فَشِلنا بتدمير روسيا، لا مشكلة: فلنحاولْ تدمير الصين!
بيبي إسكوبار بيبي إسكوبار

فَشِلنا بتدمير روسيا، لا مشكلة: فلنحاولْ تدمير الصين!

«لا ينبغي لنا أبداً أن نقلل من شأن موجة التسونامي القادمة من «التحليلات» التخريبية والبرمجة التنبؤية المضمنة بالفعل في الحرب الهجينة على الصين ــ والحرب الأوسع نطاقاً على مجموعة البريكس«. بهذا بدأ الصحفي والكاتب السياسي البرازيلي بيبي إسكوبار مقالاً حديثاً له نشر في 25 تموز الجاري 2025، في صحيفة «الثقافة الاستراتيجية» الروسيّة. وأشار إسكوبار إلى تقرير صدر حديثاً في 128 صفحة عن معهد هدسون في واشنطن، قال إنّه يحمل «عنواناً نبوئياً» للغاية؛ «الصين بعد الشيوعية: الاستعداد للصين ما بعد الحزب الشيوعي الصيني».

تعريب: قاسيون

لديكم كامل الحق في الردّ الساخر [على طموح تدمير الصين] بوصفه مطلباً يشبه استعراضات الفرسان العبثية. لكن لا تخطئوا، فهم يأخذون الأمر على محمل الجد. إنّ عالم الفِكر الأمريكي بارعٌ في بثّ أحلام «تغيير النظام» ومخاوفه الوجودية منذ سنوات، وبتفاصيل دقيقة.

كان هذا هو حال تقرير مؤسسة راند [البحثية الأمريكية] المُبتذَل عن تفجير روسيا على عدة جبهات، أو تقرير بروكينغز المُبتذل عن تفكيك بلاد فارس/إيران. والآن، جاء دور الصين بوصفها أقوى دول مثلّث بريماكوف الجديد (روسيا والهند والصين RIC) في مجموعة البريكس.

إنهم في الواقع يُبالغون في استخدام مصطلح «أشعلْ نَارِيَ»، مُعتقدين أنّ «انهيار النظام المفاجئ في الصين ليس مستحيلاً تماماً». ويعودون إلى مكتب الخدمات الاستراتيجية القديم - سَلَف وكالة المخابرات المركزية (CIA) - وعملياته في الصين خلال الحرب العالمية الثانية، مُشيرين إلى أن «قوات العمليات الخاصة الأمريكية (SOF) قادرة على المساعدة في استقرار الصين ما بعد الحزب الشيوعي الصيني».

ينصح غوردون تشانغ، وهو شخصية مُعادِية للصين، واشنطن بـ«إخراج الشركات والمواطنين الأمريكيين من الصين» و«إزالة الكيانات» التابعة لبكّين من القطاعات المهمّة في الاقتصاد الأمريكي.

هناك دعوة حتمية للولايات المتحدة «لحماية حقوق الإنسان خلال فترة انتقالية» وتدخُّلٍ أمريكي «لمنع العنف العِرقي والحروب الأهلية والانتقام السياسي، مع التركيز بشكل خاص على المناطق الخمس ذاتية الحكم في الصين - قوانغشي، وشينجيانغ، والتبت، ومنغوليا الداخلية، ونينغشيا». نعم، دعونا نبني ديزني لاند في التبت.

بعد أنْ تتواصل الثورة الملوَّنة/تغيير النظام، «يمكن للصين ما بعد الشيوعية أن تُرسي ديمقراطية دستورية وتضع دستوراً جديداً». كلّ ذلك بإشراف «إمبراطورية الفوضى»، بالطبع، والتي ستُحدّد «علاقة الصين بتايوان» وحتى «الاسم المُفترَض أن يكون للدولة الجديدة».

