صفعة لتيّار الحرب في ألمانيا
فلاديمير مالاشييف فلاديمير مالاشييف

صفعة لتيّار الحرب في ألمانيا

تلقى المستشار الألماني الحالي أولاف شولتز صفعة على وجهه بعد إعلان نتائج الانتخابات الإقليمية في شرق ألمانيا- في تورينجيا وساكسونيا. فاز حزب البديل من أجل ألمانيا «AfD» اليميني المعارض بالانتخابات في تورينجيا، حيث حصل على 32 مقعداً من أصل 88 في البرلمان المحلي «Landtag». هذا هو الفوز الأول لحزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات الإقليمية في ألمانيا.

ترجمة: قاسيون

وفي المركز الثاني يأتي الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي حصل على 23 مقعداً. وفي المركز الثالث يأتي حزب «اتحاد سارة فاغنكنيشت من أجل العقل والعدالة» الذي تم تشكيله حديثاً، والذي حصل على 15 مقعداً في البرلمان المحلي. بالإضافة إلى ذلك، دخل حزبان آخران البرلمان المحلي: «اليسار» والديمقراطيون الاشتراكيون بزعامة أولاف شولتز، الذين ضعفت مواقفهم بشكل كبير. ولم تدخل أحزاب الائتلاف الحاكم على المستوى الفيدرالي: حزب الخضر وحزب الليبرالين الأحرار إلى Landtag على الإطلاق.
في ولاية ساكسونيا، احتلّ حزب البديل من أجل ألمانيا المركز الثاني في انتخابات برلمان الولاية، حيث حصل على دعم 30.6% من الناخبين، فاز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في هذه الولاية بـ 31.9٪. حصل حزب سارة فاغنكنشت على دعم 11.1% من الناخبين، بينما حصل الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة شولتز على 7.3% فقط من الأصوات. كما تعلمون، فإنّ حزب البديل من أجل ألمانيا، مثل حزب سارة فاغنكنيشت، يعارض إمدادات الأسلحة إلى كييف ويدعم المفاوضات مع روسيا.

«الكارثة» والأسباب

وصفت مجلة «فوكوس Focus» الألمانية نتائج التصويت في ساكسونيا وتورينجيا بأنها «كارثة» على الائتلاف الحاكم للمستشار أولاف شولتس. وبحسب كاتبي المقال، كان ذلك نتيجة طبيعية لعدم اهتمام النخب بالمشاكل التي تهم السكان المحليين، بما في ذلك تدخل برلين في الصراع الأوكراني. وتخلص فوكوس إلى أنّ: «احتمال مواجهة معارضة من خارج البرلمان في الانتخابات الفيدرالية خلال ما يزيد قليلاً عن عام من المرجح أن يدفع الحكومة الحالية إلى حافة البقاء».
بدأت معدّلات شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا في الارتفاع بشكل حاد العام الماضي. انتقد بشدة حكومة شولتز، وألقى باللوم عليها في ارتفاع أسعار الطاقة، والفشل في سياسة الهجرة، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة بشكل متزايد. في الوقت نفسه، لم تجد السلطات أفضل من إعلان حزب البديل من أجل ألمانيا «متطرفاً»، أو «فاشياً تقريباً»، واتهامه بالمطالبة بالطرد الجماعي للمهاجرين من البلاد، فضلاً عن إقامة علاقات مع روسيا والصين، والتي في أوروبا اليوم: خطيئة مميتة.
عندما تدفّق طوفان اللاجئين من سورية والعراق إلى أوروبا في عام 2015، انتهى الأمر بمعظمهم في ألمانيا، الأمر الذي تحوّل إلى مشاكل كبيرة للبلاد. أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا القوة السياسية الرئيسية التي دافعت بنشاط عن «الهوية الألمانية». عندما تدفقت موجة جديدة من اللاجئين إلى ألمانيا- من أوكرانيا، أصبح الوضع أكثر توتراً، وبدأ حزب البديل من أجل ألمانيا في اكتساب المزيد من النقاط في خطابه المناهض للمهاجرين. لكن من خلال التحدث بشكل حاد ضد المهاجرين، وجد نفسه «تحت رقابة» المكتب الاتحادي لحماية الدستور، الذي يصنف الفروع الإقليمية لحزب البديل من أجل ألمانيا في تورينجيا وساكسونيا على أنها «متطرفة يمينية». أطلقت وسائل الإعلام الليبرالية بشكل عام على هذا الحزب اسم «الفاشي».
في مثل هذه الحالة، أصبح ظهور حزب سارة فاغنكنشت الجديد عاملاً مهماً للغاية. نجحت فاغنكنشت في خلق قوة سياسية تنافسية قادرة على جذب حصة كبيرة من الناخبين، تحت شعارات تطالب بقدر أكبر من العدالة الاجتماعية، وارتفاع معاشات التقاعد والأجور، وزيادة الضرائب على السكان الألمان الأثرياء. كما أنها تدعو إلى سياسات الهجرة الصارمة. تحت هذه الشعارات، تمكن حزب فاغنكنشت، الذي لم يوصف بعد بأنه «متطرف»، من جذب بعض ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا تحت رايته.

