محاولة إسقاط بوركينا فاسو بالإرهاب
بقلم: فيليبا وينكلر بقلم: فيليبا وينكلر

محاولة إسقاط بوركينا فاسو بالإرهاب

استعادت بوركينا فاسو، بقيادة الرئيس إبراهيم تراوري، السيطرة على مواردها الغنية بالذهب من فرنسا، المستعمِر الجديد. وقد شرعت دولة الساحل في مسارٍ للتنمية والاستقلال هو الأكثر ثورية في أفريقيا منذ ستينيّات القرن العشرين. لكن بعد تولّي تراوري السلطة في عام 2022، تزايدت هجمات الإرهابيّين. ففي الشهر الماضي، قُتل ما بين 100 و200 شخص على أيدي مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة على بعد 78 ميلاً شمال العاصمة واغادوغو.

ترجمة: قاسيون

نجا تراوري من عدّة محاولات انقلاب. وهو يتّهم فرنسا بمحاولة عرقلة الحركة الشعبية في البلاد نحو تقرير المصير. يقول تراوري إنّه يملك أدلة على محاولات انقلاب من جانب فرنسا باستخدام جماعات إرهابية تدار من بنين وساحل العاج، بعد أن اضطرت فرنسا إلى سحب قواتها من بوركينا فاسو هذا العام، بينما تنفي فرنسا ذلك.

المشاريع الضخمة

إن المشاريع الضخمة الجديدة التي تديرها الدولة في بوركينا فاسو تسير على قدم وساق، ويتم تمويلها بشكل رئيسي من قبل مؤسسات غير غربيّة. كما أرسلت الصين هدايا من الرافعات والشاحنات وصهاريج المياه والوقود والهواتف الفضائية، للمساعدة في مكافحة الإرهاب كجزء من مبادرتها الأمنية العالمية، كما تقوم ببناء مستشفى.
إنّ المشاريع التي أعلن عنها تراوري في بوركينا فاسو تكلف مليارات الدولارات، وهي تشكل نموذجاً للاستقلال الأفريقي. من بين هذه المشاريع: - شراء وتأميم منجمين للذهب من شركات أجنبية. - إنشاء مصفاة ذهب افتتاحية، ومصنع لمعالجة نفايات الذهب، ومراكز معالجة الذهب الحرفية. - إنشاء مطار جديد بالقرب من العاصمة واغادوغو، بقروض مموّلة من بنك غرب أفريقيا للتنمية، وبنك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. - تحسين وتوسيع البنية التحتية للقطارات والطرق السريعة. - تشغيل محطتين لتوليد الطاقة الكهروضوئية الشمسية.
الذهب من الأصول المعدنية الأساسية في بوركينا فاسو، وهي أصولٌ كانت تُباع سابقاً بثمن بخس و/أو تُهرب في شكلها الخام. وفقاً لـ Swissaid، بين عامي 2012 و2022، تمّ عن طريق الإمارات العربية المتحدة تهريب أكثر من 2500 طن من الذهب من أفريقيا، بقيمة تقديرية تبلغ 115 مليار دولار. تريد بوركينا فاسو إنتاج وبيع سبائك الذهب الخاصة بها.
من المشاريع أيضاً: - اكتمال مشروع سد سامينديني بعد سنوات من التأخير، وهو ما من شأنه تعزيز الزراعة والكهرباء لتوفير الأمن المائي والغذائي والطاقة. - المشاريع الزراعية بما في ذلك حصاد المياه لمواجهة الجفاف. - إنشاء متحف الحضارات للحفاظ على التراث الثقافي. إطلاق القمر الصناعي بوركينا سات-1، الذي يزن 10 كغ فقط، ومن المقرر أن يوفِّر السيادة الرقمية والبيانات البيئية والمناخية. - افتتاح مصنع نسيج حديث لتحويل القطن المنتَج محلياً «ثاني أكبر الصادرات» إلى مواد نسيجية ومنتجات نهائية. - مصنع لتجهيز الطماطم.
وقد تشمل الخطط الأخرى إنشاء بنوك مملوكة للدولة، والتي ستحدد أسعار الفائدة الخاصة بالبلاد، وإصدار عملة تحلّ محلّ الفرنك الأفريقي، الذي هيمنت عليه فرنسا بعد الاستعمار. لتعزيز التجارة، تمّ خفض الضرائب على الشركات الصغيرة وتقديم المزيد من الائتمان للشركات الناشئة. تريد بوركينا فاسو تنظيف أسواق الشوارع «الفوضوية» في المدن من خلال استبدالها بمتاجر مُدارة بشكل صحيح، وزيادة عدد الشركات المملوكة للدولة.
الأهداف العامة للتأميم هي: 1- تصنيع ما تستهلكه البلاد لوقف الاعتماد على الواردات. 2- إضافة قيمة إلى الموارد الخام من خلال إنتاج السلع النهائية. 3- توسيع نطاق الرعاية الاجتماعية والتعليم والخدمات الصحية.

