المساواة: هل نتحدّث عن الأجور أم رأس المال؟
في هذه المقابلة، يناقش الاقتصادي السياسي برانكو ميلانوفيتش عدداً من القضايا المرتبطة باللا مساواة، ومنها تغطية المفاهيم الخاطئة حول موقف كارل ماركس الأساسي من اللامساواة. محاولاً أن يعيد إلى الاستخدام اليومي مفهوم اللا مساواة الأكبر، والذي يجاوز مجرّد الحديث في وسائل الإعلام السائد عن اللا مساواة في توزيع الأجور.
ترجمة: أوديت الحسين
كيف كان المفكرون الأوائل ينظرون إلى عدم المساواة في عصرهم، مقارنة بالطريقة التي نفكر بها في عدم المساواة اليوم؟
إنّ ما هو مثير للاهتمام ـ وهو ما لم يخطر ببالي إلا أثناء كتابتي للكتاب ـ هو أنه إذا نظرنا إلى ماركس، وحتّى كيناي وسميث وريكاردو، فإن ما نعتبره في الواقع فترة عدم المساواة كان بالنسبة لهم عدم المساواة بين الطبقات. لذا فلم تكن هناك أطروحات تحمل عناوين حول مفهوم مثل «توزيع الدخل»، فتوزيع الدخل لديهم ينشأ من عدم المساواة بين الطبقات.
عندما تدرس هذه الأمور، يتعين عليك أن تنظر إلى ما يسميه خبراء الاقتصاد توزيع الدخل الوظيفي، وهو في الأساس توزيع الدخل بين ثلاث مجموعات: أصحاب الأراضي ورأس المال «أي أصحاب رأس المال»، والعمال «الذين يملكون قوة العمل».
كان كيناي مشابهاً للآخرين، إلا أنه لم يكن لديه هذا التوزيع الثلاثي؛ بل كان توزيعه أكثر دقة قليلاً لأنه يكرر الوضع الفرنسي قبل الثورة. كان لديه طبقة عليا تتألف من ثلاث طبقات: الأرستقراطية، ورجال الدين، والحكومة. ولهذا السبب فإن السبب وراء أهمية كيناي هو أنه كان أول من قدم البنية الطبقية للمجتمع. وعلاوة على ذلك، عندما نظر إلى الطبقات الثلاث «العليا»، كان أول من قدم فكرة الفائض الذي ينشأ من الإنتاج، وليس من التجارة، كما اعتقد التجار. إذن هناك هذا الفائض، جنباً إلى جنب مع الهدف المتمثل في الحفاظ على الطبقات الثلاث التي تجلس على قمة المجتمع، والتي تقدم كل منها بعض الخدمات للمجتمع. وبعد ذلك، مع ريكاردو وماركس، أصبح هذا البناء الطبقي هو البناء الثلاثي ـ أصحاب الأراضي، ورأسماليو الرأسماليين، والعمال ـ الذي أصبحنا أكثر دراية بهم.
إلى أي مدى تعتقد أن خبراء الاقتصاد السائد الذين يعملون على دراسة عدم المساواة اليوم يأخذون في الاعتبار هذه الهياكل والديناميكيات الطبقية؟
ج). إنني أزعم أن هذا قد حدث بالفعل الآن، فهو يدخل من خلال الأهمية التي بدأت تُعطى للثروة ورأس المال. فحتى نهاية القرن الماضي تقريباً، كان هناك عدد هائل من الدراسات حول عدم المساواة في الأجور، وأهميّة المهارة، والاختلافات بين الجنسين وما إلى ذلك. وبالطبع، الأجور مهمة: فهي تمثل حوالي 70٪ من الدخل الإجمالي للسوق «بما في ذلك التحويلات الاجتماعية». لكن المساهم الرئيسي في عدم المساواة هو الدخل من رأس المال. وبمجرد دمج الدخل مع رأس المال، فإنك تقدم حقاً بنية طبقية. لذا فإن ما نفعله الآن هو إعادة إدخال بنية الطبقات.
وعلاوة على ذلك، فإننا نشعر بالقلق الآن إزاء أوجه عدم المساواة التي لم يكن هؤلاء المؤلفون الأوائل قلقين بشأنها بالضرورة ــ أو ينبغي لي أن أقول إنهم لم يفهموها إلى حد كبير. على سبيل المثال، أصبحت القضية التاريخية المتعلقة بالعبودية حاضرة إلى حد ما اليوم في تحليل الرأسمالية أكثر مما كانت عليه في أعمال ماركس أو سميث. كانت موجودة هناك أيضاً، ولكنني أعتقد أنها أصبحت أكثر بروزاً الآن. وكانت قضية النوع الاجتماعي غير موجودة تقريباً طوال الوقت. يمكنك أن تضيف إلى ذلك قضية العرق. لذا لدينا الآن تنوع أكبر كثيراً، رغم أنني ما زلت أعتقد أنّه من المهم لدراسات عدم المساواة أن تركّز أيضاً على الخصائص البنيوية للمجتمع.
