نسور قاسيون يعبرون إلى الملحق
نجح منتخبنا الوطني لكرة القدم في العبور إلى الملحق المؤهل لنهائيات كأس العالم روسيا 2018، للمرة الأولى في تاريخه، وذلك بعد أن اختتم مبارياته في منافسات الدور الحاسم المؤهل إلى البطولة العالمية، في العاصمة الايرانية طهران منذ قليل، بتعادله مع الفريق الإيراني لهدفين مقابل هدفين.
تأهلٌ مستحق حققّه المنتخب، في ظروف صعبة، رافقته منذ بداية مشواره في التصفيات، كان تأثيرها يتلاشى تباعاً عقب كل مباراة ينهيها المنتخب، ليحقّق بذلك آمال أجيال كثيرة تعاقبت على تمثيل الفريق، وطموحات جمهور واسع داعم له وتفاعل معه بسيلٍ جارف تشجيعاً ومساندة.
تاريخ جديد للكرة السورية
دخل نسورنا ملعب آذادي صاحب الـ100.000 متفرج، مصممّين على تحقيق نتيجة إيجابية، وبدأوا مهددين لمرمى الحارس الإيراني الذي لم تهتز شباكه مطلقاً منذ بداية النهائيات. يسدّد السومه كرة قوية يردّها الحارس الإيراني بصعوبة، ليتابعها تامر الحاج محمد مفتتحاً التسجيل، وقبل نهاية الشوط الأول يعادل الفريق الايراني النتيجة.
بعد عدّة محاولات في الشوط الثاني، سجّل الفريق الايراني هدفاً ثانياً، كاد أن ينتهي به اللقاء معلناً خروج منتخبنا، لكّن عمر السومه كان له رأي آخر، استقبل تمريرة مارديك مارديكيان ودخل منطقة الجزاء الإيرانية مسجلاً هدف التعادل لمصلحة نسور قاسيون، ومعه انتهت أحداث اللقاء.
ومع تعادل الفريقين الأوزبكي والكوري في طشقند، عزّز منتخبنا موقعه في المركز الثالث على سلّم الترتيب، والذي يؤهّل نسورنا للمحلق، حيث يلتقي ثالث المجموعة الثانية، والفائز منهما يلاقي المتأهل من تصفيات الكونكاف. منتخبنا لم يتأهل بعد، ولكنّه يتابع مشواره في النهائيات، مصمماً على كتابة تاريخ جديد للكرة السورية.
عيد الحصاد
يواصل منتخبنا تقدمّه نحو تحقيق طموحات جماهيره، بدافع إفراح الشعب وطموح التواجد في المونديال، وكل ما نأمله أن يتقدّم القائمون على الفريق بدافع دعمهم و طموح إعداد الفريق بطرق أفضل. فالحصاد العظيم يتطلّب جهوداً مخلصة في إعداد الفريق وتشجيعه.
يكمل منتخبنا الوطني طريقه، بعد مشوارٍ طويل ومتعب، فلم يكن ذاك الفريق الذي تسخّر لصالحه تكاليف مادية باهظة من ناحية، ولم يحقّق إنجازه نتيجة التدريب المتواصل في بلدان أوروبية كحال الفرق الأخرى التي سعت للتأهل وفشلت. فكيف وصل إلى أعتاب المشاركة في مونديال روسيا؟
تكمن كلمة سر التأهل السوري إلى الملحق، بالروح العالية التي أبداها لاعبو الفريق، كنتاج تراثي نفسي لشعبنا المولّد لأصحاب القدرات الاستثنائية، وثقافة اجتماعية تقبل التحدّي، وترفض الاستسلام. فحتى لو كان هذا التأهل ناقصاً، إلا أنه جدير بالاحترام والتقدير لأبطال المنتخب الممثلين لشعبنا كاملاً.
درسٌ لأصحاب البصيرة
وسط معيقات متتالية، منها الداخلي المتمثّل بالعجز عن تجميع لاعبي المنتخب في معسكر تدريبي واحد طوال فترة التصفيات، ومنها الخارجي كرفض اتحادات كروية عدة استقبال منتخبنا في دول الجوار بذرائع مختلفة، ورفضها كذلك إجراء لقاءات وديّة مع فريقنا لأسبابٍ سياسية، وهي التي تجاهلت الإطار الذي شكلّه المنتخب، جامعاً فيه لاعبين من محافظات مختلفة، وخلفهم تأييد شعبي لا يستطيع أن ينكره أحد.
مضى فريقنا وسط تلك الظروف بثبات، رافع الرأس وبعزمٍ قوي لا يلين، ليقدم عروضاً قوية، ونتائج مميزة، ما انعكس هيبة لفريقنا اعترف بها جل النقاد والمتابعين، وليغدو مادة دسمة لوسائل إعلامية عدة.
ولعّل الشعور بالمسؤولية وقبول التحدّي والإيمان بالقدرات الذاتية في أصعب الظروف، هي أبرز الدروس التي قدمّها المنتخب لأصحاب البصيرة.
خلق الفوراق
تغنى جمهورنا بأبطال فريقهم، وتفاعلوا معه بإيجابية كبيرة تقديراً للفريق الذي تحدى فأجاد، نظر لمشاعر جمهوره الفياضّة فأخذ في بعث الأمل في نفسه، لينجح في التأهل.
الرياضة ظاهرة اجتماعية جامعة لمجتمع واحد رغم تعدّد الانتماءات داخله، وفي حالتنا الخاصّة، فمن الملاحظ أن الدعم المادي الكبير، بالإضافة إلى العمل وفق خطط علمية بعيدة المدى، غير كافية للحكم على نجاح الفريق الرياضي من عدمه، ليبرز هنا العامل النفسي دوراً وتأثيراً، كأحد عوامل النجاح، والذي يمثّل حاجة روحية لأي شعب، فكيف الحال لشعبنا الذي يعاني الكثير بتأثير الأزمة أمنياً ومعيشياً، دون أن نتغاضى عن تسليع اللعبة لصالح كبرى الشركات.
الأمر الذي يخلق ثقافة جديدة مناقضة لثقافة سائدة، يجتهد الكثيرون على ترويجها بوسائل عصرية عديدة، والمتمثلة بالقدرة على خلق الفوارق وسط حطام الحرب.
عمر السومة