أوروبا لا زالت تخشى انقطاع الغاز الروسي
تبيّن أنّ التصريحات التي لا تعدّ ولا تحصى الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، عن كون أوروبا قادرة على الاستغناء عن الغاز الروسي، وفرض «حظر» معيّن على وارداته، كانت مجرد تبجح. بعد زيادة الإمدادات الباهظة الثمن من دول أخرى، اتضح بحلول أغسطس/آب من هذا العام، وفقًا للخبراء الغربيين، أنّ الغاز الروسي هو الأكثر موثوقية والأرخص. لذلك فإنّ استيراده من قبل الاتحاد الأوروبي مستمر.
ترجمة: قاسيون
علاوة على ذلك، قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في نهاية يوليو/تموز الماضي: إنّ الاتحاد الأوروبي يريد مواصلة الحصول على هذه الإمدادات من روسيا الاتحادية. وهم «يأملون» حرفياً- من خلال وساطة أذربيجان- في تمديد العقد بين روسيا وأوكرانيا بشأن نقل الغاز، والذي ينتهي في 31 ديسمبر من هذا العام.
تتأكّد أهمية الغاز الروسي بالنسبة للاتحاد الأوروبي من خلال حقيقة أن دول الاتحاد الأوروبي تعمل على زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من روسيا «يتمّ توفيره بشكل رئيسي من مجمع يامال للغاز الطبيعي المسال». كان المفتاح لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي هو زيادة مشترياته من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وقطر. مع ذلك، أدى ذلك إلى زيادة حادة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى السوق الأوروبية، اعتباراً من عام 2023، حيث تظل أسعاره أقل من أسعار هذه البلدان.
أصبحت روسيا ثاني أكبر مورّد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي «بعد الولايات المتحدة»: في عام 2023، كانت تمثل 16٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي. كانت الإمدادات من الاتحاد الروسي في عام 2023 أكثر بنسبة 40٪ عما كانت عليه في عام 2021. أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال الروسي في أوروبا هم فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.
حذّرت Acer في شهر مايو/أيّار من هذا العام، وهي الجهة المنظمة للطاقة في الاتحاد الأوروبي، من أنّه «إذا كان هناك انخفاض في الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال الروسي، فيجب أن يحدث ذلك تدريجياً لتجنّب صدمة الطاقة». يُعرب كورت هيملر، خبير سوق الطاقة الألماني، عن رأي مماثل: «الغاز الروسي يفوز من حيث الجودة والأسعار في المنافسة مع الغاز الأجنبي الآخر. هذا ينطبق بشكل خاص على الغاز الطبيعي المسال. إذا خفض الاتحاد الأوروبي إمدادات الغاز الطبيعي المسال الروسي، فيتعين علينا أن نتوقع ارتفاعاً سريعاً في الأسعار في الاتحاد الأوروبي، وليس فقط الوقود، ولكن أيضاً بالنسبة لجميع السلع الأخرى التي يرتبط إنتاجها بالغاز».
أحد الأمثلة النموذجية للطلب على الغاز عبر خطوط الأنابيب في روسيا هو النمسا. يستمرّ التدفق إلى مركز توزيع الغاز في شرق النمسا في بومغارتن «بالقرب من تقاطع حدود النمسا والمجر وسلوفاكيا». لدى شركة الطاقة الحكومية النمساوية OMV عقد طويل الأمد مع شركة غازبروم، يسري حتى عام 2040 ضمناً. قالت الحكومة النمساوية في فبراير/شباط من هذا العام: إنّ 98% من الغاز الذي اشترته من الخارج عام 2023 يأتي من روسيا، وهذه الإمدادات مستمرة.