قطار تدويل اليوان فائق السرعة

سيكون من المثير للاهتمام مراقبة ردود فعل المواطنين الصينيّين على منصات ويبو وتيك توك وغوانتشا تجاه مشروع الهدم هذا، وإنْ كان حميداً. بالطبع، لا يمكن اعتبار هذه الوثيقة سياسةً استراتيجية مُوصَى بها، فهي بالكاد تُصنَّف كعمليات نفسية رديئة ودعاية سطحية، تحمل في طياتها العديد من شهادات الدكتوراه المُضمرة في التنافر المعرفي.

الهدف ليس الرأي العام الصيني، بل جماهير الأمريكيين شبه الأمّيِّين – الذين كانت تغسَل أدمغتهم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع على مدى قرون من التهديد الذي يشكله «الأشرار»: «الشيوعيون»، و«الروس»، و«آيات الله».

حديث عن صراع الحضارات للمبتدئين

إنني أقترح كترياق واقعي محادثتنا الأخيرة التي استضافها موقع غوانتشا في شنغهاي، والتي شاركتُ فيها إلى جانب البروفيسور هوانغ جينغ ومؤسس معهد «تريكونتينينتال» فيجاي براشاد، حول الحرب الأكبر التي تشنها إمبراطورية الفوضى ضد الصين ومجموعة البريكس.

أضف إلى ذلك بعض الملاحظات الجيّدة التي أبداها مياو يانليانغ، الذي يشغل الآن منصب كبير الاستراتيجيّين في بنك الاستثمار الصيني (CICC) والذي عمل سابقاً في إدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي، وهي جزء من بنك الشعب الصيني، وهو خبير في شؤون الإمبراطورية، حيث حصل على درجة الدكتوراه في جامعة برينستون.

ألقى مياو مؤخراً خطاباً مثيراً للاهتمام في جامعة بكّين، ونُشر كتقرير صادر عن مركز الصين الدولي للاتصالات في أوائل شهر حزيران/يونيو الماضي.

لنبدأ بإلغاء الدَّولَرة

يجادل مياو بأنّ «بناء نظام نقدي متعدد الأقطاب يتطلب تنسيق السياسات ومرونة أسعار الصرف بين الاقتصادات الرئيسية المصدّرة للعملات». والآن، «بدأت عقبتان رئيسيتان بالتراجع، كانتا تقيّدان تدويل الرنمينبي [العملة الصينية]: ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وتوقعات انخفاض القيمة المستمر خلال فترات التوتر التجاري».

لنترجم معنى ذلك: من الآن فصاعداً، أصبحت الصين تمتلك ثروة من الإمكانيات لاستغلال تجارتها العالمية لتعزيز تدويل اليوان.

وفيما يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على وضع الدولار الأمريكي كعملة احتياطية، يشير مياو إلى أنها تتوقَّف على عاملين: «ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الاستمرار في قيادة الثورة التكنولوجية»، و«ما إذا كانت قادرة على الحفاظ على مزايا نظامها المالي، مثل استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي والقدرات التنظيمية والتصحيحية الذاتية لأسواقها المالية».

لكنّ ما يتسارع الآن هو بالأحرى «تجزئة النظام النقدي الدولي». لذا، ينبغي أن نتوقع زيادة استخدام اليوان في تسويات المدفوعات وكـ«مخزن للقيمة»؛ وهذا ما يحدث بالفعل في جميع أنحاء دول البريكس.

يشير مياو إلى العامل الرئيسي: أصبح اليوان الآن «عملة منخفضة الفائدة، في حين أصبح الدولار الأمريكي مرتفع الفائدة». وقد ساهمت الرسوم الجمركية التي فرضها «ترامب 2.0» [ترامب في ولايته الثانية] على جميع البلدان في ارتفاع قيمة اليوان.

