الأوجه المتعددة لزيادة الإنفاق الدفاعي في الناتو
في عام 2013، بلغ إجمالي النفقات الدفاعية للدول الأعضاء في الناتو، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: 969 مليار دولار. في عام 2020 بلغت 1.092 مليار دولار. وبلغت في نهاية العام الماضي 1.341 مليار دولار. يمثّل هذا 55% من إجمالي الإنفاق العسكري في العالم.
ترجمة: قاسيون
إن نصيب الأسد من الإنفاق العسكري للدول الأعضاء في الناتو كان ولا يزال من نصيب الولايات المتحدة. في عام 2023، بلغ الإنفاق الدفاعي الأمريكي 916 مليار دولار، أي ما يعادل 68.3% من إجمالي الإنفاق العسكري لجميع الدول الأعضاء في الناتو. في الدول العشرة الأولى في العالم من حيث الإنفاق العسكري، إلى جانب الولايات المتحدة، هناك ثلاث دول أخرى أعضاء في الناتو. بلغت النفقات العسكرية لبريطانيا التي احتلت المركز الثاني في كتلة الناتو العسكرية، 75 مليار دولار، أي أقل بأكثر من 12 مرة من النفقات العسكرية للولايات المتحدة.
تسعى واشنطن عاماً بعد عام إلى زيادة الإنفاق العسكري من قبل الدول الأخرى الأعضاء في الناتو. سواء من الناحية المطلقة، أو النسبية بالنسبة لقيمة الناتج المحلي الإجمالي. في عام 2022، كان هذا الرقم في الولايات المتحدة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 2023 انخفض إلى 3.4% للمقارنة: في المملكة المتحدة 2.2%، وفي ألمانيا 1.5%، وفي فرنسا 2.1% أُثيرت مسألة المستوى الإلزامي للإنفاق العسكري بنسبة 2% بشكل حاد في العام قبل الماضي، عندما بدأ الغرب الجماعي، بقيادة واشنطن، حرباً غير معلنة ضد روسيا.
بين عامي 2022 و2023، زاد إجمالي الإنفاق العسكري لدول الناتو بمقدار 109 مليارات دولار، أو 8.8%، في قمة الناتو التي عقدت في بروكسل في مارس/آذار 2022، قال الأمين العام لحلف الناتو: إنّ سبعاً فقط من دول الناتو الثلاثين في ذلك الوقت حققت هدف الإنفاق الدفاعي بما لا يقل عن 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن الزيادة الإجمالية في الإنفاق العسكري في كتلة الناتو في عام 2023 كانت مثيرة للإعجاب للغاية، فإنّ حوالي ثلثي أعضاء الناتو ما زالوا ينفقون أقل من 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي. تضمنت قائمة «الدول غير المسؤولة بما فيه الكفاية» وفقاً لما وصفها الأمين العام للناتو، أعضاء بارزين في الكتلة، مثل: ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا والدنمارك والنرويج وفرنسا وكندا. وتمّت الإشادة بدول، مثل: إستونيا وليتوانيا وفنلندا ورومانيا والمجر ولاتفيا وسلوفاكيا والمملكة المتحدة، التي تمكنت من تجاوز مستوى 2% في عام 2023.
وفي مجموعة «الأداء المتميز» كانت هناك ثلاث دول لديها تجاوز كبير لمعيار 2%: بولندا 3.9% والولايات المتحدة الأمريكية 3.4% واليونان 3.0% ومن المتوقع أنه بحلول نهاية عام 2024، سيتم تخفيض قائمة الدول التي تنتهك معايير الناتو، من حيث المستوى النسبي للإنفاق العسكري. على وجه الخصوص، أفادت ألمانيا بالفعل أنه منذ شهر فبراير/شباط، أصبح الإنفاق العسكري يعادل بالفعل 2% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس شهري.
وفي حديثها في براغ في منتدى GLOBSEC لمؤتمر الأمن الدولي في 30 أغسطس/آب، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: «يجب علينا نحن الأوروبيين أن نمتلك الوسائل للدفاع ضدّ أي خصوم محتملين وردعهم... لقد حققنا بالفعل تقدماً غير مسبوق. لقد زادت الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي مما يزيد قليلاً عن 200 مليار يورو... إلى ما يقرب من 300 مليار يورو هذا العام». يأتي هذا في الوقت الذي وفّرت فيه أوروبا خلال العقود الثلاثة التي تلت نهاية الحرب الباردة: 1.6 تريليون دولار بسبب الفرق بين المستوى الفعلي للإنفاق الدفاعي، والمستوى الذي حددته الولايات المتحدة.
