السابق هوغو تشافيز الذي قاد الثورة البوليفارية المناصرة للفقراء في البلاد في آذار/مارس 2013، خشيت الشركة من أنّ مستقبلها في فنزويلا مهدد لتوقعها بأنّ البلد سوف يفلس وبأنّ انقلاباً عسكرياً لا بدّ قادم. قررت شركة براهما على أساس ذلك أن تبيع جميع أصولها.
وبعد ادعاء براهما بيعها المصنع لشركة بيبسيكو، صرفت 900 عامل من الخدمة كي يتمكن صاحب العمل الجديد من توظيف عمالة أزهد ثمناً. لكنّ قانوناً صدر في عهد تشافيز جعل صرف العمّال من الخدمة دون سبب وجيه أمراً غير قانوني.
وفي أوراق بنما الشهيرة التي كشفتها ويكيليكس، انكشف بأنّ براهما قد اعتزمت بيع المصنع للملياردير الفنزويلي وعملاق الإعلام غوستافو سيسنيروس، وهو الذي يملك بالفعل حصّة كبيرة في الإنتاج الغذائي الوطني، وخاصّة إنتاج البيرة.
كانت هذه الخطوة لتمنح سيسنيروس احتكاراً على إنتاج البيرة، وهو الأمر غير المسموح تبعاً للقانون الفنزويلي المناهض للاحتكار والذي يمنع الاحتكار داخل القطّاع الغذائي. بأيّ حال، كان شرط سيسنيروس لإكمال الصفقة أن يتم تسريح جميع العمّال لعلمه بأنّهم منظمون ومسيسون جيداً.
وكردّ على عمليات التسريح، خاض العمّال نضالاً لمدّة عامين لإنقاذ عملهم ووقف أيّ عمليات نقل آليات من المصنع. وواجه العمّال الذين احتلوا المصنع هجمات مستمرة من الشرطة المحلية.
وأثناء حديثنا مع عمّال المصنع، أخبرونا بأنّ هناك الكثير من البيروقراطيين والقوى الفاسدة داخل حكومة نيكولاس مادورو، وهو ما وضع العقبات في طريقهم للحصول على ملكية شرعية للمصنع. ثمّ قام العمّال في نهاية المطاف بتشكيل تحالف مع لجنة بلديّة خوسي بيو تامايو التي ساعدتهم في تسجيل المصنع بشكل قانوني تحت فئة «شركة إنتاج اجتماعي مملوكة لمجتمع محلي EPSDC».
الملكية المجتمعيّة:
تجمع البلديات (Communes) بين مختلف مجالس المجتمعات المحليّة داخل وحدات لتشخيص المشاكل المحليّة، واتخاذ قرارات ديمقراطيّة بشأن كيفيّة حلّها، وذلك باستخدام تمويل الموازنات الوطنية والإقليميّة والبلدية، وذلك عبر البدء بالمشاكل الأكثر إلحاحاً.
وقد شجّعت البلديات على توجيه التمويل إلى إنشاء المشاريع المنتجة، مثل مصنع «اتحاد البروليتاريين»، الذي يمكّن المجتمعات المحليّة من أن تصبح مكتفية ذاتياً وتموّل مشاريعها المستقبليّة من الدخل الذي تولده هذه المشاريع.
وحال تسجيل المصنع تحت فئة «EPSDC»، تلقّى العمّال «إجراءات الحماية الزراعية»، ممّا سمح لهم باستخدام الآلات والمعدات الموجودة في المصنع من أجل الإنتاج الغذائي بشكل قانوني. وبعد قدرتهم على إعادة إطلاق الإنتاج، استطاع العاملون بنشاط أن يجدوا طرقاً لاستخدام الموارد بهدف مساعدة المجتمع المحلي بدلاً من الاستمرار بإنتاج البيرة التي لم يتم رؤيتها كأولويّة.
هناك العديد من مشاكل الوصول إلى المياه في ولاية لارا كونها منطقة شبه صحراوية. يتمّ تزويد المنطقة بالمياه عبر مؤسسة «هيدرولارا» التي تملكها حكومة الولاية، لكن لأنّ حاكم الولاية متحالف مع المعارضة، يتمّ تخريب توزيع المياه بشكل مفتعل باستمرار.