إنّ هذا «القطار الفائق السرعة» يغادر المحطة الآن: «من خلال الاستفادة من نقاط القوة التصنيعية في الصين في قطاعات مثل الآلات والإلكترونيات ومعدات الطاقة الجديدة»، تشجِّع الصين دول مجموعة البريكس وشركاءها على استخدام اليوان «للتسويات التجارية، وبالتالي خلق دورة ذاتية الاستدامة» مدفوعة بـ«الطلب التجاري الحقيقي».

هذا هو النظام الذي يريد هؤلاء المهرِّجون تغييرَه.

إنهم لا يتعلمون أبداً

حسناً، لم يتعلموا شيئاً من الإذلال الجماعي الذي لحق بالغرب في الحرب بالوكالة في أوكرانيا. يلخِّصُ ذلك أحدُ كبار رجال الدولة العميقة، وهو متقاعدٌ الآن، ومطَّلِعٌ على الأيام التي كان فيها مكتب الخدمات الاستراتيجية في أوج مجدِه. إليكم مقتطفات ذات صلة من حديثنا:

«الولايات المتحدة وأوروبا في حالة حرب مع روسيا، وهما تخسرانها. لدى الولايات المتحدة 20 ألف جندي مسلح في أوروبا لمواجهة روسيا. أما قوات الناتو فهي في معظمها ضربٌ من الخيال. أوكرانيا ليست سوى واجهة في معركة الولايات المتحدة للسيطرة على الكتلة الأرضية الأوراسية، على غرار ماكيندر. لا تستطيع الولايات المتحدة إمداد (إسرائيل) وأوروبا في آنٍ واحد. لقد أثقلت كاهلها. أما أوروبا، فليس لديها جيشٌ ذو شأن، ومعظم معدّاتها قديمة. كل هذا مجرّد خدعة«.

ويضيف: «بدأ الأوروبيون يدركون أن الولايات المتحدة تُحيط نفسها بخندقٍ عازل، فلا يمكن الوصول إليها إلّا بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات وصواريخ الغواصات، لكن أوروبا بحد ذاتها لا يمكن الدفاع عنها، فالصواريخ التقليدية قصيرة المدى قادرة على تدميرها. الأسلحة النووية لا تكفي لتدمير أوروبا في يوم واحد، بل بوابلٍ من الصواريخ الروسية».

والآن لنقارنْ ذلك بما قاله كبير المفاوضين الروس في إسطنبول، المؤرخ ميدينسكي، عندما سئل عما إذا كانت موسكو تخشى فرض عقوبات جديدة من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة:

«هذا ليس سؤالاً يخصنا، ولا يخص مجموعة التفاوض. أقول لكم هذا. بعد الثورة والحرب الأهلية عام 1920، ومرة أخرى، في مرجع تاريخي آخر، لم تكن العقوبات هي السبب فحسب، بل كان هناك حصار دبلوماسي واقتصادي شامل على روسيا السوفييتية من الجميع. من الجميع! لم يمنعنا هذا من الانتصار في الحرب العالمية الثانية (...) لا شيء سيمنع روسيا من الانتصار الآن، السؤال الوحيد هو ثمن النصر والوقت اللازم لتحقيقه».

إنّ هذا أمر لن يتبادر إلى أذهان أوساط الفكر في واشنطن العاصمة، تماماً كما لن تتبادر إلى أذهانهم أبداً الإنجازات التكنولوجية، التي أصبحت واضحة أكثر الآن، لخطّة «صنع في الصين 2025».

ثم يأتي التهويل والغطرسة وهَوس تغيير النظام، بل أسوأ من ذلك. فإذا ما توصَّلَ السفّاحون المرضى نفسياً في الطبقة الحاكمة الأمريكية أخيراً إلى الاستنتاج بأنهم لا يستطيعون الحفاظ على هيمنتهم العالمية الأحادية الجانب حتى بالحرب، فسوف يتخلّون نهائياً عن تقارير «مراكز الفكر» التي يعتزّون بها، بل وسيلجأون، في يأس، إلى خيار شمشون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1236