غير كافٍ للبعض
مع ذلك، فإن أكثر المؤيدين المتحمسين لزيادة الإنفاق العسكري في كتلة الناتو لا يعتقدون أنّ العالم القديم قد استرخى فقط، بل العالم الجديد أيضاً. يبدو الإنفاق الدفاعي الأمريكي اليوم متواضعاً للغاية من الناحية النسبية، حيث بلغت النسبة في المتوسط على مدى السنوات الخمسين الماضية 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ستينيات القرن العشرين، أثناء حرب فيتنام، تجاوزت في بعض السنوات 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
في الوقت نفسه، تنتشر شائعات، مفادها أن معيار الإنفاق العسكري لحلف الناتو قد يرتفع من 2 إلى 3%، اليوم، تظهر المزيد والمزيد من المنشورات في الغرب التي تدعو لزيادة الإنفاق العسكري، والحجج ليست سياسية بقدر ما هي اقتصادية. يقولون: إن الإنفاق العسكري يحفز التنمية الاقتصادية، حيث يمكن أن يسمّى الوضع في الاقتصاد الغربي اليوم «ركود»، والذي يمكن أن يتطور إلى «كساد». إنّهم يتذكرون وصفات رجل الاقتصاد الإنكليزي جون كينز، الذي اقترح إخراج الاقتصادات الغربية من الأزمة العالمية في ثلاثينيات القرن العشرين من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، بما في ذلك الإنفاق العسكري «أو ما يسمى: الكينزية العسكرية». إنّهم يتذكرون كيف انطلق الاقتصاد الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية بسبب الزيادة الحادة في الإنفاق العسكري، حيث وصلت النفقات العسكرية الأمريكية في 1942-1943 إلى 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 1944 بلغت قمة الذروة 42٪. في الوقت نفسه، نما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 69% خلال سنوات الحرب. لقد اختفت البطالة بشكل شبه كامل «أقل من 1٪».
من الجدير بالذكر، أن فكرة زيادة الإنفاق العسكري تجد دعماً أكبر بكثير في الولايات المتحدة، بينما في الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو فهي أكثر تقييداً بكثير. حتّى أنّ عدداً من الساسة والمسؤولين الحكوميين الأوروبيين يجرؤون على معارضة مثل هذه الزيادة في الإنفاق العسكري، فبينما الحرب مستمرة بالفعل في أوروبا، في أوكرانيا وحتى في جزء من الأراضي الروسية، فأمريكا تبقى بعيدة خلافاً للدول الأوروبية. مثل هؤلاء السياسيين يخافون من «الرد» الروسي.
لكن الأمر ليس ذلك فحسب، فهناك حقيقة حالية، هي أنّ المستفيد من زيادة الإنفاق العسكري في أوروبا سيكون الاقتصاد الأمريكي. لا يمتلك العالم القديم مجمعاً صناعياً عسكرياً قوياً مثل العالم الجديد. العالم القديم ليس مكتفياً ذاتياً من حيث الأسلحة والمعدات العسكرية وحتى بعض أنواع الذخيرة. استوردت أوروبا دائماً كميات كبيرة إلى حد ما من المنتجات العسكرية من الولايات المتحدة. لم يكن تطوير المجمع الصناعي العسكري للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أولوية خاصة، فقد اعتمدوا دائماً على المجمع الصناعي العسكري الأمريكي. في الفترة 2019-2023، زادت صادرات الأسلحة الأمريكية إلى أوروبا بنسبة 35% مقارنة بالفترة 2014-2018. زاد الطلب على الأسلحة الأمريكية في أوروبا بشكل حاد، وبشكل خاص بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. يقول تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: «منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، ترغب الدول الأوروبية في استيراد أكبر عدد ممكن من الأسلحة في أسرع وقت ممكن».
اشترت العديد من الدول الأوروبية وتواصل شراء صواريخ جافلين المضادة للدبابات من شركتي رايثيون ولوكهيد مارتن الأمريكيتين. في العام الماضي، وقعت بولندا صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار لشراء 116 دبابة من طراز M1A1 Abrams، بالإضافة إلى صفقة بقيمة 10 مليارات دولار لشراء أنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة HIMARS من شركة لوكهيد مارتن. ووقعت سلوفاكيا عقدا لشراء مقاتلات إف-16، وبدأت رومانيا المفاوضات لشراء طائرات إف-35.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1191