الصين والعالم العربي يمضيان نحو المصير المشترك
دينغلونغ دينغلونغ

الصين والعالم العربي يمضيان نحو المصير المشترك

يصادف هذا العام الذكرى العشرين للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي. في كانون الثاني عام 2004، أعلنت الصين والجامعة العربية بشكل مشترك إنشاء منتدى التعاون بين الصين والدول العربية. في كانون الثاني 2022، وبناء على التأسيس السابق لمنتدى التعاون الصيني العربي، عُقدت القمة الأولى بين الصين والدول العربية في الرياض، عاصمة السعودية. وأصدرت القمة «إعلان الرياض للقمة الصينية-العربية الأولى»، الذي أعلن أن الصين والدول العربية اتفقت بالإجماع على بذل كل جهد لبناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي في العصر الجديد.

ترجمة: قاسيون

كانت هذه السنوات فترة نمو سريع في التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي، خاصة في استثمار الدول العربية مثل السعودية والإمارات في الصين. ووفقاً للإحصاءات، بلغت استثمارات الدول العربية في الصين 110 ملايين دولار أمريكي فقط في عام 2021، وزادت بمقدار 1.05 مليار دولار أمريكي في عام 2022، أي بزيادة سنوية تقارب 10 أضعاف. وفي عام 2023، تمت إضافة 2.3 مليار دولار إضافية، أي أكثر من الضعف على أساس سنوي. لم يستغرق الأمر سوى ثلاث سنوات حتى تنمو استثمارات الدول العربية في الصين من لا شيء إلى ما يشبه استثمارات الصين في الدول العربية.
ومع التزايد السريع في حجم استثمارات العالم العربي في الصين، فإن اتجاه استثمار الصين في الدول العربية يتزايد بسرعة أيضاً. فيما يتعلق بالطاقة التقليدية، استثمرت أرامكو السعودية في أسهم العديد من الشركات في الصين منذ عام 2023. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت الشركة السعودية للصناعات الأساسية، أكبر شركة للبتروكيماويات في الشرق الأوسط، أنها أكملت استثماراً بقيمة 44.8 مليار يوان «6.4 مليار دولار» في مشروع مشترك صيني. في الواقع، اعتباراً من نهاية الربع الأول من عام 2024، كان لدى جهاز أبوظبي للاستثمار حصص كبيرة في 27 شركة من فئة A، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 11.289 مليار يوان. بزيادة قدرها أكثر من مليار يوان عن نهاية عام 2023.
تجارة الطاقة هي ثقل العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية العربية. فالصين هي أكبر مستورد للطاقة الأحفورية في العالم، والجزيرة العربية هي أكبر منطقة منتجة للنفط والغاز في العالم. تمثّل احتياطيات النفط والغاز المؤكدة في الشرق الأوسط 55% و42% من الإجمالي العالمي على التوالي.
لسنوات عديدة، كانت واردات الصين من النفط من الدول العربية تمثل ما يقرب من نصف إجمالي وارداتها من النفط وأكثر من 20% من إجمالي صادرات النفط في الشرق الأوسط. تعد قطر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تمثّل الصادرات 20٪ من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية. وتعد الصين أيضاً أكبر سوق لصادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع التعاون بين الجانبين في مجال الطاقة الجديدة وتشجيع الدول العربية للتحول إلى الطاقة الجديدة، أصبحت موارد طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الوفيرة في العالم العربي «نفط» عصرها القادم. تنظر الدول العربية عموماً إلى توليد الطاقة الكهروضوئية باعتباره ركيزة مهمة لتطوير الطاقة المتجددة. في عام 2022، بلغ توليد الطاقة الكهروضوئية في الدول العربية 30.8 تيراواط/ساعة، وهو ما يمثل 70.5% من إجمالي توليد الطاقة من المصادر المتجددة «باستثناء الطاقة الكهرومائية».
بالإضافة إلى الخلايا الكهروضوئية، تولي دول شمال إفريقيا العربية مثل مصر والمغرب أيضاً أهميّة كبيرة لاستخدام موارد الرياح. في عام 2022، وصل توليد طاقة الرياح في مصر والمغرب إلى 5.1 تيراواط/ساعة و5.4 تيراواط/ساعة على التوالي، وهو ما يمثل 83.9% من إجمالي توليد طاقة الرياح في الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك، تدرس دول عربية مثل الإمارات والسعودية أيضاً إطلاق خطط لتطوير الطاقة النووية.
