تأثير صعود «اليمين» الأوروبي على العلاقة بروسيا والصين
على الرغم من إعلان فون دير لاين أن «الوسطيين فازوا» في انتخابات البرلمان الأوروبي التي تمّ إجراؤها في 9 يونيو/حزيران، فقد بات واضحاً أنّ ما يُطلق عليه في الإعلام السائد اسم «أحزاب اليمين المتطرّف» قد سجّلت صعوداً لا يمكن الاستهانة به في كامل أوروبا، وخاصة في الدولتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي: ألمانيا وفرنسا. إنّ الاتجاه السياسي المستقبلي لهاتين الدولتين «بما في ذلك سياساتهما الخارجية» كافٍ للتأثير على القارة الأوروبية بأكملها، وسيكون له تأثير عميق على المشهد الجيوسياسي العالمي.
ترجمة: قاسيون
انطلاقاً من الوضع الحالي، فإنّ فرنسا في الوضع «الأشد خطورة». نقطتا التحول المحتملتان لبدء سياسة «التحول إلى اليمين» هما بعد شهر واحد، إذا فاز حزب التجمع الوطني بالانتخابات البرلمانية الفرنسية المبكرة، وأصبح جوردان بارديلا المقرب من ماريان لوبان رئيساً للوزراء وشكّل حكومة. أمّا النقطة الثانية المحتملة فهي في النصف الأول من عام 2027 «عندما ستُجرى الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة». في الوقت نفسه، فإن موقف فرنسا، باعتبارها أحد «الأعضاء الخمسة الدائمين» في مجلس الأمن، يشكّل أهميّة بالغة فيما يتصل بأي قضية دولية رئيسية. لذلك، من المهم والعاجل بشكل خاص تحليل ودراسة التأثير المحتمل للتداعيات السياسية الداخلية.
أولاً: فيما يتعلّق بالصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا، قامت لوبان بانتقاد ماكرون منذ فترة طويلة لانضمامه إلى دول غربية أخرى في فرض سلسلة من العقوبات الأحادية الجانب على روسيا. يرى تيّارها أنّ العقوبات أحادية الجانب قد أدّت إلى تراجع الاقتصاد الفرنسي من ناحية، ومن ناحية أخرى، قد تجر فرنسا إلى حرب مع روسيا. في الوقت نفسه، من أجل الظهور بمظهر الحزب الأوروبي السائد القادر على إقناع الجمهور، قام التجمع الوطني بتعديل موقفه من روسيا، بشكل متعمد، منذ العام الماضي. على سبيل المثال: في أوائل عام 2023، أعرب باريدلا علناً عن احترامه لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، ودعم تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات الدفاعية، لكنّه عارض هجوم أوكرانيا على أراضي روسيا. وقالت لوبان يوم 11 يونيو/حزيران: إنها إذا فازت في انتخابات الجمعية الوطنية، ستعيّن بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، رئيساً للوزراء.
يمكن ملاحظة أنّ الموقف الحالي للتجمع الوطني الفرنسي بشأن روسيا أكثر «ميلاً لأوكرانيا» من السابق، لكنّه أكثر «ميلاً» لروسيا بكثير من الحكومة الفرنسية الحالية. لذلك، إذا ما وصل حزب التجمع الوطني للمشاركة في الحكومة، قد يكون لدى فرنسا مجال أكبر للتعاون مع الدول غير الغربية، وأقصد الصين تحديداً، في قضية تعزيز محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا.
إن الموقف الحالي «لحزب التجمع الوطني» بشأن الصين ليس واضحاً بما فيه الكفاية، وعلينا الانتظار أكثر لنرى. لكنّ الأمر المؤكد هو أن مناهضة لوبان للعولمة وتشكيكها في التعاون العالمي يعني أنّه إذا شارك حزب التجمع الوطني في السياسة، فإن التعاون بين فرنسا والصين لن يكون سلساً جداً في العديد من المجالات.
أولاً: من المرجح أن تستمر لوبان، أو حتى تعزز الموقف الصارم الذي تتخذه الحكومة الفرنسية الحالية ضد السيارات الكهربائية الصينية، من أجل زيادة حماية الصناعات الفرنسية المرتبطة بها.
ثانياً: من المتوقع أن يضعف التعاون بين الصين وفرنسا في مجالات حماية البيئة، والطاقة النظيفة «بما في ذلك الحياد الكربوني»، والتنمية المستدامة.
وأخيراً، ونظراً للموقف الحمائي الذي يتبناه التجمع الوطني، فإنّ فرنسا تحت زعامة لوبان من غير المرجح أن تكون من المؤيدين للتوقيع على اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، نظراً لأنّ تيار لوبان يعارض هيمنة الناتو والولايات المتحدة، فمن المرجح أن يكون التحالف الوطني متشككاً في سلسلة من الاستراتيجيات التي أطلقتها الولايات المتحدة لتوحيد «الحلفاء» واحتواء الصين، مثل: «استراتيجية إزالة المخاطر».