مخاوف الحلفاء

تسببت نتائج التصويت في ألمانيا الشرقية في إثارة قلق بالغ بين حلفاء ألمانيا الغربيين. كتبت صحيفة فايننشال تايمز: «فاز حزب البديل من أجل ألمانيا بالانتخابات في ولاية تورينجيا الشرقية. هذه هي المرة الأولى منذ الحرب التي يفوز فيها حزب يميني متطرف في الانتخابات الإقليمية... وهو ما يشير إلى تزايد خيبة الأمل بين الناخبين في ألمانيا الشرقية تجاه الحكومة، التي يلقي الكثيرون باللوم عليها في ارتفاع معدلات التضخم والركود الاقتصادي وارتفاع أسعار الطاقة والمشاكل المستمرة.
يعتقد كاتب المقال، أنّ الموقف السلبي المتزايد تجاه الدعم المالي للصراع في أوكرانيا لعب دوراً مهماً في اختيار الناخبين: «لقد اجتذب كلّ من حزب البديل من أجل ألمانيا واتحاد سارة فاغنكنشت الناخبين من خلال معارضة الصراع الأوكراني. وانتقد الطرفان بشدة إمدادات الأسلحة الألمانية إلى كييف، فضلاً عن العقوبات الغربية ضد روسيا، ودعوا إلى إجراء مفاوضات لإنهاء القتال».
وكتبت نيويورك تايمز، وهي القريبة من الإدارة في واشنطن: «تمّت مراقبة الانتخابات في ولايتي ألمانيا الشرقية السابقة في برلين عن كثب، كمؤشر على القوة المتزايدة للأحزاب المتطرفة، اليسار واليمين، وضعف موقف أحزاب الوسط التي تشكل الائتلاف الفيدرالي الحالي»، واعتبرت نتائج الانتخابات مؤشراً مثيراً للقلق على صحّة ومستقبل «الديمقراطية الألمانية»، ومن المرجح أن تؤدي إلى تعميق المعضلة حول ما إذا كانت الأحزاب الرئيسية قادرة على عزل المتطرفين عن السلطة، والوسيلة لذلك!
منذ عام 2017، عندما دخل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى البوندستاغ الألماني، أصبح لديه الآن ممثلون في 14 من الهيئات التشريعية الألمانية الست عشرة، بالإضافة إلى البرلمان الأوروبي في بروكسل. وفي الانتخابات الأوروبية التي أجريت في يونيو 2024، جاء في المركز الثاني على المستوى الوطني بنسبة 15.9% من الأصوات. لذا فإن حزب البديل من أجل ألمانيا لن يذهب إلى أي مكان، وهناك خطر يتمثل في أنّه كلما شعر ناخبوه بالعزلة عن السلطة الحقيقية- بسبب رفض الأحزاب الأخرى ضمه إلى الائتلاف- زاد الدعم الذي يمكن أن يحصل عليه.
وكما كتبت صحيفة أخرى تدور في الفلك الأمريكي، بوليتيكو: «كمكافأة لحزب البديل من أجل ألمانيا، فإن العديد من كبار شخصياته لا يخفون التزامهم تجاه فلاديمير بوتين... أكّد بيورن هيكي، زعيم الحزب في تورينجيا، أنه إذا أصبح مستشاراً لألمانيا، فإن رحلته الأولى ستكون إلى موسكو».
يدعو «اتحاد سارة فاغنكنشت» بدوره إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا ويشكك في دعم ألمانيا لأوكرانيا. ويدعو الحزب كييف إلى البدء على الفور في مفاوضات السلام مع موسكو. في يوليو/تموز، في مقابلة مع إذاعة دويتشلاندفونك، قالت فاغنكنشت: إنّ «الانتخابات في الشرق هي أيضاً استفتاء على الحرب والسلام».
أظهرت نتيجة التصويت في الولايات الشرقية، من بين أمور أخرى، انقساماً عميقاً بين هذه المنطقة وغرب ألمانيا. على مدى العقود الماضية بعد سقوط جدار برلين، لم يكن هناك أي تقارب تقريباً بين سكان جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة وجمهورية ألمانيا الاتحادية. ونتيجة للانتماء طويل الأمد إلى أنظمة مختلفة، تشكلت دولتان في ألمانيا. لهذا السبب، يخشى الليبراليون الجدد في المؤسسة الحاكمة في برلين، وعلى رأسهم أولاف شولتز، من أن تمتد ثورة المحافظين التي حدثت في انتخابات الولايات في ألمانيا الشرقية إلى الولايات الغربية.
وإذا أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أقوى حزب في الولايتين للمرة الأولى، فسوف يرسل إشارة سياسية قوية. ففي نهاية المطاف، ستُعقد انتخابات وطنية في ألمانيا خلال عام واحد. كتبت صحيفة بوليتيكو عشية التصويت: «ستمثّل هذه التغييرات انتصاراً شخصياً لبوتين».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 22:31