مساهمة إيران في الجهود الرادعة لتوسيع الحرب الإمبريالية
بقلم: راينر شيا* بقلم: راينر شيا*

مساهمة إيران في الجهود الرادعة لتوسيع الحرب الإمبريالية

إن قدرة إيران على اكتساب قوة ردع كبيرة ضد الإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني، إلى الحد الذي جعلها تشعر بالارتياح وهي تنتظر أسابيع عديدة للرد على الاستفزازات الصهيونية في يوليو/تموز الماضي، يُظهِر الدور الذي قد تلعبه إيران في الحرب العالمية الثالثة حال اندلاعها. فإيران تشكل أحد الحواجز ضد الاعتداءات الإمبريالية، وهي واحدة من القوى التي تخشى القوى الإمبريالية المهيمنة مواجهتها، لأنها أثبتت قدرتها على التحدّي الفعّال لواشنطن وإلحاق هزائم بمصالحها. هذه الحقيقة تكشف عن ضعف داخل الإمبرياليين، وهو ضعف يمكننا الاستفادة منه.

ترجمة (بتصرّف): قاسيون

إنّ الإمبرياليين يريدون حرباً كبرى جديدة بكل تأكيد، ذلك أنّ نظامهم الاقتصادي يعاني من أزمة غير مسبوقة... ويحدوهم الأمل بأن يؤدي تحريضهم على صراع عملاق إلى تخفيف حدة هذه الأزمة. ومع ذلك فإنهم لا يرغبون في أن تكون إيران أحد خصومهم في هذه الحرب. هذا أمر يتعارض مع المنطق العلني إلى حد ما، لأن إيران أصغر جغرافياً وحجماً من روسيا أو الصين، ولا يبدو أنّ الإمبريالية تظهر مثل هذا الحذر في التعامل مع استفزاز هذه البلدان الأخرى. لكن لعدة أسباب، أصبحت إيران أحد اللاعبين الذين لا تريد القوة المهيمنة [الإمبريالية الأمريكية] الدخول في صراع كامل معهم.
كان من الواضح دائماً أنّ محاولة الإطاحة بحكومة إيران بالطريقة نفسها التي أطاحت بها واشنطن بصدام حسين لن تنجح، ليس فقط للعوامل الجغرافيّة التي تجعل الغزو البرّي لإيران غير عملي، بل وكذلك بسبب العوامل الداخلية والخارجية المختلفة بين إيران اليوم والعراق إبان حكم صدّام حسين، فقد استطاعت إيران تحصين نفسها باستثمار ميزان القوى العالمي الجديد والانخراط في تمتين العلاقات والتحالفات الدولية الجديدة مع خصمَي واشنطن الكبيرَين الصاعدَين (الصين وروسيا وخلفهما كتلة بريكس المتوسّعة) وهو وضع جيوسياسيّ مختلف كثيراً عما كان عليه الحال في حقبة غزو العراق. فمع التحول نحو التعددية القطبية، ارتفع حجم إيران الاقتصادي، ممّا منحها الكثير من المنعة أمام محاولات واشنطن لتحريض ثورة ملونة فعالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن صعود إيران جعلها في وضع يمكنها من تهديد نقاط حساسة في نفوذ الولايات المتحدة الاقتصادي في حالة اندلاع حرب كاملة، مما يجعل واشنطن معرضة لخطر تجربة الأزمات نفسها التي تُخضِع لها الآخرين من خلال عقوباتها. على مدى العقدين الماضيين، اكتسبت إيران أيضاً بشكل غير مباشر قوة عسكرية أكبر بكثير، حيث أصبحت المجموعات الشريكة لها في مقاومة الصهيونية، مثل حزب الله، قوىً مسلَّحة للغاية.
بسبب المزايا العديدة التي حصلت عليها إيران والأعضاء الآخرين في تحالف القوى الشعبية المقاومة في المنطقة والعابرة للقوميات والطوائف، تحاول واشنطن عدم استفزاز إيران بالطريقة ذاتها التي استفزت بها روسيا عندما بدأت حرب أوكرانيا. كان لدى الإمبرياليين تركيز على جنوب غربي آسيا منذ سنوات، ولكنهم يجدون الحاجة إلى تركيز أكبر على تلك المنطقة بعد أن نفّذت المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأصبح المشروع الصهيوني مهدَّداً لدرجةٍ غير مسبوقة تاريخياً. وهو ما جعلهم معرَّضين لخطر الدخول في الحرب التي يخشونها أكثر من أي شيء آخر.
ونظراً إلى أنّ هذا التحرك الجديد كان ردّ فعل على أحداث غير متوقعة، وليس جزءاً من أي خطة مسبقة، يأمل الإمبرياليون أن ينتهي هذا الصُّداع، وأن تعود القوى المعادية للإمبريالية في جنوب غربي آسيا إلى حالة خمول نسبي، وأن ينهي الحوثيون الحصار المفروض على البحر الأحمر، وألّا يضطروا إلى انتظار إيران حتى تضرب. لكنّ هذا غير واقعي تماماً مثل عدم واقعية الأمل في القضاء على حماس. فسوف يواصل أعداء الإمبريالية في المنطقة مستوى نشاطهم الجديد، وسوف يظل هذا مكلفاً للغاية بالنسبة للإمبريالية. سوف تظل واشنطن مضطرة إلى تحويل تركيزها نحو جنوب غربي آسيا، الأمر الذي من شأنه أن يحبط خططها لشن حرب في شرق آسيا وجهودها لنشر الفوضى العالمية.
