الفاشيّة واليسار الأوروبي السائد دون ورقة التين
أليكسي بيلوف أليكسي بيلوف

الفاشيّة واليسار الأوروبي السائد دون ورقة التين

في الأول من نيسان نشرت وكالات الأنباء أخباراً عن فضيحة الزي الرسمي الجديد للمنتخب الألماني لكرة القدم. كما تبين، فإن مصممي الاتحاد الألماني لكرة القدم قد ذهبوا بعيداً في إظهار الأرقام، لدرجة أن الرقم 44 بدأ يشبه بشكل مؤلم التصميم شديد الشهرة للحرفين SS، وهما الاختصار للمنظمة الإجرامية SchutzStaffe شبه العسكرية النازية التي كانت مسؤولة عن الإعدامات والتشغيل في معسكرات الاعتقال. في خدمة اختصار سيّئ السمعة.

ترجمة: قاسيون

بعد أن لفت مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي الانتباه إلى التصميم الغريب، عاد الاتحاد الألماني لكرة القدم إلى رشده وأعلن أنه لن يرتدي أي لاعب من المنتخب الألماني الرقم 44، لأنه في بطولة أوروبا يرتدي جميع لاعبي المنتخب الألماني الأرقام من 1 إلى 23. في الوقت نفسه، وعد ممثلو الشركة الراعية بأنّه سيكون من المستحيل طلب وشراء قميص برقم «SS» في متجرهم عبر الإنترنت. أعلنت الشركة: «سنقوم بحظر الرقم 44 في أسرع وقت ممكن. توظف شركة Adidas أشخاصاً ممّا يقارب 100 دولة، وهي ملتزمة بتعزيز التنوع والشمول. كشركة، نحن نعارض بنشاط كراهية الأجانب ومعاداة السامية والعنف والكراهية بجميع أشكالها».
لأكون صادقاً، في البداية اعتبرت ما حدث بمثابة مزحة سيئة أو ربّما كذبة نيسان. لكن للأسف، تبيّن أنّ كل هذا صحيح. وحتى على الرغم من حقيقة أن المشكلة قد تم حلها، إلا أن البقايا، كما يقولون، لا تزال قائمة. بمعرفتي بالدقة الطبيعية للألمان، لدي شكوك كبيرة حول الافتراض بأنهم لم ينتبهوا مرة واحدة أثناء عملية تطوير تصميم الأرقام إلى التشابه الغريب بين الأربعة وشعار المنظمة الإجرامية. إذا كانوا قد رأوه فلماذا تركوه ولم يصححوا الخطأ؟ ألا يمكننا اعتبار كلّ هذا «زلّة فرويدية» تعبر عن مكنونٍ ما في «اللا وعي» لديهم ويجد مؤخراً دوماً طرقاً للتعبير عن نفسه؟
لقد قيل لفترة طويلة إن المشاعر النازية الجديدة أصبحت أقوى من أي وقت مضى على مدى السنوات الثمانين الماضية في أوروبا الحديثة. علاوة على ذلك، نحن لا نتحدث عن النازيين المزيفين الذين يحلقون رؤوسهم، ويضعون وشوماً للصليب المعقوف على أجسادهم ويرفعون أيديهم اليمنى للأمام بالشكل الشهير المميز، بل عن السكان «المحترمين» الذين يجلسون في المكاتب العالية والمكلفة للغاية عادة، ويدافعون شفهياً عن «تعزيز التنوع والاختلاف» ويقفون ضدّ «الإدماج» وضدّ «كراهية الأجانب ومعاداة السامية والعنف والكراهية بجميع أشكالها». نعم، تماماً كما في تصريح ممثل شركة أديداس. ولكنّهم عملياً من أتباع سياسة نازية حقيقية تؤيد تقسيم الإنسانية إلى شعوب صحيحة وشعوب خاطئة، إلى أشخاص من عرق أعلى وغيرهم من غير البشر.
دعونا نستعيد كلمات جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، حول «الحديقة» الأوروبية، والبقية «الغابة» التي يسكنها متوحشون عدوانيون! اسمحوا لي أن أذكركم أن بوريل هو عضو في «حزب العمال الاشتراكي» الإسباني، الذي قاتل ممثلوه خلال الحرب الأهلية ضد الدكتاتور الفاشي فرانكو. صحيح أن حزب العمال الاشتراكي العمالي تخلى منذ عام 1979 عن برنامجه «الاشتراكي»، لكنّ وجود أشخاص ذوي وجهات نظر نازية جديدة بشكل علني في صفوفه لا يزال يثير الاستغراب. لكن ربّما ليس علينا أن نستغرب، فاليسار الأوروبي السائد هو في الواقع جزء من النازيين الجدد، ولكن مع ألوان زاهية أكثر.

