الإبادة البيئية

الإبادة البيئية

 

تجعل التقارير العلمية الحديثة عن تغير المناخ الصورة أكثر قتامة. حيث يتبين في الدراسات الحديثة أن النماذج المستخدمة سابقاً لحساب الآثار الاقتصادية لتغير المناخ، كانت «غير كافية على الإطلاق»، إذ جرى التقليل بشدة من حجم التهديد الذي سوف «يكلف العالم أكثر بكثير مما كان مقدراً».

ما يجعل الوضع أكثر خطورة، أن تغير المناخ هو مجرد واحد من المشاكل البيئية التي نواجهها. 

تشمل هذه المشاكل البيئية دمار وتلوث النظم البيئية، واختفاء الأنواع الأخرى (الحيوانية والنباتية على حد سواء)، وشح المياه، وزيادة عدد السكان، والاستهلاك الجشع للموارد فيما يقترح بعض المنظرين الجدد، أن البشر ربما يعانون بشكل جماعي من اضطراب نفسي (يسمونه «humania» ويمكن ترجمته بالجنون البشري)، حيث يعتبر الاعتداء الطائش على البيئة، واحداً من أفضل الأدلة على ذلك. فأي الأنواع العاقلة تتعاطى مع بيئتها الخاصة بهذا التهور؟ وهل تسمح هذه الأنواع بهذا التكثيف الخطير لهذه التوجهات اتخاذ أية إجراءات جادة ضدها؟
إن تحميل تبعات الأمراض النفسية الخطيرة التي أفرزتها الرأسمالية، يبدو توجهاً رائجاً في الأوساط العلمية.
لأنه بذلك يمكن الوصول إلى استنتاج بأن هذا من طبيعة الأمور وبالتالي علينا تقبله كما هو، وليس باليد حيلة.
لكن دراسة السلوك البشري خارج نطاق الرأسمالية المعاصرة ترينا بأن الأمور لم تكن دوماً كذلك، حيث نظرت الشعوب القديمة دوماً باحترام إلى الطبيعة، ولو قدر لهم رؤيتنا لروّعهم افتقارنا إلى احترام الطبيعة من حولنا وهذا الاعتداء الممنهج عليها.
وقد صيغ في الآونة الأخير مصطلح «الإبادة البيئية- ecocide » لوصف الخطر المحتمل الذي نواجهه، حيث ترتبط العوامل الاجتماعية والسياسية بهذه «الجذور النفسية» التي تفسر مواقفنا المسيئة والاستغلالية للطبيعة.
حيث أن الإفراط في الشعور بال «أنا» أو تكثيف الشعور الفردي الذي أفرزته الرأسمالية الحديثة، هو حتماً على النقيض مما وجد لدى الإنسان سابقاً، حيث تعتبر المجموعة البشرية التي يعيش الإنسان ضمنها والأرض التي يعيش عليها جزءاً مكوناً من «أناه» ومن تكوين هويته وصورته عن «الأنا». فالإحساس بالهوية يشمل المجتمع والأرض حتماً، وبالتالي فالشعور بالاغتراب عن المجتمع والأرض هو واحد من نواتج العلاقات الرأسمالية.
إن انفصال «الأنا» عن شبكة العلاقات البيئية التي يعيشها أي نوع هي دمار حتمي للنوع البشري وشبكة علاقاته، حيث يسيطر الشعور بالملكية على الأرض والموارد الطبيعية في موقف تفوق وهيمنة دون أن ندرك أننا جزء لا يتجزأ من هذه الشبكة.