غزّة أيقظت العملاق الجامعي لينتفض على المؤسسة الحاكمة
كريس هيدجز كريس هيدجز

غزّة أيقظت العملاق الجامعي لينتفض على المؤسسة الحاكمة

مدينة نيويورك: كنت أجلس على سلم النجاة عبر الشارع من جامعة كولومبيا مع ثلاثة من منظمي احتجاج جامعة كولومبيا من أجل غزة. إنه الليل. قامت شرطة نيويورك، المتمركزة داخل وخارج بوابات الحرم، بإغلاق الحرم الجامعي. هناك حواجز تسد الشوارع. لا يُسمح لأي شخص بالدخول إلا إذا كان يعيش في إحدى قاعات السكن. يعني الحصار أن الطلاب لا يستطيعون الذهاب إلى الفصول الدراسية. لا يمكن للطلاب الذهاب إلى المكتبة. لا يمكن للطلاب دخول المعامل. لا يمكن للطلاب زيارة الخدمات الصحية بالجامعة. لا يمكن للطلاب الوصول إلى الاستوديوهات للتدرّب. لا يمكن للطلاب حضور المحاضرات. لا يمكن للطلاب المشي عبر مروج الحرم الجامعي. تراجعت الجامعة، كما حدث خلال الجائحة، إلى عالم الشاشات حيث يتم عزل الطلاب في غرفهم.

ترجمة: أوديت الحسين

جامعة كولومبيا هي جامعة بوتيمكين، وملعب لمديري الشركات. رئيس الجامعة- وهي بارونة بريطانية مصرية بنت حياتها المهنية في مؤسسات مثل بنك إنجلترا، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي- استدعت شرطة مكافحة الشغب، مسلحة بالبنادق، لإخلاء مخيم الكلية قسراً. الطلاب الذين احتلوا قاعة الحرم الجامعي وقاموا بضرب واعتقال أكثر من 100 منهم. تم القبض عليهم بتهمة «التعدي الإجرامي» على الحرم الجامعي الخاص بهم.
يطالب هؤلاء المسؤولون، مثل كل من يدير أنظمة السلطة في الشركات، بالطاعة الكاملة. أيّ معارضة أو حرية تعبير أو فكر نقدي أو غضب أخلاقي، لا مكان له في جامعاتنا التي تلتزم بها الشركات. إنّ جميع الأنظمة الشمولية، بما في ذلك شمولية الشركات، تشوه التعليم وتحوّله إلى تدريب مهني حيث يتم تعليم الطلاب ما يجب أن يفكروا به، وليس كيف يفكرون. لا يتم تقييم سوى المهارات والخبرات التي تتطلبها الدولة المؤسسية. إن اضمحلال العلوم الإنسانية وتحول الجامعات البحثية الكبرى إلى مدارس مهنية تابعة للشركات ووزارة الدفاع مع تركيزها الكبير على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، يوضح هذا التحول. الطلاب الذين يعطلون الجامعة ويجرؤون على التفكير بأنفسهم، يواجهون الضرب والإيقاف والاعتقال والطرد.
إن كبار الموظفين الذين يديرون جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات، ورجال الأعمال الذين يتقاضون رواتب بمئات الآلاف من الدولارات، يشرفون على «المزارع الأكاديمية». إنّهم يعاملون أعضاء هيئة التدريس المساعدين الذين يتقاضون أجوراً زهيدة، والذين غالباً ما يفتقرون إلى التأمين الصحي والمزايا، معاملة الأقنان. إنهم يخدمون بخنوع مصالح الشركات والمانحين الأثرياء. وهم محميون من قبل الأمن الخاص. إنهم يحتقرون الطلاب، الذين يُجبرون على تحمل عبودية الديون المرهقة مقابل تعليمهم، ويتحدون إقطاعياتهم وينددون بتواطئهم مع الإبادة الجماعية.
تتقاضى جامعة كولومبيا من الطلاب ما يقرب من 90 ألف دولار سنوياً للحضور. ولكن لا يُسمح للطلاب بالاعتراض عندما تستخدم أموال الضرائب والرسوم الدراسية لتمويل الإبادة الجماعية، أو عندما تُستخدم مدفوعات الرسوم الدراسية للاعتداء عليهم، جنباً إلى جنب مع أنصار هيئة التدريس، وإرسالهم إلى السجن. إنهم، على حد تعبير جو بايدن، أعضاء في «مجموعات الكراهية». إنّ الاستخدام المفرط للقوة يتم تبريره بكذبة مفادها أن هناك متسللين ومحرضين من الخارج يديرون الاحتجاج. ومع استمرار الاحتجاجات، وسوف تستمر، فإن استخدام القوة هذا سوف يصبح أكثر قسوة.