ارتفاع وتيرة الإرهاب منذ تولي تراوري السلطة

توضح الخرائط، الفارق الواضح في حجم وموقع الهجمات الإرهابية (لمجموعات مرتبة بالقاعدة) قبل وبعد تولي تراوري السلطة في 30 سبتمبر/أيلول 2022. ويرى تراوري أنّ ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو بالقرب من حدود توغو وساحل العاج وبنين، يعود إلى التدخل الفرنسي. وفي تصريح أدلى به في أغسطس/آب 2024 قال تراوري إنه يمتلك «تسجيلات صوتية لعملاء فرنسيين في بنين، يعبثون في مراكز عمليات الإرهابيين، وينظّمون العمليات معهم، ويساعدونهم في النجاة».
يمكن إرجاع آفة الإرهاب الجهادي في دول الساحل الأفريقي: بوركينا فاسو ومالي والنيجر، إلى تدمير ليبيا من قبل الناتو في عام 2011. قال بول كوك، وهو جندي مشاة بحرية سابق وممثل الولايات المتحدة عن الدائرة الثامنة في الكونغرس بولاية كاليفورنيا من عام 2013 إلى عام 2020، للجنة الفرعية المعنية بالإرهاب ومنع الانتشار والتجارة في عام 2016: «للأسف، كانت السياسة الأمريكية هي التي حوّلت ليبيا إلى الفشل التام الذي هي عليه اليوم. ففي عام 2011 قررنا التدخل في ليبيا وإقامة مناطق حظر جوي لمساعدة المتمردين الليبيين في التآمر ضد القذافي. وفي ظل أمان منطقة حظر الطيران التي فرضناها، نشأت الجماعات الإرهابية الإسلامية التي كانت غير قادرة على الصعود لفترة طويلة تحت نظام القذافي، وجمعت الأسلحة والتدريب والخبرة العسكرية».
في وقت لاحق، انتقلت هذه الجماعات الإرهابية جنوباً إلى منطقة الساحل. في عام 2011، ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية: أنّ «تنظيم القاعدة، بضغط من القوات الجزائرية في الشمال، نقل بعض عملياته إلى منطقة الصحراء الممتدة بين النيجر ومالي والجزائر وموريتانيا، حيث وفرت له المساحات الشاسعة ملاذاً آمناً». منذ عام 2015، أودت الحرب المستمرة بين الجماعات الإسلامية المسلحة وحكومة بوركينا فاسو بحياة ما لا يقل عن 10 آلاف مدني ومقاتل، وأدت إلى نزوح ما يقدر بنحو مليوني شخص.

فرنسا والاستعمار الاقتصادي الجديد

احتفظت فرنسا بالسيطرة الاقتصادية على مستعمرتها السابقة بعد استقلالها الاسميّ في عام 1960، بمساعدة المؤسسات الغربية، مثل البنك الدولي. كانت القروض الغربية عبر صندوق النقد الدولي في التسعينيات مشروطة بفتح موارد بوركينا فاسو وأرباحها للشركات الغربية، ممّا منع تراكم رأس المال الوطني.
على سبيل المثال: تمّ إلغاء احتكار الدولة في بوركينا فاسو لشراء وتصدير الذهب كشرط للحصول على القروض الغربية في عام 1996، «حتى يتمكن القطّاع الخاص من الاضطلاع بدوره بالكامل»، وفقاً لصندوق النقد الدولي في عام 2007. كان يُنظر إلى «المساعدات» من فرنسا والولايات المتحدة باعتبارها وسيلة «لزيادة النفوذ» في بوركينا فاسو، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1985.
بوركينا فاسو، التي تعاني من التخلف والاستغلال، بات تحتل بحلول عام 2023 المرتبة 187 من بين 196 دولة في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة. ويؤدي الافتقار إلى رأس المال والتنمية في المناطق الريفية إلى تعريض الفقراء والمهمشين للتجنيد من قبل الإرهابيين. وهذا هو الوضع الذي يأمل تراوري في معالجته.
لم يستسلم الغربيون للأمر الواقع بعد. يلقي المحلِّلون الغربيّون باللوم في زيادة الإرهاب في بوركينا فاسو على المعارضة داخل صفوف الجيش، وهو ما ينفيه تراوري إلى جانب التقارير التي تفيد بأن «بوركينا فاسو تتجه نحو دوامة»، وهو الحكم الذي أصدره معهد دراسة الحرب في واشنطن العاصمة. اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها الولايات المتحدة، جيش بوركينا فاسو بقتل 223 قروياً في أبريل/نيسان الماضي رداً على مساعدة المسلحين الإسلاميين، وهو ما ينفيه تراوري.
تحظى قيادة تراوري بشعبية كبيرة. وأعلنت الحكومة عن تعبئة جماهيرية لمحاربة الإرهابيين. ومن المقرر أنّ تشكل بوركينا فاسو ومالي والنيجر قوة مشتركة لمحاربة التمرّد الذي يهدد دول منطقة الساحل الثلاث.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1194