اليسار الأمريكي الحقيقي يدرك أهميّة مقاومة الهيمنة الأمريكية في الخارج
لفهم الصراع الطبقي في الولايات المتحدة الحديثة وأهميّة أن تصبح السياسة الخارجية ميدان الصراع الجوهري لخلق معركة حقيقة ضدّ رأس المال، يحتاج المرء إلى النظر إلى التحول في طبيعة رأس المال الأمريكي الذي حدث بدءاً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في النصف الأول من تاريخ البلاد، عندما كان الشكل الأساسي للإمبريالية الأمريكية هو سرقة أراضي السكان الأصليين، كان الأساس التأسيسي لثروة وقوة الطبقة الحاكمة الأمريكية هو التراكم البدئي primitive accumulation.
ترجمة: قاسيون
تمثّل الأشكال الأولية للاستعمار- حيث قامت الدول الاستعمارية أو الاستعمارية الاستيطانية بسرقة أراضي وموارد السكان الأصليين- أكبر نطاق جغرافي واقتصادي للعمليات الاستغلالية لرأس المال الأمريكي خلال هذه المرحلة. وكان استعمار الأراضي القبلية هو الذي مكّن الرأسماليين في البلاد ليس فقط من استخراج رأس المال الطبيعي للقارة، بل وأيضاً الحصول على أرض يمكنهم من خلالها استعباد الأفارقة واستغلال العمال. لذلك، إذا كنت مناهضاً للإمبريالية في الولايات المتحدة خلال هذا الوقت، فإن احتلال أراضي الأمم الأولى كان أهم أنواع الإمبريالية التي يجب عليك التركيز عليها.
ثمّ حدث تغيير في طبيعة رأس المال الأمريكي. وهو الأمر الذي جعل الطبقة الحاكمة تستثمر الآن في المقام الأول ليس ضمن المشروع الاستعماري داخل حدود الولايات المتحدة فقط، بل داخل الاحتكارات الدولية. وعندما وصلت الرأسمالية إلى مرحلة الاحتكار، أصبح هناك حافز لحكام البلاد لتوسيع مشروعهم الاستعماري. تحول هذا إلى «الاستعمار الجديد»، حيث تستغل القوى الإمبريالية العالم المستعمر سابقاً من خلال مشاريع الشركات داخل دول الجنوب العالمي «المستقلة». ولضمان قدرة الإمبرياليين على الحفاظ على إمكانية الوصول إلى مصادر الاستخراج هذه، والتي تعتبر بالغة الأهمية خلال مرحلة احتكار رأس المال، كان عليهم التأكد من قدرتهم على شنّ الحرب في أي وقت يحتاجون إليه.
لهذا السبب فإنّ السياسة الخارجية لها أهمية قصوى، فنحن نقوم بمقاومة فعالة ضد حروب الإمبريالية، ويصبح النظام برمته في خطر. يجب أن يكون رأس المال المالي الاحتكاري، ونموذج السياسة الخارجية الذي يعتمد عليه، أهدافنا الأولى في هذه المرحلة من الصراع الطبقي. لأننا إذا تصرفنا وكأنّ المعركة ضد الهيمنة الأمريكية خارج الأراضي الأمريكية أمر ثانوي، فإن دكتاتوريتنا الرأسمالية ستكون قادرة على الاستمرار. لا يمكننا أن نهزم هذه الديكتاتورية إلا من خلال إدراك أين تكمن أهم سماتها الحديثة.
لأن الإمبريالية الأمريكية تمكنت من التقدم إلى هذه المرحلة العالمية، ونقل مصدر رأس المال الرئيسي إلى عالم الشركات والمؤسسات المالية الدولية، لقد أصبح من المناسب الآن لطبقتنا الحاكمة أن تعمل على صنع طبقة من المعارضة الخاضعة للسيطرة «المناهضة للاستعمار». وطالما أن «مناهضة الاستعمار» موجودة في شكل مؤيّد للرأسمالية، أو في شكل يمكن للنخب أن تعطّل من خلاله الحركة المناهضة للإمبريالية، فإنّ مناهضة الاستعمار ليست شيئاً يهدد النظام. إنه شيء آخر يمكن للنظام استخدامه لصالحه. وهذا هو الأمر المهم الذي يتعين على الشيوعيين في الولايات المتحدة اليوم أن يدركوه، إن الحركة المناهضة للاستعمار، وكل الأجزاء الأخرى من نضالنا الداخلي، لا يمكن أن تنجح إلا على أساس المواجهة الجادة لرأس المال الاحتكاري الدولي. نحن نعتنق «مناهضة الاستعمار» التي تعيق أهداف هذا الصراع عالمي النطاق، وينتهي بنا الأمر إلى أن نكون أدوات الإمبريالية التي تدير فيها «المعارضة».