الكذبة الصهيونية مستمرة

تقول سارة ويكسلر، طالبة الدكتوراه في الفلسفة، وهي تجلس مع طالبين آخرين عند مخرج الحريق: «إن الجامعة مكان لتراكم رأس المال. لدينا أوقاف بمليارات الدولارات مرتبطة «بإسرائيل» وشركات الدفاع. نحن مجبرون على مواجهة حقيقة أن الجامعات ليست ديمقراطية. لديك مجلس أمناء ومستثمرون يتخذون القرارات بالفعل. حتى لو كان لدى الطلاب أصوات تقول إنهم يريدون سحب الاستثمارات وأعضاء هيئة التدريس يريدون سحب الاستثمارات، فنحن في الواقع ليس لدينا أي سلطة لأنهم يستطيعون استدعاء شرطة نيويورك».
هناك إصرار قوي من قبل المؤسسات الحاكمة، بما في ذلك وسائل الإعلام، على تحويل السرد بعيداً عن الإبادة الجماعية في غزة، إلى التهديدات ضد الطلاب اليهود ومعاداة السامية. إن الغضب الذي يشعر به المتظاهرون تجاه الصحفيين، وخاصة في المؤسسات الإخبارية مثل سي إن إن ونيويورك تايمز، شديد ومبرر. تقول ويكسلر: «أنا يهوديّة». بغض النظر عن عدد المرات التي قلت فيها للناس إنني يهوديّة، ما زلت أعتبر معادية للسامية. إنه أمر مثير للغضب.
هؤلاء الطلاب يعرفون ما يخاطرون به. إنهم يعرفون ما يواجهونه. انتظر الناشطون الطلابيون أشهراً قبل إقامة المعسكرات. لقد حاولوا مراراً وتكراراً إسماع أصواتهم ومعالجة مخاوفهم. لكن تم رفضهم وتجاهلهم ومضايقتهم. وفي تشرين الثاني، قدم الطلاب التماساً إلى الجامعة يطالبون فيه بسحب الاستثمارات من الشركات «الإسرائيلية» التي تسهّل الإبادة الجماعية. ولم يكلف أحد نفسه عناء الرد.
يتعرّض المتظاهرون لانتهاكات مستمرة. في 25 نيسان، تم سكب الكحول على رؤوسهم وملابسهم من قبل الصهاينة الذين كانوا يسخرون من الطلاب المسلمين والذين تم تحديدهم على أنهم يدعمون الاحتجاجات. في كانون الثاني، استخدم جنود «إسرائيليون» سابقون يدرسون في جامعة كولومبيا رذاذ الظربان للاعتداء على الطلاب على درجات مكتبة لوي. وقالت الجامعة، التي تعرضت لضغوط شديدة لأنّ المهاجمين معروفون، إنها منعت الجنود السابقين من دخول الحرم الجامعي، لكن طلاباً آخرين أفادوا أنهم رأوهم في الحرم الجامعي مؤخراً.
عندما حاول الطلاب اليهود في المعسكر إعداد وجباتهم في مطبخ الكوشر، تعرضوا للإهانة من قبل الصهاينة الذين كانوا في المبنى. وانضم إلى المتظاهرين الصهاينة في الحرم الجامعي مؤسس منظمة «براود بويز» المتطرفة البيضاء. تم نشر معلوماتهم الشخصية للطلاب على موقع Canary Mission ، ووجدوا وجوههم على جوانب الشاحنات التي تجوب الحرم الجامعي، ونددت بهم ووصفتهم بمعادين للسامية.
تتكرر هذه الهجمات في جامعات أخرى، بما في ذلك جامعة كاليفورنيا، حيث أطلق صهاينة ملثمون الفئران وألقوا الألعاب النارية داخل المخيم وبثوا أصوات بكاء الأطفال ــ وهو ما يفعله الجيش «الإسرائيلي» لاستدراج الفلسطينيين في غزة للخروج لقتلهم. هاجم الغوغاء الصهيونيون المتظاهرين بعنف، باستخدام رذاذ الفلفل ورذاذ الدب، بينما كانت الشرطة وأمن الحرم الجامعي يراقبون بشكل سلبي ورفضوا إجراء اعتقالات.
في حفل الدراسات العامة، تعرّض ما لا يقل عن ثمانية طلاب يرتدون الكوفية لمضايقات جسدية ولفظية من قبل طلاب تم تحديدهم على أنهم جنود سابقون في الجيش «الإسرائيلي». كان العديد من الطلاب الذين تعرضوا للمضايقات من العرب، وتم تمزيق كوفيات بعضهم وإلقاؤها على الأرض. وتم الإمساك بعدد من الطلاب الذين يرتدون الكوفية ودفعهم. تعرض طالب يهودي يرتدي الكوفية للشتم باللغة العبرية ثم لكم في وجهه فيما بعد. تم ركل طالب آخر. وانتهى الحدث بعد أن أنشد عشرات الطلاب النشيد «الإسرائيلي». رغم ذلك، رفضت الجامعة اعتقال أو حتّى توبيخ من عطلوا الحفل، على الرغم من التعرف على الأفراد الذين نفذوا الاعتداءات.
إنّ الحركات الاحتجاجية- التي انتشرت في جميع أنحاء العالم- لا تتمحور حول قضية واحدة هي دولة الفصل العنصري في «إسرائيل» أو الإبادة الجماعية التي تمارسها ضد الفلسطينيين. إنها مبنية على الوعي بأن النظام العالمي القديم، نظام الاستعمار الاستيطاني والإمبريالية الغربية والنزعة العسكرية التي تستخدمها دول الشمال العالمي للسيطرة على الجنوب العالمي، يجب أن ينتهي. لقد أيقظت الإبادة الجماعية العملاق النائم. دعونا نصلي أن ينتصر العملاق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 12:51