(يوريكا أرخميدس) ثقافة الضرورات البحثية

(يوريكا أرخميدس) ثقافة الضرورات البحثية

عندما خرج أرخميدس راكضاً من الحمام وهو يصرخ (يوريكا) وجدتها، لم يكن في باله قط أن ما اكتشفه سيكون واحداً من أهم قوانين الفيزياء، لكن معاصري أرخميدس ومن لحقه قدروا بالتأكيد اكتشافه الذي كان ضرورة في ذاك الزمان من أجل إنجاز العمل الهندسي الضخم الذي كان بصدد إنشائه وهو السفينة الهائلة، لكنه كان نتيجة طبيعية للتراكم العلمي الذي أنجز ما قبل أرخميدس، فلم يكن له أن يصل إلى هذه النتيجة الهامة جداً لولا أعمال من سبقوه وتدوينها والبناء عليها.

تتراكم اليوم على المستوى الوطني العديد من الدراسات التي تشكل حجر أساس ضروري وهام لما سيليها من الدراسات، لكن هذا التراكم العلمي المعرفي يعاني الكثير من المشاكل.

أهم هذه المشاكل هي بنية هذا التراكم غير المتناسقة والمتجانسة (إلا فيما ندر)، حيث تقوم عدد من مراكز الأبحاث بإنشاء محاور بحثية تتمركز حولها الأبحاث من أجل خلق التراكم المنطقي، إلا أن غالبية الأبحاث التي تجري في الجامعات تخضع لعشوائية، تحكمها عوامل ليس لها علاقة حتماً بالتراكم، منها الرغبة السريعة في التطور بالمعنى الإداري (ترفيعات أساتذة الجامعة)، أو الرغبة في تركيب توافقات بحثية (منطقية أو غير منطقية) عند تسجيل طلاب الدراسات العليا للأبحاث المطلوبة منهم، تحكم هذه التوافقات رغبات الأساتذة والظروف المالية للجامعة، (وأضيف إليها حالياً ظروف الحرب) والإمكانيات اللوجستية للجامعات (من توفر الأجهزة والمراجع وغيره) فتصبح العربة أمام الحصان، أي يجري تركيب البحث بناء على ثقافة الممكن، وليس على ثقافة الضرورة.

إن ثقافة الضرورات البحثية ما زالت نوعاً من الخيال البعيد الذي تشعر بضرورته وبعده في آن معاً. إن التعامل مع ذلك كنوع من الفنتازيا أو غير الممكن، هو جزء من عقلية الممكن بعيداً عن الضرورة.

 

تعكس الإرادة الوعي الحقيقي للتغيير في الاتجاه الذي يقودنا إلى الأمام، لكن الاستسلام لسياسة إما التغيير المفروض من جهات ليست معنية بعمليات التنمية والتغيير (كالجهات الدولية وممثليها)، أو البقاء والمراوحة في المكان، فهو أبعد ما يكون عن الضرورات الوطنية للبحث العلمي، التي تغيرت كثيراً في مرحلة الحرب، وأصبحنا الآن بحاجة إلى مراجعة شاملة لها، تأخذ بعين الاعتبار التغيرات على الأرض من واقع مادي وتغيرات بشرية كبرى.
معلومات إضافية