ماذا عن المحرّك الاقتصادي لأوروبا؟
نظراً للعبء التاريخي الذي خلفته الحرب العالمية الثانية وأسباب أخرى، فإنّ «الانعطاف إلى اليمين» الذي يحدث في ألمانيا ليس بجديّة الانعطاف الفرنسي في الوقت الحاضر. لكن في غضون سنوات قليلة جداً، لن يكون من الخيال أن يدخل أعضاء «حزب البديل» الألماني إلى الحكومة ويحكموا. إنّ واحداً من زعيمي حزب البديل الحاليين هي أليس فايدل، عاشت في الصين لست سنوات، وتتحدث لغة الماندرين، وعملت في بنك الصين. وكانت أطروحتها للدكتوراه بعنوان «حول نظام التقاعد في جمهورية الصين الشعبية»، والتي فازت بأعلى جائزة أطروحة في جامعة بايرويت في ألمانيا بعد النشر.
بالمقارنة بالأحزاب السياسية السائدة في ألمانيا، يتبنى حزب البديل من أجل ألمانيا موقفاً أكثر اعتدالاً تجاه روسيا والصين. فقد أعلن الحزب علناً أنّ ألمانيا تتبع واشنطن بشكل أعمى حالياً، وأنّ العقوبات أحادية الجانب التي تفرضها على روسيا وموقفها الصارم تجاه الصين أضرّا بمصالح ألمانيا. ونظراً لأن تجارة الصادرات الصناعية المتقدمة في ألمانيا أقوى من نظيرتها في فرنسا، فمن الطبيعي أن يكون لديها المزيد من المجالات للتعاون البراغماتي مع الصين ــ وهذا هو أيضاً السبب الأساسي وراء تبني حزب البديل من أجل ألمانيا موقفاً أكثر إيجابية تجاه الصين مقارنة بالتجمع الوطني الفرنسي.
بالإضافة إلى ذلك، يلتزم حزب البديل من أجل ألمانيا أيضاً بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وقد أدان علناً سلوك وزير الخارجية الألماني الحالي بيربوك المتمثل في التدخل فيما يسمى بقضايا «حقوق الإنسان» الصينية في شينجيانغ. من وجهة نظر الحزب، فإنّ كل دولة لديها عيوبها الخاصة - فبدلاً من انتقاد الشؤون الداخلية للدول الأخرى بشكل تعسفي، من الأفضل أن تدير بلدها أولاً.
ومع ذلك، فإن موقف حزب البديل الألماني تجاه الصين لم يكن صعوداً بشكل كامل. على سبيل المثال: في عام 2022، عارض الحزب استثمار مجموعة كوسكو للشحن في ميناء هامبورغ؛ ولكن بعد عام 2023، شهد الموقف العام لحزب البديل الألماني تجاه الصين انعكاساً إيجابياً. مع ذلك، لا تزال هناك قضايا محددة بحاجة إلى تحليل كلّ قضيّة على حدة. على سبيل المثال: نظراً للموقف الودي نسبياً الذي يتبناه حزب البديل الألماني تجاه روسيا، يمكن للصين أن تتعاون معه في تعزيز محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا؛ ولكن الحزب أيضاً من أشد المؤيدين «لإسرائيل»، لذا فقد يكون له اختلاف كبير مع مواقف الدول التي تريد حلّاً للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي». وأخيراً، وعلى غرار التجمع الوطني الفرنسي، يؤكد حزب البديل الألماني أيضا على أن السياسات البيئية لا ينبغي أن تكون على حساب التنمية الاقتصادية، لذلك قد يتم قطع بعض مشاريع التعاون البيئي التي تنفذها الصين وألمانيا حالياً.
في الختام، يظل الصراع في أوكرانيا دون حل، ولا يزال الاقتصاد الأوروبي يعاني من التباطؤ. على هذه الخلفية، فإنّ صعود اليمين الأوروبي هو اتجاه لا مفر منه. وفي عموم الأمر فإن «الانعطاف لليمين» الذي تسلكه أوروبا قد يؤدي إلى المزيد من الانقسام في المعسكر الغربي، وبالتالي الحدّ من الضغوط التي تواجهها روسيا حالياً. في الوقت نفسه، فإنّ التأثير المحتمل لهذا الانعطاف على العلاقات بين الصين وأوروبا أكثر تعقيداً، وغالباً ما يتطلب تحليل كلّ قضيّة على حدة لإجراء تحليل محدد. ولكن من شبه المؤكد أن هيمنة الولايات المتحدة سوف تضعف أكثر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1179