الانتخابات الهندية: ما الذي حدث وسيحدث؟
عدد من الكتاب عدد من الكتاب

الانتخابات الهندية: ما الذي حدث وسيحدث؟

في 4 حزيران، ظهرت النتائج النهائية للانتخابات العامة الهندية لعام 2024 - فاز حزب بهاراتيا- جاناتا (BJP) والتحالف الوطني الديمقراطي (NDA) الذي يقوده، وسيصبح مودي نفسه ثاني رئيس وزراء يتم انتخابه لثلاث فترات متتالية بعد زعيم الاستقلال الهندي نهرو. ومع ذلك، كان نمط التصويت النهائي بمثابة صاعقة بالنسبة لحزب بهاراتيا- جاناتا. إذن، ما هي خصائص العملية الانتخابية والنتائج النهائية لهذه الانتخابات؟ ما هو تأثير النتائج النهائية للانتخابات على الوضع السياسي المستقبلي في الهند؟ بعد الانتخابات، ما هي السياسات التي سيعتمدها مودي في الهند؟

ترجمة: قاسيون

كان الهدف الأصلي لحزب بهاراتيا- جاناتا هو الحصول على 400 مقعد، في حين توقعت معظم استطلاعات الرأي الحصول على 350 مقعداً. وفي النهاية، فاز حزب التجمع الوطني الديمقراطي بـ 293 مقعداً فقط، وهو انخفاض كبير عن 352 مقعداً في عام 2019. ومن بينها، فاز بهاراتيا- جاناتا بنحو 240 مقعداً بشكل مستقل، وفشل في الوصول إلى 272 مقعداً المطلوبة للأغلبية البرلمانية. ولذلك، فهو بحاجة إلى الاعتماد على دعم التحالفات الصديقة والأحزاب المحلية الأخرى لتشكيل الحكومة. وقد يمنحهم وضع التحالفات الودية هذا مزيداً من التأثير في مجلس الوزراء، وقد يمارس تأثيراً على الحكومة خلال الولاية الثالثة لبهاراتيا- جاناتا.
على العموم، على الرغم من فوز بهاراتيا- جاناتا في الانتخابات بنجاح ودخوله التاريخ بإعادة انتخابه، فإنه سيواجه مستقبلاً سياسياً أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الخصائص الرئيسية في عملية التصويت في هذه الانتخابات والتي تستحق الاهتمام.
أولاً، هناك تراجع عام في نسبة إقبال الناخبين. بعد المرحلة الأولى من الانتخابات، أصبح الانخفاض الكبير في إقبال الناخبين هو السمة الأبرز في ذلك الوقت، حيث بلغت نسبة إقبال الناخبين حوالي 66.1%، وهو انخفاض بنحو 4٪ عن 2019. وهذا في تناقض صارخ مع اتجاه زيادة إقبال الناخبين تدريجياً في كل انتخابات عامة منذ عام 1999. على سبيل المثال، في راجاستان، حيث فاز بهاراتيا-جاناتا للتو في انتخابات الولاية في 2023، انخفض إقبال الناخبين في المرحلة الأولى بشكل حاد بنسبة 17.6٪. وعلى الرغم من انتعاشها في المراحل اللاحقة، إلا أنها كانت لا تزال أقل بكثير من الانتخابات العامة 2019.
ثانياً، خلال الانتخابات، تزايدت إساءة استخدام بهاراتيا- جاناتا للموارد العامة لتحقيق مكاسب خاصة واضطهاد حزب المعارضة. على سبيل المثال، في آذار 2023، قضت محكمة في سورات بولاية غوجارات في دعوى رفعها وزير سابق في بهاراتيا-جاناتا في ولاية غوجارات ضد زعيم حزب المؤتمر راهول غاندي بتهمة التشهير، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين. أثّر الحكم بشكل مباشر على أهلية راهول غاندي لخوض الانتخابات العامة في 2024 و2029، كما سيضرب بشكل مباشر الآفاق الانتخابية لحزب المؤتمر، أكبر حزب معارض. وبعد إطلاق سراحه تحت الضغط، تلاعبت حكومة مودي أيضاً بإدارة الضرائب لتجميد الحسابات المصرفية لحزب المؤتمر، ومن ثم إلزامه بدفع ضرائب إضافية بقيمة 18.2 مليار روبية، مما تسبب في فوضى في دوران أموال حزب المؤتمر وحملته الانتخابية.

