ما لو كانت نظرياتنا خاطئة؟
كانت نظرية المستنقع معترفاً بها عالمياً لكنها خاطئة بشكل فظيع. ما الذي يمكن أن نكون مخطئين به غير ذلك؟
كان الجميع في القرن التاسع عشر في لندن، على يقين من أن الهواء السيء يسبب الأمراض. من الكوليرا إلى وباء الطاعون: إذا كنت مريضاً، فالجميع يعتقد أنه كان بسبب الهواء الفاسد. كانت تسمى «نظرية المستنقع».
لم يكن رسم كل حالة وفاة بالكوليرا خلال انتشار المرض في سوهو مهمة بسيطة.
وكما أرخت دورية «خريطة الشبح»، استغرق الطبيب «جون سنو» السنوات، وأزهقت أرواح الآلاف، لدحض نظرية المستنقع أخيراً. حيث حدد كل وفيات الكوليرا في لندن وربطها بمصدر الماء الذي استخدمه المريض المتوفي، ومع ذلك استغرق الأمر سنوات ليصدقه الناس. الآن تستخدم كلمة «مستنقع» على نطاق واسع لوصف المعتقدات العلمية الزائفة في جميع مناحي المجتمع.
كانت مشكلة «سنو» أنه لم يتمكن أحد من أن يرى جراثيم الكوليرا. ونتيجة لذلك، فقد اضطر كما اضطر الجميع في ذلك الوقت، لقياس ظاهرة أخرى يمكن ملاحظتها. وكان سوء نوعية الهواء الواضحة بقوة، ولذلك فمن السهل أن نرى كيف يمكن لنا إلقاء اللوم.
ولحسن الحظ تحسنت وسائل القياس العلمي إلى حد كبير، منذ ذلك الحين. يجب أن نأمل أن أي نظرية علمية مثل هذه تفتقر إلى أسس في البيانات الموثوق بها، يتم تجاهلها الآن بسرعة.
لكن نظرية المستنقع مازالت موجودة، بسبب الفقر الشديد –ليس في وسائل القياس- بل في البيانات الكافية، وطريقة المعالجة المنطقية والفعالة، وما زال البعض يلقي باللوم على الناس أنفسهم، لكونهم فقراء وجاهلين، وكأن هذا الخيار، هو من باب الديمقراطية، (يمكنك اختيار أن تكون جاهلاً وفقيراً)، وكأن المسؤولية المجتمعية والحكومية تتقلص وتتقلص، لتصبح مسؤولية فردية، وخياراً «ديمقراطياً» صرفاً، وبالتالي فكل ما يحصل لك في حياتك الفردية هو مسؤوليتك الشخصية.
صحيح أننا لا نرى جراثيم الكوليرا، لكننا الآن ندرك أنها سبب المرض، وكل أعراضه المميتة، وصحيح أننا قد نرى أو قد لا نرى من يسرق لقمتنا اليومية بشكل مباشر، أو غير مباشر، لكننا ندرك أن عدم رؤيتنا المباشرة له، لا تعني بالتأكيد أنه غير موجود، ولا تعني أن فقرنا هو خيارنا الأوحد في هذه الحياة.