في الواقع إنّ محطات الطاقة الكهروضوئية في العديد من الدول العربية مثل الإمارات وعمان ومصر تبنيها الصين. على سبيل المثال، محطة الشعيبة الكهروضوئية، وهي أكبر مشروع لمحطة الطاقة الكهروضوئية في العالم قيد الإنشاء حالياً في الصحراء على بعد 80 كيلومتراً من مدينة جدة السعودية. من المقدر أن يصل إجمالي توليد الطاقة إلى حوالي 282.2 مليار كيلواط ساعي خلال 35 عاماً.
إنّ أبرز المزايا النسبية لدول الخليج العربية هي اثنتين: وفرة رأس المال واستراتيجية «الأمة القائمة على الاستثمار». تمتلك دول الخليج صناديق ثروة سيادية ضخمة. خذ صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي «مبادلة» مثالاً. تدير حوالي 276 مليار دولار من الأصول. وفي عام 2023، احتل المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشرة صناديق ثروة سيادية في العالم باستثمارات بلغت 17.5 مليار دولار.
في 23 نيسان، ظهرت أول منصة دولية لتداول السلع الأساسية في العالم تستخدم الرنمينبي كعملة تسوية لأول مرة في أبوظبي. وفي نهاية شهر كانون الثاني، تمّ استخدام الرنمينبي الرقمي في عملية سداد عابرة للحدود في الإمارات لأول مرة. الإمارات العربية المتحدة هي أول دولة في الشرق الأوسط تتوصل معها الصين إلى اتفاقية ثنائية لتبادل العملات بمبلغ إجمالي قدره 35 مليار يوان صيني أو 20 مليار درهم إماراتي. يعد ميناء دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة أحد المراكز التجارية في منطقة الشرق الأوسط، ويعمل بشكل رئيسي في تجارة إعادة التصدير. كما تعد الإمارات أكبر سوق لصادرات الصين في الشرق الأوسط وثاني أكبر شريك تجاري لها. وتتم إعادة تصدير العديد من المنتجات الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا عبر دبي. لذلك، تعد الإمارات أفضل أرض تدريب لاختبار تدويل الرنمينبي وتعزيز المدفوعات الدولية به.
لا تستطيع دول الشرق الأوسط الاختيار بين الصين والولايات المتحدة، لذا فهي تراهن على الجانبين لتنويع مصالحها. تنظر الولايات المتحدة الآن إلى الشرق الأوسط باعتباره الخط الأمامي للمنافسة الصينية الأمريكية والنفوذ الصيني الأمريكي، وترى في النفوذ الصيني تهديداً. وقد دفع ذلك الولايات المتحدة إلى تقويض هذا التعاون الأمني ​​من جهة، والضغط على الدول العربية للتخلي عن التعاون مع الصين من جهة أخرى. على سبيل المثال، حاولت استخدام اتفاقية تصدير طائرات F-35 لإجبار الإمارات على التخلي عن استخدام معدات هواوي وإجراء مراجعة للاستثمارات ومراجعة للأمن القومي بشأن الاستثمارات ذات الصلة. لا يمكن للدول العربية أن تتخلص تماماً من العوامل السلبية الناجمة عن مثل هذه المراجعة.
إنّ الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، تمر بعملية تحول وطني تاريخي. منذ اقتراح خطة «رؤية 2030» في عام 2016، نفذت السعودية إصلاحات جذرية وقامت بابتكارات شاملة في جميع جوانب الاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة وما إلى ذلك. والآن تركز السعودية على التحول الاقتصادي المحلي والتنمية وتعزز تحسين العلاقات مع دول الجوار. وهنا يأتي دور الصين، فالهدف الاستراتيجي للصين في الشرق الأوسط ليس ملء ما يسمى «الفراغ الجيوسياسي». تعتقد الصين أنه لا يوجد ما يسمى «الفراغ» في الشرق الأوسط. إن الشرق الأوسط ملك لشعوب الشرق الأوسط، وينبغي لدول الشرق الأوسط أن تقرر شؤون الشرق الأوسط بشكل مستقل. ولذلك فإن مناقشة الصين لدبلوماسية الشرق الأوسط تختلف بشكل واضح عن مناقشة الأمريكيين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177
آخر تعديل على الأحد, 02 حزيران/يونيو 2024 19:43