فوز بطعم الهزيمة

يرى مراقبون أن أهم أسباب تراجع حزب بهاراتيا- جاناتا هو تركيزه الشديد خلال الحملة الانتخابية على «الوفاء بالوعود القومية الهندوسية وعلى القوة الشخصية لمودي»، التي لم تكتسب جاذبية كافية بين الناخبين الذين اعتبروا أنفسهم محرومين من الفوائد جميعها، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والغلاء وتكاليف المعيشة.
وعلى الجهة المقابلة، ركزت المعارضة على هذه القضايا الجوهرية خلال حملتها الانتخابية، وعلى فضح سياسات الحكومة غير العادلة أمام الجمهور. وتناولت الصحافة العالمية طريقة مودي في التعامل مع «تسونامي الفقراء» في بلاده، الذين لم يطلهم شيء من برامجه الاقتصادية سوى مشاهدة الأغنياء وهم يتباهون بأموالهم. وقالت تايمز البريطانية في مقال تحت عنوان «هكذا عاقب فقراء الهند حزب مودي في الانتخابات». إنّ «جعل الأغنياء أكثر ثراء ليس بالأمر الجيد، وإن فقراء الهند كانوا يريدون أن يروا تحسنا في حياتهم».
ربما شعر البعض بالقلق من «تجاوزات» حزب بهاراتيا- جاناتا، ومن أنّ أجندة «التفوّق الهندوسي» حرّضت المعارضة، وأنّ هذا قد يؤدي إلى زعزعة استقرار مؤسسات الدولة الهندية. لكن بالرغم من ذلك، فالبرجوازية الهندية الخائفة من التهديد القادم من الأسفل، ظلت إلى فترة طويلة تنشر النداءات الطائفية والاجتماعية كوسيلة لتوجيه الغضب الاجتماعي والإحباط الناجم عن الفقر المزمن والتفاوت الاجتماعي إلى نحو خطوط رجعية ومثيرة للانقسام.
من السمات اللافتة للنظر في هذه الانتخابات، غياب أي نقاش حول الحرب العالمية التي بدأتها الإمبريالية الأمريكية، ومنها الحرب التي حرّض عليها الناتو مع روسيا في أوكرانيا، والإبادة الجماعية «الإسرائيلية» المدعومة من الإمبريالية ضدّ الفلسطينيين في غزة، والهجوم العسكري الاستراتيجي الذي تشنّه واشنطن ضد الصين من خلال محاولات تطويقها. تقدّم الهند دعماً حاسماً لواشنطن في هذه الحرب، خاصة فيما يتعلق بسعيها إلى تطويق الصين استراتيجياً وإحباط صعودها اقتصادياً. في عهد مودي، تحولت الهند إلى دولة على خط المواجهة تابعة للولايات المتحدة، ومرتبطة بشكل وثيق بواشنطن من خلال شبكة موسعة من العلاقات العسكرية الاستراتيجية الثنائية والثلاثية والرباعية مع الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ: اليابان وأستراليا. أصبحت الموانئ الهندية مفتوحة الآن للاستخدام الروتيني للإصلاح وإعادة الإمداد من قبل السفن الأمريكية والبريطانية والفرنسية واليابانية.
وفي حين أن نيودلهي لم تذعن لمطالب الولايات المتحدة بقطع علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، فإنها لا تزال تعمل مع واشنطن لتقليل اعتمادها على الأسلحة الروسية وتكثيف تعاونها مع واشنطن على مستوى العالم. والأهم من ذلك، أن الدعم الذي تقدمه نيودلهي للإمبريالية الأمريكية في ساحة المحيطين الهندي والهادئ يشجع الولايات المتحدة على مواصلة سعيها إلى الهيمنة العالمية في كل مكان. وفي الصيف الماضي، أعلن الجيش الهندي أنه يستجيب لطلب عاجل من البنتاغون بشأن الدعم الذي سيقدمه في حالة نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان. ومع ذلك، لم يكن أي من هذا موضوعاً لأي نقاش ضمن ما هللت له الصحف الغربية بأنّه: «أكبر ممارسة للديمقراطية في العالم».
هناك سببان وراء مؤامرة الصمت بشأن الشراكة الاستراتيجية الهندية الأمريكية، والدور الذي تلعبه الهند في الحرب العالمية الناشئة. فأولاً، تقف الطبقة الحاكمة الهندية وأحزابها السياسية بشكل مباشر وراء الاستراتيجية المتهورة المتمثلة في تحويل الهند إلى قوة عظمى من خلال التمسك بأذيال الإمبريالية الأمريكية الرثّة في سعيها اليائس إلى تعويض انحدارها الاقتصادي من خلال العدوان والحرب العالمية. ثانياً، أنهم يدركون تمام الإدراك أن هناك مشاعر كامنة هائلة معادية للإمبريالية بين الجماهير الهندية ومخاوف من أنها قد تحفز- إذا دخلت النقاش العام- الطبقة العاملة والكادحين المضطهدين لكسب مساحات أكبر تهددهم وتجعلهم مضطرين لمواجهة حقيقة تحوّل الهند إلى مطيّة رأسمالية تعيث فيها الإمبريالية الأمريكية فساداً.
لكن بأي حال، وفي ظل هذه النتائج، سيكون هذا التحالف في حالة أضعف من السابق، وهو ما يعني أن قبضة مودي سترتخي كثيراً، وسيضطرّ إلى تقديم تنازلات كبيرة لحلفائه، وللشارع الهندي بشكل عام، لضمان عدم التعرض لانتكاسات مستقبلية تتعلق بانفراط عقد تحالفه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1178