الملك البريطاني وارتباطه بالمخابرات وبائعي الأسلحة
فيليبا جين وينكلر فيليبا جين وينكلر

الملك البريطاني وارتباطه بالمخابرات وبائعي الأسلحة

انتشرت في الآونة الأخيرة صورة للملك تشارلز على خلفيّة صورة تحوي خريطة حمراء اللون للشرق الأوسط. قال تابيش خان، الناقد الفني في لندن، إنّ الخلفية الحمراء الصارخة «تشير تقريباً إلى نوع من المذبحة التي كان جزءاً منها… بالنظر إلى تاريخ العائلة المالكة وعلاقاتها بالاستعمار والإمبريالية، ليس من الصعب على الناس أن ينظروا إليها ثم يستنتجوا بأنّها مرتبطة بطريقة أو بأخرى بذلك».

ترجمة: قاسيون

بريطانيا دولة «ديمقراطية برلمانية»، أي من المفترض أن يظلّ الملوك محايدين وأن ينسحبوا من الشؤون السياسية. لكن هل يلعب أفراد العائلة المالكة دوراً نشطًا أكثر من مجرد دور احتفالي؟ الملك تشارلز قريب من وكالات الاستخبارات المحلية والدولية في بريطانيا- أجهزة الأمن MI5، وجهاز المخابرات السرية MI6، ووكالة الاستخبارات الإلكترونية GCHQ. يتضح مدى هذا القرب من خلال البيان المشترك الصادر عن الوكالات الثلاث والذي ظهر في السيرة الذاتية المعتمدة: «تشارلز، قلب الملك» بقلم كاثرين ماير منذ عام 2015.
جاء في البيان: «إن مشاركة صاحب السمو الملكي مع أجهزة المخابرات تحظى بتقدير كبير من قبل أعضاء الوكالات الثلاث ونرحب بها ترحيباً حاراً». يعمل جهاز المخابرات السرية MI6 والوكالات الأمنية الأخرى خلف أبواب مغلقة، لذلك لا نعرف المدى الكامل لـ«مشاركة» تشارلز. ما نعرفه من رئيس سابق لجهاز MI6 هو أنّ ضباط الاستخبارات «يعتمدون على العلاقات الإنسانية لتزويد الحكومة بمعلومات سرية، وتحقيق أشياء كان من المستحيل تحقيقها لولا ذلك».
يتمتّع تشارلز بوضع فريد يسمح له بالاعتماد على علاقات شخصية طويلة الأمد مع أقرانه، النبلاء والملوك غير المنتخبين في العالم. كتبت كاثرين ماير بطريقة مبهمة: «إنّ مهمات تشارلز الخارجية ونشر القوة الناعمة الملكية لا تهدف إلى تعزيز المصالح البريطانية والحفاظ على الكومنولث فقط، بل إلى الوصول إلى حيث لا تجرؤ الحكومات أيضاً».
إن ثقافة السرية تكتنف أفراد العائلة المالكة وهم يصلون حيث لا يمكن للحكومات ذلك. يُعفي قانون حرية المعلومات الاتصالات بين كبار أفراد العائلة المالكة والهيئات العامة من التدقيق العام، إذا اعتبرت أنها غير مرتبطة بالمصلحة العامة. لكن ما الذي يفعله تشارلز ولا يريدك أن تعرفه؟

أوسكار أفضل جاسوس!

ليس من المعروف على نطاق واسع أن تشارلز أصبح، بناءً على طلبه، أول راعي ملكي لأجهزة المخابرات. في عام 2012، أطلق جوائز «مجتمع أمير ويلز للاستخبارات»، في شقق سانت جيمس بالاس الحكومية. يشكر الحفل عملاء MI5 على إحباط الهجمات والأنشطة الإرهابية، مثل تفكيك عصابات الجريمة والكشف عن عمليات مكافحة التجسس. الأمر الذي يصبح غامضاً بشكل خاص هو وصول تشارلز إلى المعرفة حول العمليات الجيوسياسية رفيعة المستوى. وفقاً لصحيفة ديلي إكسبريس، فإن حفل توزيع «جوائز الأوسكار للجاسوس» هو المكان الذي يتم فيه تكريم ضباط MI6 أيضاً، حيث أشاد الملك بهم على العمليات الدولية مثل تلك التي تتم في روسيا والصين وإيران.
ما نعرفه هو أن أجهزة الاستخبارات تنفذ عمليات في الخارج يمكن أن تنتهك القانون، إذا سمح لها وزير الخارجية بذلك. المادة 7 من قانون أجهزة الاستخبارات لعام 1994 صريحة: «يكون الشخص مسؤولاً في المملكة المتحدة عن أي فعل يتم القيام به خارج الجزر البريطانية، ولا يكون مسؤولاً إذا كان الفعل مرخصاً بالقيام به بموجب تفويض صادر عن وزير الخارجية بموجب هذا القسم». هذا يعني أن العملاء السرّيين لا يخضعون للمساءلة بموجب القانون البريطاني عن الأفعال التي يمكن أن تتراوح من الرشوة إلى القتل أو الاختطاف أو التعذيب- طالما أن أفعالهم قد تم التصريح بها كتابياً من قبل وزير الخارجية.
وفقاً لتقرير ديلي إكسبريس حول حفل «توزيع جوائز الأوسكار للجواسيس»، فإنّ «الأمير ويليام قام بخبرة عملية جنباً إلى جنب مع الجواسيس في MI5 وMI6 وفي مركز الاتصالات GCHQ»، وهي منظمات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة.