إنّ الخوف من إيران يجعل دولة المستوطنين «الإسرائيليين» تشعر بالانتظار حتى ترد، حيث تمكنت إيران من مفاقمة الأزمة الاقتصادية داخل «إسرائيل» وتقويض الثقة بالأمن العام، الأمر الذي يشعر به الهيكل الإمبريالي الأوسع نطاقاً أيضاً. إنّ إيران تساهم في جعل القوة المهيمنة أقل ثقة في خططها الحربية تجاه كوريا الشمالية وتايوان وأوروبا الشرقية وأماكن أخرى، لأن القوة المهيمنة تعلم أنها إذا تحركت في هذه الأماكن الآن، فقد تضطرّ لمواجهة تحرّك إيران بأيدٍ خاوية. هذه هي الهدية التي تقدمها إيران للعالم، إنها توفّر لنا المزيد من الوقت للاستعداد للمرحلة التالية في النضال ضد الإمبريالية: المرحلة التي تنفّذ فيها واشنطن مناورتها الكبرى التالية، وتحاول إلقاء جزء كبير من العالم في حالة من الفوضى.
إنّ الإمبرياليين ما زالوا قادرين على إحداث قدر كبير من الدمار والموت، ولكن القوى التي تعارضهم قادرة على اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الضرر الذي قد يلحقونه. ولأن روسيا لديها الإرادة السياسية والقدرة لمحاربة الإمبريالية والفاشية، فقد تمكنت من سحق غزو كييف، كما دمّرت أي احتمال طويل الأمد لاحتلال قوات كييف لأراضٍ من روسيا، وجعلت كييف غير قادرة على استخدام هذا كأداة فعالة لتحويل الانتباه. ولأنّ الثورة الفنزويلية استعدت للتعبئة الجماهيرية، فقد تمكنت من إخماد محاولة الثورة الملونة الشهر الماضي. كما أحبطت بوليفيا محاولة انقلاب أخرى في وقت سابق من هذا العام، ممّا أظهر مدى محدودية نطاق جهاز واشنطن لتغيير الأنظمة أو إبقائها بحسب مصالحها. وحتى في الأماكن التي تبدو فيها الأمور على السطح ميؤوساً منها، فإن الناس يظهرون تصميماً لا يموت على إخراج الإمبريالية من أراضيهم.
حتى في النصف الجنوبي من كوريا الخاضع للولايات المتحدة، يرفع المعارضون للإمبريالية أصواتهم من خلال شبكات مثل «المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية». ويستمر النضال من أجل السيادة والاستقرار داخل ليبيا. وتقاوم الحركة المناهضة للإمبريالية في السودان الولايات المتحدة وقادة الوكلاء المحليين للإبادة الجماعية الذين تدعمهم الولايات المتحدة. لقد انتصر الفلسطينيون في الأساس بالفعل، لأن النضال ضدّ الاستعمار أدى إلى تسريع انهيار الكيان الصهيوني. حتى في قلب الإمبريالية، ورغم الاعتقالات والقمع، يصر المناضلون ضدها على ممارسة حريتهم في التعبير والاحتجاج على الاضطهاد الداخلي (حركة السود مثلاً) وضد دعم واشنطن للإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة. يجب على المقاومة العالمية ضد الهيمنة الإمبريالية أن تستغل هذه اللحظة بالفعل.
تترتب على المناضلين ضد الإمبريالية، ولا سيّما داخل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، مهمةُ الترويج لرسالة السلام مع إيران كأحد أفضل السبل التي يمكن من خلالها اجتذاب الناس، لأنه على الرغم من خوف الحكومة الأمريكية من مواجهة إيران، إلا أنها لا تزال تديم خطر مثل هذا الصراع. فهي تحافظ على العقوبات اللاإنسانية ضد شعب إيران، ولا تفعل شيئاً لمنع «إسرائيل» حقاً من ارتكاب جرائم حرب ضد شعب فلسطين. إن حقيقة أنّ هذه الإجراءات التي تتخذها واشنطن تتداخل مع الجهود المبذولة لدعم الإبادة الجماعية ضد فلسطين تجعل هذا الأمر أكثر استنكاراً، ممّا يمنح المناضلين تفويضاً أكبر لمكافحة ما يفعله الصقور المناهضون لإيران.
إنّ الإمبراطورية الأميركية تقترب من حرب تعلم أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية هائلة، ولكنها تشعر بأنها تحت ضغط يدفعها إلى جعل احتمالات اندلاعها أكبر من أي وقت مضى. إن عدوّنا غير متأكد من كيفية التعامل مع إيران، وهو خائف من الأشياء التي قد يحملها المستقبل. ويتعين علينا أن نستغل هذه الثغرة.

  • راينر شيا: صحفي أمريكي ماركسي يضع هدفاً إسقاط آلة الدعاية الإمبريالية

معلومات إضافية

العدد رقم:
1192