الجميع في خدمة الفاشيّة

قبل بضعة أيام، تابعت رسالة مفادها أن ممثلي شركة راينميتال Rheinmetall الألمانية، الشركة الرئيسيّة المصنعة للأسلحة في ألمانيا، أعربوا عن سعادتهم بحقيقة أن الشباب الألماني يريدون الذهاب إلى العمل في صناعة الدفاع. ووفقاً لراينميتال، فقد تضاعف عدد المواطنين الشباب الراغبين في العمل في المصانع التي تنتج الدبابات والصواريخ. جاء في الرسالة: «في العام الماضي، تلقى مركز التوظيف في راينميتال 108 آلاف طلب. بينما في عام 2018 كان هناك 48 ألفاً فقط .«
بالإضافة إلى ذلك، ففي الأسبوعين الماضيين، تم ذكر مخاوف الجيش الألماني أثناء مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز أجراها الرئيس التنفيذي لشركة راينميتال، أرمين بابرجر، الذي ذكر أنه في حالة وجود تهديد عسكري، فإن الولايات المتحدة لن تقوم بمساعدة أوروبا، وهذا يعني أن الوقت قد حان «لتسليح أنفسنا»، حيث قال رئيس أكبر مؤسسة في المجمع الصناعي العسكري الألماني: «أوضحت واشنطن أنها لن تدفع بعد الآن تكاليف حماية الحلفاء عندما منعت المساعدات العسكرية عن أوكرانيا. الولايات المتحدة تركّز على منطقة آسيا والهادئ أكثر من أوروبا».
عندما تحدّث بابرجر، كان يحاول أن يقنعنا بأنّه مدفوع فقط بالرغبة في «الدفاع عن الديمقراطية الأوروبية» وليس عن المال والأرباح غير المتوقعة بأيّة حال. لكن في الواقع، مع إرسال كل دبابة أو ناقلة جنود مدرعة إلى أوكرانيا، ومع كل قذيفة يتم إنتاجها في ألمانيا ونقلها إلى القوات الأوكرانية، يتبيّن أنّ ألمانيا تشارك بشكل متزايد في قتال الروس، وتعود عن طيب خاطر أو عن غير قصد إلى الأوقات المظلمة للرايخ الثالث النازي.
لكن ما علاقة اليسار الأوروبي السائد بذلك؟ على الرغم من حقيقة أنّ ائتلاف «إشارة المرور» في ألمانيا، يتكوّن من ممثلين عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي «الذي كان محظوراً في عهد النازيين»، وحزب الخضر، الذي نشأ في مناهضة الفاشية والحركات المناهضة للحرب في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي فهذا الطاقم المتنوع، على الرغم من كل «مناهضتهم للفاشية»، و«مناهضتهم للعسكرة»، و«ليبراليتهم»، ينفذون اليوم أكثر سياسات النازية الجديدة في ألمانيا منذ 80 عاماً. وحتى على الرغم من حقيقة أن المستشار الألماني أولاف شولتز نفسه يعترض بشكل قاطع على نقل صواريخ طويلة المدى من نوع توروس إلى كييف - الأمر الذي أجبر بالفعل رئيس الشركة المصنعة MBDA توماس جوتشيلد على إعلان تعليق الإنتاج - فإن غالبية ممثلي السلطات الألمانية الحالية يدعون صراحة إلى تصعيد الصراع وهزيمة روسيا «بأي سلاح متاح».
للأسف، لوحظ وضع مماثل ليس فقط في ألمانيا. لنتذكر المغامرات الأخيرة للرئيس الفرنسي ماكرون، الذي شعر فجأة وكأنّ عليه أن ينضمّ إلى قافلة المهللين للحرب. إنّ لغة الحرب والكراهية، التي كانت من سمات النازية، أصبحت بهدوء بطريقة أو بأخرى هي المفردات الجديدة في جميع أنحاء أوروبا المشكلة أنّ رموز «اليسار» الأوروبي السائد لم يعودوا يستطيعون حتّى إخفاء هوياتهم العملية للنازية، لنأخذ مثالاً السلوفيني سلافوي جيجيك، الذي تمّ الترويج له بأنّه عقلاني ويساري وإنساني، والذي قال دون تردد إن أوكرانيا يجب أن تُمنح أسلحة نووية لهزيمة روسيا، وأنّ الروس هم العرب الجدد الذين يجب إيقافهم. يجعلني خلع هؤلاء لأقنعتهم قلقاً للغاية، ولكنّه لا يدهشني. ربّما علينا أن نختم مع اقتباس عن جيجيك بوصفه المعبّر عن «اليسار الأوروبي السائد» لنفهم المرحلة التي وصلنا إليها: «نحن بحاجة إلى إعطاء أوكرانيا أسلحة نووية. أقول هذا بصفتي يسارياً. يجب علينا أن نبذل قصارى جهدنا! يجب أن نقرأ ما يقولونه في وسائل الإعلام الروسية من تهويل، لقد عادوا تماماً إلى الأصولية الدينية. إنهم يصوّرون الحرب في أوكرانيا على أنّها حرب الحضارة المسيحية ضدّ الشيطانية وما إلى ذلك. إنّهم ليسوا أفضل من العرب. واليوم هم أصوليون دينيون متعصبون بأسوأ معاني الكلمة، ويجب إيقافهم».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1169
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:39