سمسار الأسلحة

ومن المجالات الأخرى التي تحيط بها السرية عمل تشارلز نيابة عن وزارة الخارجية وعن صناعة السلاح في المملكة المتحدة. تعمل مبيعات الأسلحة على تعزيز التحالفات العسكرية، وبالتالي فهي بمثابة موصل رئيسي للشؤون الخارجية. لقد أصبح من المعتاد بالنسبة للعائلة المالكة تعزيز مبيعات الأسلحة البريطانية في الزيارات الرسمية إلى الخارج.
وفقاً للموقع الاستقصائي declassifieduk في 2021، عقد تشارلز 95 اجتماعاً مع ثماني ممالك قمعية في الشرق الأوسط. ولعبت هذه الزيارات «دوراً رئيسياً في شراء أسلحة بريطانية بقيمة 14.5 مليار باوند». لدى المملكة المتحدة قوانين ضد تسليح الدول القمعية. ويجب رفض الترخيص إذا كان هناك «خطر واضح» من إمكانية استخدام المعدات العسكرية في انتهاك للقانون الدولي، مثل القمع الداخلي أو ضد المدنيين الأبرياء في حروب خارجية.
وتمتد أنشطة تشارلز إلى شمال إفريقيا، إلى الغرب التي تحتل الصحراء الغربية كمثال، حيث تعرض المئات من النشطاء الصحراويين المؤيدين للاستقلال للتعذيب والقتل. وفي عام 2011، أظهر تشارلز وكاميلا الدعم البريطاني لملك المغرب محمد السادس من خلال زيارته.
مهما كانت تعاملات تشارلز مع الزعماء الأجانب فهي حساسة للغاية بحيث لا يمكن الكشف عنها، كما تقول كاتبة سيرته الذاتية المعتمدة كاثرين ماير: «المحادثات التي يجريها، على سبيل المثال، خلال رحلاته إلى الشرق الأوسط... يمكن أن تتعرض للخطر إذا تم إجراؤها على مرأى ومسمع من العالم». ذكرت ماير بشكل قاطع أنّ تشارلز ينتمي إلى «فريق المملكة المتحدة». إنه «أحد الأصول الفعّالة لوزارة الخارجية ومجتمع الاستخبارات البريطاني في بعض المناطق الرئيسية، فهو قادر على نقل وجهة النظر البريطانية إلى اللاعبين الرئيسيين وجمع المعلومات التي قد لا يتم الكشف عنها بسهولة لوزير دولة أو دبلوماسي».
كان نورمان بيكر وزيراً في حكومة ديفيد كاميرون الائتلافية وعضواً في مجلس الملكة الخاص، وهو الهيئة الرسمية للمستشارين لسيادة المملكة المتحدة. انشق عن صفوفه لإدانة «هوس تشارلز بمقابلة أصحاب السلطة غير المنتخبين من الأنظمة المراوغة في كثير من الأحيان والتي تظهر ازدراء الديمقراطية وحقوق الإنسان هو أمر محرج ووصمة عار على جبين هذا البلد». لكن يمكنك الحكم على الرجل من خلال الشركة التي يحتفظ بها «وقد خلص بيكر في كتابه الذي نشره العام الماضي إلى النتيجة الآتية عمّا يجب أن نعرفه عن العائلة الملكية البريطانية: «في حين أنّ جميع الملَكيات الأوروبية الأخرى قد انتقلت إلى الأمام، وتقلص حجمها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الترتيبات الدستورية الديمقراطية، فإنّ الملكية البريطانية لا تزال ترى نفسها، وتتصرف، باعتبارها ملكية إمبراطورية. لقد حان الوقت ليدرك تشارلز وبقية أفراد العائلة المالكة أن هذا هو عام 2023 وليس 1823».
من الواضح أن الملك يلعب دوراً رئيسياً نيابة عن الطبقة الحاكمة في المملكة المتحدة والإمبراطورية الغربية. اللقاءات الملكية مع رؤساء الدول يجب أن تكون مهذبة وخالية من كل مضمون سياسي. أفراد العائلة المالكة ليسوا سفراء. من المفترض أن يلعب الملك دوراً احتفالياً فقط مع كبار الشخصيات الأجنبية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1178