متاريس الصهيونية في الغرب وليس في «إسرائيل»
ديفيد هيرست وكريغ موراي ديفيد هيرست وكريغ موراي

متاريس الصهيونية في الغرب وليس في «إسرائيل»

يعيش الرئيس الأمريكي والكونغرس الأمريكي ووزير الخارجية البريطاني في عالم موازٍ. في عالمهم، كان من الممكن أن تتوصل حماس إلى وقف لإطلاق النار غداً لو أنها سلمت الأسرى. وفي عالمهم، الضغط المستمر على حماس هو وحده الذي سيجبرهم على إطلاق سراح الأسرى، وبالتالي يجب توفير الأسلحة «لإسرائيل» للقيام بذلك. وفي عالمهم، لا تزال القوات «الإسرائيلية» تشن «عمليات دقيقة» شرق رفح، وبالتالي لا تتجاوز الخط الأحمر الذي وضعه بايدن بشأن استخدام القنابل الثقيلة التي زودتها بها الولايات المتحدة.

ترجمة: قاسيون

ربّما يكون السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام شخصاً غريب الأطوار، إلا أنه من الممكن أن يكون المتحدث الأكثر بلاغة عنهم. قال جراهام إنه مثلما أنهت الولايات المتحدة «عن حق» الحرب العالمية الثانية بإسقاط قنابل نووية على هيروشيما وناغازاكي، فإنه ينبغي إعطاء «إسرائيل» القنابل التي تحتاجها لإنهاء هذه الحرب. بإسقاط واحد من 200 رأس نووي على غزة!
لكن في العالم الحقيقي، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية، والذي وقعت عليه حماس ورعاه مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز. وقد ردّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين على هذا الاتفاق بأكبر هجوم على جميع أنحاء غزة منذ بدء الحرب وقطع جميع المساعدات باستثناء كميات رمزية.
في العالم الحقيقي، تقوم القوات «الإسرائيلية» بقصف شرق رفح ووسط وشمال قطاع غزة. وقد تمّ إغلاق معبر رفح، نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات، بشكل كامل، ولا يُسمح إلا بدخول جزء صغير من الاحتياجات اليومية المطلوبة، عبر معابر أخرى «6 شاحنات بينما المطلوب 500 شاحنة يومياً، و157 ألف لتر وقود بينما المطلوب 300 ألف ليتر يومياً».

لا يوجد مكان آمن

في العالم الحقيقي، قد يكون نصف سكان غزة على وشك الالتقاء في وسط غزة الذي لا يوجد فيه طعام أو مياه عذبة للتعامل مع هذا التدفق من اللاجئين. لا يوجد مكان آمن للفرار إليه. وتحرص «إسرائيل» على استمرار ذلك من خلال قصف الملاجئ .
لقد كشف نتنياهو عن خدعة بايدن. ليس الأمر كما لو أنه يتصرف بغض النظر عن التكاليف البشرية. بالنسبة إليه، التكلفة البشرية هي هدف حرب. مؤسسة الدفاع «الإسرائيلية»، وأغلبية واضحة من «الإسرائيليين» أنفسهم يريدون أن تكون التكلفة البشرية أعلى ممّا يمكن. ثمانية أشهر من هذه المذبحة لم تروِ عطشهم للانتقام.
إذاً ما هو رد فعل بايدن على ما يحدث؟ قدّم إجابتين: الهجوم على رفح لا يحدث، وبالتالي لم يتم تجاوز أي خطوط حمراء. اللوم في هذا الهجوم، إذا كان موجوداً بالفعل، يقع على عاتق حماس نفسها. وهزّ السفير الأمريكي لدى «إسرائيل»، جاك لوي، كتفيه قائلاً: «إنها مجرد شحنة واحدة تأخرت، ولم تتجاوز «إسرائيل» الخط الأحمر في رفح».
وكان كاميرون أسوأ من بايدن، إذا كان ذلك ممكناً. في سلسلة من المقابلات، قال إن قطع الأسلحة عن «إسرائيل» من شأنه أن يقوي حماس. رفض إعادة التمويل البريطاني للأونروا، على الرغم من أن المراجعة المستقلة التي أجرتها الأمم المتحدة برئاسة وزير خارجية فرنسي سابق لم تجد أي دليل يدعم مزاعم «إسرائيل» بأن موظفي الأونروا كانوا أعضاء في جماعات إرهابية. وسخر اللورد كاميرون قائلًا: «نحن أكثر تطلباً من ذلك».
ومثلها كمثل «إسرائيل»، تريد بريطانيا أن تنتهي هذه الحرب فقط عندما يتم تدمير حماس. وبما أن هدف هذه الحرب لا يمكن تحقيقه، فإن بريطانيا تدعم في الواقع إعادة الاحتلال الدائم لغزة. ومثل «إسرائيل»، فإنّ بريطانيا عازمة على تدمير الأونروا ومعها الحماية القانونية الدولية الوحيدة التي يتمتع بها اللاجئون الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم. ولكن هذا لا يعني أن حملة رفح لم تكن لها عواقب إقليمية.