أحد أوّل الأشياء التي قام بها العمّال هي البدء بضخّ المياه إلى المناطق الريفيّة من آبار المياه العذبة الخمسة العميقة الموجود داخل أرض المصنع. إنّهم يوزعون المياه بالمجان للمزارعين وللمستشفيات وللمدارس. كما أعاد العمّال توزيع 530 طن من الشعير التي كانت متروكة في صوامع المصنع الضخمة. وبعد اختبار جودته، وجد العمّال بأنّ الشعير لم يكن صالحاً للاستخدام البشري. فوصلوا إلى اتفاق لتبادل الشعير مقابل المعادن والبروتين والمتممات الغذائية الأخرى للحيوانات، مع مصنع آخر تحت فئة «EPSDC» في ولاية ماراكايبو، ويديره مجلس بلديّة باليتو بلانكو.
وبما أنّ العمّال لا يزالون بحاجة المزيد من المنتوجات من أجل إنتاج غذاء الحيوانات، وخاصّة حبوب الصويا التي لا يتم إنتاجها في فنزويلا، فقد توصلوا إلى حلّ يجنبهم الاعتماد على الاستيراد، وذلك بالاتفاق مع المزارعين المحليين. لقد بدؤوا بإنتاج الخميرة التي يمكن تنميتها في خزانات البيرة، حيث أنّها أكثر تغذية من الصويا وذات محتويات بروتينيّة أعلى.
وقد بدأ العمّال في تموز/يوليو العام الماضي بإنتاج الأسمدة، بالإضافة لأغذية الحيوانات. لقد تمّ استيراد جميع الأسمدة ومغذيات الحيوانات في السابق.
يعمل مصنع «اتحاد البروليتاريين» بشكل مباشر مع المزارعين والبلديّة من أجل تقديم منتجاتهم بشكل مباشر للمستهلكين، دون الحاجة للاعتماد على وسطاء. مثال: لقد رتب المصنع مع صغار المزارعين والبلديات الريفيّة الذين يزرعون الذرة كي يبيعوه الذرة المخصصة كأعلاف بأسعار معقولة. وبدوره يقوم «اتحاد البروليتاريين» بلقاء المزارعين كي يقرروا أثمان علف الحيوانات بناء على تكاليف المكونات والإنتاج.
كما أنّهم يقررون بشكل جماعي تثمين اللحوم بناء على التكاليف التي دفعها المزارعون من أجل إطعام الحيوانات وتكاليف الإنتاج الأخرى. يبيع جميع المزارعون الذين يتلقون الأسمدة أو الأعلاف من «اتحاد البروليتاريين» نسبة من إنتاجهم لبلديّة خوسيه بيو تامايو بأثمان معقولة. وتتولّى البلديّة توزيع اللحوم في المجتمع المحلي بأسعار مناسبة.
ورغم أنّ المصنع يعمل على نطاق صغير (خمس بلديات في الجزء الشمالي من منطقة باركيسيميتو)، فإنّ شبكة إنتاج الغذاء وتوزيعه تشكّل مثالاً على قدرة المجتمعات المحليّة التي تسيطر على وسائل الإنتاج أن تحدث تغييراً في الاقتصاد.
عنف المعارضة:
أثناء كفاح العمّال للفوز بالتسجيل القانوني، نظّم ناشطو المعارضة اليمينيّة مظاهرات عنيفة في الشارع بدعم من الحاكم، وهي المظاهرات التي يشار إليها في فنزويلا باسم «غواريمباس Guarimbas». وقاموا أثناء إحدى المظاهرات بغزو المصنع وأشعلوا النار في الصناديق الخشبية والبلاستيكية بهدف إحراق المصنع كاملاً.
وعندما اكتشف المجتمع المحلي أمر الهجوم بالنيران، أحضروا عربات إطفاء وتدبروا أمر إطفاء انتشار اللهب في المصنع. وقد رأينا أثناء زياتنا بعض مخلفات الحريق مكدسة داخل المصنع.
ولا يزال محامو شركة براهما يحاولون استرجاع المصنع.
قال لنا أحد العمّال ممّن عملوا في المصنع منذ 24 عاماً: «سوف نفوز بهذه الحرب الاقتصادية»، مشيراً إلى تخريب الإنتاج المستمر الذي يقوم به أثرياء فنزويلا في محاولة إسقاط الحكومة. وتابع: «القوّة مع الشعب كما قال تشافيز، وسوف نخسر كلّ شيء إن سقطت الحكومة».
وقد قال لنا خيسوس دياز، النائب في البرلمان عن بلديّة خوسيه بيو تامايو: «نحن نحاول بناء مجتمع ما بعد الرأسماليّة. لم يحقق تشافيز ذلك. الرأسماليّة هائلة. نحن نتجه إلى الاشتراكية، لذلك علينا أن نواجه الإمبرياليّة. إنّ هزيمة فنزويلا هي هزيمة للجميع حول العالم».
فيديو عن استيلاء العمّال على مصنع براهما من إعداد كاترينا كوزارك.