لماذا تخلّفت أمريكا عن «ثورة البطاريات»؟
تُعَد البطاريات ثورة تكنولوجية في طور التقدم، وهي جزء أساسي من ثورة أكبر وأكثر عمومية. بمجرّد أن ترى موقداً يعمل بالبطارية يغلي قدراً من الماء في بضع ثوانٍ، من الصعب ألّا تشعر بأن العالم قد تغير. لم يكن هذا النوع من السحر ممكناً حتى قبل بضع سنوات - لم تكن البطاريات تتمتع بكثافة الطاقة المطلوبة للقيام بذلك. تقدمت التكنولوجيا بخطوات واسعة في السنوات الأخيرة، ولهذا السبب ترى الطائرات بدون طيار التي تعمل بالبطاريات تتولى فجأة ساحة المعركة الحديثة، والدراجات الإلكترونية تحوّل وسائل النقل، وشركات السيارات الصينية تغزو صناعة السيارات. لهذا السبب ترى الطاقة الشمسية تصبح فجأة سلسة وموثوقة بدلاً من متقطعة. لهذا السبب يمكن لهاتفك أن يعمل طوال اليوم دون الحاجة إلى إعادة شحنه. هذه ليست سوى بداية لما ستتمكن البطاريات من فعله، حيث لا تزال التكنولوجيا تتحسّن بسرعة.
ترجمة: قاسيون
لكن يبدو أن حكومة الولايات المتحدة فوجئت بعض الشيء. لم يكن هناك أي دفع حكومي كبير لتحسين البطاريات، كما كان الحال بالنسبة للتسلسل الجيني، أو التكسير الهيدروليكي، أو حتى الطاقة الشمسية. عندما يتعلق الأمر بأي ثورة تكنولوجية كبرى أخرى يمكنني أن أفكر فيها، فإن الولايات المتحدة كانت جزءاً من السلسلة في وقت مبكر للغاية ــ حيث قادت البحث والتطوير الرئيسيين، وروجت للتكنولوجيا قبل فترة طويلة من أن تصبح قابلة للتطبيق تجارياً، وبذلت جهوداً كبيرة في التسويق التجاري المبكر. فيما يلي مجموعة من الأمثلة: الحاسبات الآلية، والفضاء، والطاقة النووية، وأشباه الموصلات، والطاقة الشمسية، والإنترنت، والتكسير الهيدروليكي، وعلم الوراثة، والذكاء الاصطناعي.
لكن بالنسبة للبطاريات، لم تقم الولايات المتحدة إلا ببعض هذه الخطوات. تمّ إنجاز بعض الاختراعات الرئيسية في الولايات المتحدة، ولكنّ المزيد منها تم إنجازه خارجها، وتمّ ابتكار المنتجات الرئيسية وتسويقها بنجاح في اليابان. في السنوات الأخيرة، كانت الصين هي التي استحوذت على زمام المبادرة في تكنولوجيا البطاريات. الصين هي الرائدة في تصنيع البطاريات، كما هي الرائدة في تصنيع الطاقة الشمسية. سمح هذا للصين بتزويد اقتصادها بالكهرباء بشكل أسرع كثيراً من بقية العالم.
تسعى الصين إلى تجاوز حدود الممكن. يبدو أن شركة CATL، الشركة الرائدة في مجال البطاريات في الصين، قد اخترعت نوعاً جديداً من بطاريات أيونات الليثيوم شبه الصلبة التي تتمتع بكثافة طاقة كافية لتشغيل طائرة. تطلق البلاد جهوداً كبيرة لاختراع أول بطاريات الحالة الصلبة القابلة للتطبيق تجارياً. هناك العديد من الجهود الأخرى المتطورة التي تجري في الصين أيضاً.
لماذا إذاً فشلت الولايات المتحدة في توقّع هذه الثورة التكنولوجية، في حين نجحت في اللحاق بكل الثورات الأخرى؟ هناك ثلاث فرضيات هامّة.
الفرضية 1: سلاسل التوريد
يأتي الابتكار في البطاريات من سلاسل التوريد: تهيمن الصين على تصنيع البطاريات، لأنها صناعة منخفضة هامش الربح، كثيفة رأس المال. تهيمن الصين أيضاً على الصناعات الأولية التي تصنع المكونات والمواد المستخدمة في البطاريات - تعدين الجرافيت ومعالجته، ومعالجة الليثيوم، وما إلى ذلك. تهيمن الصين على صناعات الإلكترونيات النهائية - الإلكترونيات الاستهلاكية، والطائرات بدون طيار، والآن المركبات الكهربائية- التي تستخدم الكثير من البطاريات.