يسببون الإحراج

بتراجعه عن خطة وقف إطلاق النار التي وقعتها حماس، يتجاهل بايدن حقيقة غير مريحة. لم يكن ذلك اقتراحاً مضاداً من حماس، كما قال أحد المسؤولين الأمريكيين، بل وثيقة صاغتها مصر. أثار رفضها كخطة سلام الغضب والإذلال بكميات متساوية في القاهرة.
لم تحسّن التسريبات «الإسرائيلية» لوسائل الإعلام المزاج المظلم في القاهرة. وفي الليلة التي احتل فيها الجيش «الإسرائيلي» الجانب الفلسطيني من معبر رفح، نقلت وسائل إعلام «إسرائيلية» عن مصدر لم يذكر اسمه قوله إن «إسرائيل» أبلغت مصر أن هذا توغل محدود، وسينتهي بحلول الصباح. بزغ فجر اليوم وكان العلم الإسرائيلي الكبير المنصوب على الجانب الفلسطيني من رفح لا يزال يرفرف في وجوه المصريين.
إنّ استعداد الولايات المتحدة لاستخدام العنف المتطرف ضد الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات هو دليل آخر على التخلي ذاته عن ادعاء الديمقراطية عندما يتعلق الأمر «بإسرائيل». كما أنه يوضح ما أصبح يمثل انقساماً خطيراً في الرأي العام الغربي، حيث يوجد دافع قوي للشباب لمعارضة الإبادة الجماعية ضدّ النخب.
ويتبع ذلك تشريعات أكثر جنوناً مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، تسعى إلى تصنيف التعبير المناهض للإبادة الجماعية والمؤيد للفلسطينيين في الجامعات على أنه معادٍ للسامية وبالتالي غير قانوني. وفي نواحٍ عديدة، يجسّد هذا رد فعل الطبقة الحاكمة في جميع أنحاء الغرب. رد فعلهم على أن يتم كشفهم فجأة كخدم مأجورين للصهيونية التي لم تعد تحظى بدعم شعبي وتتسبب الآن في اشمئزاز عام.

حزب ستارمر للإبادة الجماعية

لقد أصبح حزب العمال البريطاني أكثر جنوناً. يعدّ حزب كير ستارمر للإبادة الجماعية مثالًا بارزاً على نجاح اللوبي الصهيوني في شراء كلا جانبي الممر والسيطرة على مستودع «الاختيار» الديمقراطي في الغرب. حتّى يومنا هذا، تستمر وسائل الإعلام الغربية في نشر الدعاية «الإسرائيلية» تحت وطأة الضغوط الرئيسية. الغارديان، على الرغم من آلاف وآلاف القتلى من النساء والأطفال الذين رأيناهم على هواتفنا المحمولة خلال الأشهر السبعة الماضية، تواصل التظاهر بأن هجوم الإبادة الجماعية يستهدف «مسلحي حماس».
ولا يزال قصف المدنيين في الخيام يوصف بـ«الاشتباكات». لم تعد هذه الدعاية صالحة في الواقع، على الرغم من أنها قد تعزز معنويات الصهاينة المتشددين. وقد شهد الجميع من خلال ذلك منذ أشهر. ومع ذلك ما زالوا مستمرين.
أصبحت نهاية اللعبة واضحة للغاية. وتعمل الولايات المتحدة على استكمال بناء مينائها العائم في غزة، كما سيطرت «إسرائيل» على معبر رفح إلى مصر، الأمر الذي يمنح الولايات المتحدة و«إسرائيل» السيطرة الكاملة على نقاط الدخول إلى غزة. وأعلنت «إسرائيل» تسليم معبر رفح لقوة من المرتزقة الأمريكيين. يمكن للولايات المتحدة بعد ذلك أن تقول إنها تمتثل لتعهد بايدن بعدم نشر القوات الأمريكية على الأرض في غزة، بينما تسيطر فعلياً على غزة.
وتظل المرحلة النهائية بالنسبة إليهم هي «معالجة» ما تبقى من السكان الفلسطينيين ودفعهم إلى خارج غزة عبر النقاط التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في معبر رفح والميناء العائم، وذلك في المقام الأول في مخيمات في صحراء سيناء. إن القوى الغربية تضاعف جهودها في الإبادة الجماعية وفي مشروعها الاستعماري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:11