«الربحيّة» ماركسياً هي المفسّر وطريق الخروج من الأزمات
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

«الربحيّة» ماركسياً هي المفسّر وطريق الخروج من الأزمات

هل يمكن للهيمنة الإمبريالية أن تستمرّ من الناحية الموضوعية؟ تحدّث البروفسور ديك لو Dic Lo في مؤتمر «المبادرة الدولية لتعزيز الاقتصاد السياسي IIPPE» في محاضرة بعنوان «الاقتصاد السياسي لـ [الوضع الطبيعي الجديد] في الصين». طرحت المحاضرة السؤال الجوهري الذي تتناقله وسائل الإعلام الغربية، هل تباطؤ الاقتصاد في الصين مؤخراً دائم، وهل هو إشارة إلى الزوال الوشيك لها؟ أثبت لو بأنّ التفسير الكينزي ليس صحيحاً هنا، وأنّ التفسير الماركسي القائم على تراجع ربحيّة رأس المال هو السبب في هذه الظاهرة.

ترجمة: أوديت الحسين

لكن الشيء المهم الآخر الذي أشار إليه «لو هو أنّ ربحيّة القطّاع الصناعي الصيني لا تزال مرتفعة، بينما ربحيّة القطاعات غير المنتجة مثل العقارات وسوق الأسهم هي التي تراجعت. السبب الآخر لتراجع الربحية أنّ حصّة الأجور من القيمة الزائدة قد ارتفعت «على عكس الغرب»، وارتفاع التركيب العضوي لرأس المال وفقاً للنظرية الماركسية.
بالنسبة لي يطرح بحث ديك التناقض الرئيسي في اقتصاد الصين الغريب والهجين. إذا انخفضت ربحية رأس المال، فذلك يقلل من نمو الاستثمار والإنتاجية في القطاع الرأسمالي. من الناحية المنطقية، يعني هذا لمن يريد تجنّب الأزمة حاجة الصين لتوسيع قطّاعها الحكومي لجعل الاقتصاد لا يعتمد بشكل كبير على الربحية، وخاصة في التكنولوجيا والتعليم والإسكان.
في محاضرة أخرى ركّز غيجيغورش كوياتكوفسكي Grzegorz Kwiatkowski وديفيد لوبيك David Luebeck من مدرسة برلين للاقتصاد على درجة تحكّم الدولة الصينية بالشركات داخل الصين. من بين أكبر 100 شركة صينية، هناك 78 شركة مملوكة للدولة. إنّ هيمنة الشركات المملوكة للدولة في الاقتصاد الصيني هي أكثر بكثير من معظم الدول الأخرى، ما يعكس الدول الفريد الذي تلعبه في نظام الاقتصاد الصيني.
لقد قمتُ بنفسي من قبل بالتطرّق لهذا الموضوع في كتابي «الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين»، وذلك باستخدام بيانات صندوق النقد الدولي حول حجم القطاع العام في جميع البلدان. وجدتُ بأنّه في 2017 كانت نسبة الاستثمار العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين أكثر من ثلاثة أضعاف تلك الموجودة في أيّ اقتصاد آخر مماثل، حيث بلغ الوسطي في الاقتصادات الأخرى حوالي 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي. كانت نسبة رأس المال العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين أعلى بنسبة 30٪ من اليابان، وكانت نسبة الأسهم العامة في الصين تعادل ضعف نظيرتها في الهند واليابان، وثلاثة أضعاف نظيرتها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن من ناحية أخرى كان حجم القطاع الخاص يتزايد في الصين، وهو الأمر الذي أرى من وجهة نظري بأنّه سيشكّل خطراً على الاقتصاد الذي تديره الدول في الصين، الأمر الذي ظهر بشكل جلي في أزمة العقارات الأخيرة هناك.
هناك على الأقل ورقتان بحثيتان إضافيتان في المؤتمر تثبتان بأنّ الأزمات الحالية في الاقتصادات الرأسمالية لها صلتها بنظرية الربحية لدى ماركس. كانت الأولى هي تحليل رائد أجراه توماس روتا من مؤسسة جولدسميث في لندن وريشي كومار من جامعة ماساتشوستس، بعنوان «هل كان ماركس على حق؟». قام الباحثان بتحليل ربحية رأس المال في 43 دولة في الفترة ما بين 2000 و2014 باستخدام قاعدة بيانات المُدخلات والمخرجات العالمية للقطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية.
أظهر البحث النسبة المرتفعة من رأس المال الإنتاجي في الصين مقارنة بالدول الأخرى، وعلى العكس من ذلك النسبة العالية من رأس المال غير المنتج في الولايات المتحدة. ظهر من البحث بأنّ معدل الربح العالمي الذي انخفض خلال تلك الفترة يعود في الأساس إلى أنّ التركيبة العضوية لرأس المال قد ارتفعت بشكل أسرع من الارتفاع في معدل القيمة الزائدة، تماماً كما تنبأ قانون ماركس. انخفضت معدلات الربح على المستوى العالمي الإجمالي، سواء بين الدول أو داخل الدولة الواحدة. كما وجد البحث بأنّ الدول الغنيّة لديها معدلات ربح أقل بسبب ارتفاع مخزون رأس المال المرتبط بالنشاط غير المنتج.
البحث الآخر الذي تحدّث عن الربحية هو لكارلوس ألبرتو ودوك غارسيا من المكسيك حول معدلات توزيع الربح في كولومبيا. وجد البحث بأنّ معدلات توزيع الربح بين الصناعات وداخلها في كولومبيا فيها تشتت كبير، وأنّ نحو 15٪ من الشركات لم تحقق معدل ربح أعلى من متوسط تكاليف ديونها. إنّها شركات «أموات أحياء - زومبي» في الحقيقة.