ما هي الأفكار الأخرى التي يمكنك مشاركتها مع هؤلاء المفكرين- ربما وجدتها مثيرة للاهتمام أو مفاجئة، أو التي تسلط الضوء على المشاكل التي نكافحها اليوم؟
حسنًا، على الرغم من أنني قرأتها منذ أن كنت شاباً أصغر سناً بكثير، إلا أنّ هناك أشياء كثيرة تعلمتها من خلال إعادة قراءتها وأيضاً من خلال قراءة الكتب أو الرسائل التي لم أقرأها من قبل، على سبيل المثال المقالات الاجتماعية مثل مقالات ماركس عن الصراعات الطبقية في فرنسا 1848-1850، والحرب الأهلية في عام 1871 .
هناك العديد من الأشياء التي وجدتها جديدة بالنسبة لي، ولكن بما أنني ذكرت العبودية، فقد وجدت أن ما كتبه آدم سميث عن العبودية البشرية مثير للاهتمام للغاية. لقد كان معارضاً شرساً للعبودية لأسباب أخلاقية وكان يعتقد أيضاً أن العبودية غير فعالة كوسيلة للإنتاج. لكنه كان يعتقد أيضاً أن المرء لن يتخلص من العبودية أبداً لأن مالكي العبيد يتمتعون بنفوذ سياسي كبير، ولن يتنازلوا أبداً عن أصولهم.
هذا مثير للاهتمام للغايةــ وهو يشير إلى اقتراحات مثل فكرة إنجريد روبينز عن الحدية، وهي الفكرة التي تقول إنه فوق عتبة معينة «لنفترض 100 مليون باوند» لا توجد أي حجة أخلاقية أو اقتصادية تسمح لأي فرد بامتلاك مثل هذا المبلغ باعتباره ثروة شخصية. وروبينز واضحة للغاية: هذا ليس شيئاً يمكننا أن نتخيله بأي طريقة واقعية ضمن إطار «نافذة أوفيرتون- الخطاب المقبول سياسياً واجتماعياً». لكن إجراء هذه المناقشة أمر مهم مع ذلك إذا كنا نرغب في تخيّل كيف قد يبدو عالم مختلف جذرياً ــ عالم بلا مليارديرات على سبيل المثال ــ والتفكير فيما إذا كان هذا مرغوباً أم لا.
هل هناك أي مفاهيم خاطئة قد تكون لدينا حول آرائهم فيما يتعلق بعدم المساواة؟
حسناً، أعتقد أنّ ما يثير الاهتمام في نظر ماركس هو اعتقاد كثير من الناس بأنه بسبب انتمائه إلى اليسار ولأنه أكثر راديكالية من الديمقراطيين الاشتراكيين، فلابدّ وأنّه يحصر اهتمامه بعدم المساواة. لكنّ هذا ليس صحيحاً في واقع الأمر. فما كان ماركس يهدف إليه هو التغيير الشامل، وهو ما يعني إلغاء المجتمع الطبقي وإلغاء الملكية الخاصة لرأس المال.
كان ماركس يعتقد أن الحد من التفاوت داخل المجتمع الرأسمالي أمر مرغوب فيه بشدّة بقدر ما يترافق مع نضال النقابات العمالية، مع ظروف أفضل للطبقة العاملة، وما إلى ذلك. لكن هذا لم يكن بالنسبة له الهدف النهائي، وكان صريحاً جداً بشأن هذا الأمر، وخاصة نحو نهاية حياته «عندما قدم نقده الشهير لبرنامج غوتا». كل هذا مجرد وسيلة، ويعتقد البعض أن ما قصده بهذا هو أن النشاط النقابي وكل العمل على الحد من التفاوت هو ببساطة في خدمة خلق الزخم السياسي والوعي الذاتي بين الطبقة العاملة بضرورة الإطاحة بالنظام. بعبارة أخرى، بالنسبة لماركس، كان الحد من التفاوت أداة، وليس هدفاً، في المجتمع الرأسمالي.
ولكن من المثير للاهتمام أن إنجلز يقول إنه بمجرد أن نتحول إلى مجتمع اشتراكي، يمكننا أن نبدأ في مناقشة هذا الأمر. وقد قدم فكرة شهيرة مفادها أنه في البداية في الاشتراكية، سيكون التوزيع باستخدام معيار متساوٍ، ولكن ليس معياراً يمنح الجميع القدر نفسه، لأنّ الناس يختلفون في الجهد والذكاء، وبسبب هذا، ستكون هناك اختلافات في الدخول الشخصية وبالتالي بعض التفاوت في المجتمع. وكما قال إنجلز، فإن الناس الذين يعيشون في الوادي لن يحصلوا أبداً على نفس الدخل تماماً مثل الناس الذين يعيشون في التلال. أخيراً، لن نصل إلا في المستقبل إلى مجتمع شيوعي حيث يكون التوزيع وفقاً للمبدأ الشهير «من كل حسب قدرته، لكل حسب احتياجاته».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1180