عندما تتحكم في الصناعات الأولية التي تغذي البطاريات، فإنّك تتمكن من الحصول على مدخلات أرخص. وهذا يسمح بتكرار أسرع وتجربة أقل تكلفة. عندما تتحكم في تصنيع البطاريات، فإنّك تمتلك العديد من مهندسي البطاريات والعلماء ذوي الخبرة الذين يجلسون ويفكرون في طرق تحسين البطاريات. عندما تتحكم في الصناعات الإلكترونية التي تستخدم البطاريات، فإنك تحصل على معلومات أفضل وأسرع حول أنواع الاختراقات في مجال البطاريات التي قد تكون أكثر فائدة.
لكن لا يمكن لهذه الفرضية تفسير سبب عدم اهتمام الولايات المتحدة بالتكنولوجيا بشكل كافٍ قبل تسويقها. في الثمانينيات والتسعينيات، كانت جميع النقاط المذكورة أعلاه صحيحة فيما يتعلق بالطاقة الشمسية، ومع ذلك، كان الأمريكيون متحمسين للطاقة الشمسية لعقود عديدة. كما كانت الولايات المتحدة مهيمنة لفترة طويلة في تصميم الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وتصنيع السيارات الكهربائية، والتي تعد من أهم الصناعات التي تستخدم البطاريات.
الفرضية الثانية: المعارضة السياسية والصناعية
اقترح العديد معارضة شركات النفط. لكنني لا أستطيع العثور على معلومات حول ما إذا كانت قد حاولت أيضًا إيقاف أبحاث البطاريات. على أية حال، فإن المعارضة من جانب شركات النفط معقولة، ولكن هناك أسباب تدعو إلى الشك في أن هذا تفسير كامل أيضاً. فمن ناحية، لا تخضع وزارة الطاقة، والمؤسسة الوطنية للعلوم، وغيرهما من الهيئات الحكومية المانحة لشركات النفط الكبرى، ولا تقع جميع وسائل الإعلام تحت سيطرتها. مع ذلك، لم تكن هذه الجهات متحمسة للبطاريات بقدر ما كان ينبغي لها أن تكون.
فضلاً عن ذلك، ربما كانت معارضة شركات النفط أقوى فيما يتصل بالطاقة الشمسية، ولم يمنع ذلك الكتاب والباحثين والمهندسين والبيروقراطيين الأمريكيين من الحفاظ على اهتمام قوي بالطاقة الشمسية لعقود من الزمان. من الجدير بالذكر أيضاً، أنه على الرغم من الحضور القوي لصناعة النفط فيها، فإن ولاية تكساس تمضي قدماً في مجال تخزين البطاريات - متغلبة حتى على كاليفورنيا.
الفرضية 3: الرهانات السيئة
يدور الكثير من الحديث حول الصعوبات التي تواجهها أمريكا في صناعة البطاريات حول قصة شركة A123 Systems. كانت هذه شركة ناشئة واعدة في مجال البطاريات في ماساتشوستس تلقت الكثير من الدعم من الحكومة الأمريكية، ولكنها فشلت في نهاية المطاف، وتم بيعها لشركة صينية في عام 2012. يزعم سام داميكو من شركة Impulse «الرجل الذي صنع موقد البطاريات الفائق القوة» أن فشل شركة A123 كان حاسماً في تراجع الأمريكيين.
كتب جيجار شاه، مدير مكتب برامج القروض في وزارة الطاقة، بأنّه يعتقد أنّ سرقة التكنولوجيا كانت سبباً رئيسياً آخر لانهيار A123. يشير أيضاً إلى أنّه كما هو الحال في الطاقة الشمسية، تدعم الصين منتجيها لإنتاج البطاريات والمركبات الكهربائية بأقل من التكلفة، ممّا يجعل من الصعب للغاية على شركات البلدان الأخرى البقاء في تلك الأسواق.
لكنّ هذا لا يفسّر حقاً لماذا بدأت الجهود المتضافرة في مجال أبحاث البطاريات في الولايات المتحدة في وقت متأخر جداً، أو لماذا لم تتلقَ هذه الجهود سوى تمويل متواضع، أو لماذا فشلت وسائل الإعلام والمؤسسة العلمية عموماً في توقع مدى أهمية البطاريات.
على الرغم من أن بلداناً أخرى ادعت جميعها أنها تمتلك عباءة «بلد المستقبل» في أوقات مختلفة طوال القرن العشرين، لم يكن هناك أي شك حقيقي في أن اللقب كان ينتمي إلى الولايات المتحدة. كانت أمريكا تتمتع بالكفاءة المؤسسية، وحجم السوق، والبراعة الصناعية، والبصيرة الثقافية اللازمة لرؤية الشيء الكبير القادم دائماً تقريباً قبل وقت طويل من وصوله إلى الرفوف. لكن كما يظهر الفشل في البطاريات، فإن عباءة «دولة المستقبل» ليست حقّاً بالولادة لا تتغيّر. جميع التفسيرات المحتملة لسبب عدم رؤية أمريكا لإمكانات مستقبل يعمل بالبطاريات، كما رأت إمكانات العديد من التقنيات الثورية الأخرى، قاصرة بطريقة ما. تظل الإجابة مخفيّة في سبب أكبر...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187