معارضو حروب الناتو هدف للإمبريالية
تُظهر حرب الناتو بالوكالة في أوكرانيا، وأعمال المقاومة المناهضة للحرب الأخيرة التي أثارتها، كيف يمكن لممارسة ثورية تتمحور حول السياسة الخارجية أن تهدد مؤسساتنا الحاكمة بشكل حقيقي. إن المنظمات التي دعمت روسيا ضد الإمبرياليين، والتي بنت تحالفات مع بعضها البعض من أجل مكافحة الناتو إلى أقصى حد، هي المنظمات التي شعرت مراكز القوة بالحاجة إلى مهاجمتها أكثر من غيرها. تمّ التعامل بشكل متزايد مع «حزب الشيوعيين في الولايات المتحدة الأمريكية»، «ومركز الابتكار السياسي»، و«حزب الشعب الاشتراكي الأفريقي»، وشركائهم المنظمين على أنهم تهديدات حقيقية خلال السنوات القليلة الماضية. لقد كلفت راشيل مادو من MSNBC نفسها بمهاجمة مسيراتهم، وبدأ الفيدراليون في توجيه الاتهام إليهم، وبذلت المباحث الفدرالية قصارى جهدها لتدميرهم.
الخوف من جانب الطبقة الحاكمة هو أن هذه المنظمات سوف تكتسب زخماً كافياً لإحداث تعبئة جماهيرية جدية ضد آلة الحرب. واحدة حيث يقوم العمال العاديون مرة أخرى بتعزيز ممارسة التضامن مع منافسي الإمبريالية، مثلما حدث لفترة وجيزة في القرن العشرين قبل أن يسحق الفيدراليون الحركة الشيوعية الأمريكية.
كان ذلك العصر الذهبي للشيوعية الأمريكية، حيث لم يكن قد تم التنازل عن «الحزب الشيوعي الأمريكي». تمكّن الشيوعيون الأمريكيون في حينه من الظهور لأنّ هؤلاء الشيوعيين اتخذوا التوجه الماركسي الصحيح لعصر الاحتكار. لقد تمكنوا من تشخيص حالتهم بدقة، والتي لم تتطلب شعارات مثل «الموت لأمريكا» بل إعلان الوحدة مع الشعب السوفييتي. وبتطبيق توصية ديميتروف بأن الشيوعيين لا يسخرون من المشاعر الوطنية للعمال داخل بلدانهم، نجحوا في بناء حركة بروليتارية جماهيرية. إنّه هدف يمكننا إعادة بنائه وتحقيق النصر فيه، إذا قمنا أيضاً بضرب النخب الحاكمة بشكل يؤلمهم حقاً في هذه اللحظة. إذا استهدفنا خطاباتهم في السياسة الخارجية، ووسائلهم لكبح الصراع الطبقي من خلال تسلل الحركة الليبرالية الراديكالية .
تشكل الليبرالية الراديكالية خطراً على الصراع الطبقي لأنها تتبنى وجهة نظر مثالية حول الشكل الذي يجب أن يبدو عليه الصراع. إنّها تتصرف كما لو أنّ الأداة الأساسية لرأس المال الأمريكي لا تزال هي التراكم البدئي، متجاهلة التفوق الذي اكتسبه الاحتكار الدولي داخل بنية القوة الرأسمالية.
بالتأكيد تحتاج الأمم الأولى إلى التحرر من الأنواع الحديثة من التراكم البدئي الاستعماري. بالتأكيد يجب أن يكونوا قادرين على السيطرة على مواردهم الخاصة، دون الاضطرار إلى مواجهة الشرطة التي تقمعهم بسبب مطالبتهم بحقوق المياه في أراضيهم. لكن لن يحصلوا أبداً على الحرية، ولن تحصل عليها جميع الشعوب الأخرى الخاضعة لرأس المال، طالما يُسمح للاحتكارات الدولية بالعمل مع الإفلات من العقاب. وهذا ما تفعله عناصر «اليسار» التي تضحي بالنضال العالمي، ترك أعظم مصادر قوة رأس المال تذهب دون نزاع.
من الواضح أننا لا نحتاج إلى التخلي عن جميع أجزاء صراعاتنا الداخلية. في الواقع، لا ينبغي لنا أن نتخلى عن أي جزء من هذه النضالات. المهم هو ألا ندع هذا يضعف جهودنا لمكافحة الهيمنة الأمريكية بأي شكل من الأشكال. لا يوجد رفض للحلفاء في القضية المناهضة للحرب لمجرد أنهم لا يصطفون معنا في كل قضية داخلية. لا يجب أن نبتعد عن أي من القوى العالمية التي تحارب الإمبريالية، كما فعل الليبراليون من خلال التنصل من حماس أو كما فعلت بعض الأحزاب «الشيوعية» من خلال التنصل من روسيا. بوسعنا أن نستفيد من نقاط الضعف غير المسبوقة التي يعاني منها النظام، إذا تعاملنا بشكل صحيح مع الظروف التي نواجهها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1174