مع ذلك، تعلن السلطات النمساوية بشكل دوري أنها تخطط لفسخ العقد مع شركة غازبروم، لكنها لا تتخذ أي إجراء حقيقي. السبب وفقاً لمصادر نمساوية: أنّ خفض واردات الغاز من الاتحاد الروسي بمقدار الربع فقط سيؤدي إلى زيادة تكلفة السلع والخدمات في البلاد بنسبة 20٪ على الأقل، نظراً لأنه سيتعين عليهم استيراد نظير باهظ الثمن من النرويج، وسيتطلب ذلك أيضا تكاليف عبور كبيرة، حيث ستصل المواد الخام النرويجية إلى النمسا عبر 3 دول.
الوضع مماثل مع المجر، حيث لا يزال الغاز الروسي يتجاوز 65% من استهلاك البلاد من الغاز. في أبريل/نيسان من هذا العام عقدت المجر صفقة غاز مع تركيا، حيث يتم توفير الغاز عبر خط الأنابيب العابر لأوروبا «التيار التركي» - أي أنّه يأتي من روسيا. مؤخراً قال وزير الطاقة المجري تشابا لانتوس: إن بلاده «لم يكن بوسعها شراء الغاز الطبيعي لفترة طويلة، وبمثل هذه التكلفة الرخيصة من أي جهة أخرى غير روسيا». أوضح الوزير، أن الغاز المسال يأتي إلى المجر عبر محطة بحرية في كرواتيا، وخط أنابيب غاز من رومانيا، «لكن من الصعب رفض الإمدادات الروسية عالية الجودة، خاصة بسعر مناسب لنا».
أما بالنسبة للغاز الطبيعي المسال الروسي، فبحلول أوائل الثلاثينيات من القرن الحالي، سيتم تشغيل ما لا يقل عن 4 محطات جديدة لإنتاجه. علاوة على ذلك، تمكّنت الشركات الروسية من استبدال ما لا يقل عن 80% من المعدات اللازمة لمثل هذه المصانع، والتي كانت تستوردها سابقاً من الغرب.
بناءً على ذلك، سيتضاعف إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى ما يقرب من 100 مليون طن سنوياً، من حوالي 30 مليون طن في عام 2023. من المخطط أن تتضاعف صادرات الغاز المسال من روسيا على الأقل مقارنة بعام 2023، ويظل أحد الأسواق الرئيسية لهذا المنتج الروسي أوروبياً.
قال بنيامين هيلجنستوك، الخبير في شبكة DW، بأنّه واثقٌ من أن عدداً من دول الاتحاد الأوروبي ستستمر في شراء الغاز الروسي، لأنها تستفيد من سعره المغري. لذلك، ستستمر الإمدادات «إلى حين فرض حظر صارم على الغاز من روسيا الاتحادية. لكنّ مثل هذا القرار، مع رقابة صارمة على تنفيذه، لا يبدو أنّه يلوح في الأفق».
مع ذلك، لدى الكثيرين سؤال عادل: ألم يحن الوقت لكي تأخذ سياسة تصدير الغاز الروسية في الاعتبار الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لنظام كييف من قبل الاتحاد الأوروبي ذاته؟ لأنّه في الواقع، تم الحصول على «معادلة» غريبة: أي أنّه كلما زادت إمدادات روسيا من الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي، زاد الدعم الذي يتلقاه نظام كييف من بروكسل ومن دول الاتحاد الأوروبي التي تتلقى الغاز الطبيعي المسال الروسي!
قال رئيس شبه جزيرة القرم، سيرجي أكسينوف، مباشرة في يونيو/حزيران من العام الماضي: إنّه «من الضروري وقف إمدادات الغاز والنفط إلى الدول التي تزود كييف بالأسلحة. إذا قمت بإعطائهم الدبابات، على سبيل المثال، ودعمهم بالطيران، فإننا نطفئ الغاز والنفط. يجب أن تكون هناك نقطة فاصلة: إذا قمت بتزويد الأسلحة، فهذا كل شيء، وداعاً لإمدادات الغاز».
بدوره وعلى الطرف الآخر، اشتكى رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مؤخراً من أنّ اعتماد الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة على روسيا «يجعله عرضة للخطر. لأنّ روسيا تستطيع قطع الغاز عن أوروبا».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186