الجدل والدلائل التجريبية

وجد الباحث باساس Passas من اليونان بأنّه وفقاً لآدم سميث، فالعمل الإنتاجي ينتج الربح وينتج فقط سلعاً ملموسة. بالنسبة لماركس الجزء الأول من التعريف – إنتاج الربح – صحيح، في حين أنّ الجزء الثاني خاطئ. ينتقد ماركس صراحة سميث لأنّه خلط تعريف العمل الإنتاجي على أساس القيمة الزائدة مع تعريف يعتمد على السمات المادية للسلعة. الخدم غير منتجين لأنّه لا يتمّ توظيفهم من قبل رأس المال، وليس لأنّهم لا ينتجون أشياء خارجية. القطّاعات غير المنتجة هي التي لا تولّد قيمة جديدة بل تحصل على القيمة والقيمة الزائدة من القطاعات التي تقوم بتوليد القيمة. القطاعات غير المنتجة تشمل التمويل والأعمال العقارية والحكومة. وكما يمكن للمرء أن يتوقّع، في الاقتصادات الرأسمالية الناضجة، ترتفع حصّة القيمة التي تذهب إلى القطاعات غير المنتجة.
على الرغم من الأدلّة المتزايدة على أنّ قانون الربحية الذي وضعه ماركس صالح من الناحية النظرية والتجريبية، ووثيق الصلة بتفسير الأزمات المنتظمة والمتكررة في ظلّ الرأسمالية، إلّا أنّ الكثيرين لا يزالون ينكرون ذلك. في الواقع إنّ أطروحة «ما بعد الكينزية» حول الأزمات المالية لا تزال تسيطر على الكثيرين. إنّ «فرضية الأمولة» هي أنّ سبب الأزمات الرأسمالية الحديثة يكمن في «أمولة» ما كان يُعرف بالرأسمالية الصناعية، وقد أدّى ذلك إلى تزايد عدم المساواة والأزمات الرأسمالية. بينما في الحقيقة فانخفاض الربحية هي المسبب الرئيسي الذي يدفع رأس المال إلى «الأمولة» للحفاظ على الأرباح. المشكلة في «فرضيّة الأمولة» إنّها تتعامل مع الرأسماليين الصناعيين وكأنّهم طبقة منفصلة.
إنّ الادعاء بأنّ معظم الشركات الكبرى متعددة الجنسيات هي شركات مالية ليس صحيحاً. على مدى السنوات الثلاثين الماضية، انخفضت حصة القطاع المالي من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 51.2٪ وانخفضت حصة القطاع المالي من الخدمات بنسبة 65.9٪ في البلدان التي شملتها الدراسة. تقدّم النظرية الماركسية تفسيراً واقعياً لارتفاع أنشطة رأس المال الوهمية خلال الفترة الأخيرة التي اتسمت بضعف الربحية والزيادة في الإفراط في تراكم رأس المال، بينما لا تفعل «فرضية الأمولة» ذلك. تقدّم النظرية الماركسية التفسير من خلال الحفاظ بشكل واقعي على أولوية مجال الإنتاج على التداول، وكذلك فكرة أنّ الفائدة هي جزء من استخراج فائض القيمة. ورغم أنّ التوسع السريع في القطاع المالي الذي لوحظ في بعض البلدان قبل أزمة 2008 يشير إلى أنّ القطاع المالي قد لعب دوراً مهماً في تراجع التصنيع، فهذا الوضع يبدو دورياً عندما يتعلّق بإطار زمني أوسع.
بدلاً من البحث عن أزمات مبنية على الكثير من الديون أو التهور المالي أو عدم الاستقرار المالي، لا يزال قانون ماركس للربحية هو التفسير الأكثر إقناعاً للأزمات. وسواء الصين أو غيرها، عليها أن تضعه في الاعتبار عندما تريد إيجاد الحلول.

بتصرّف عن:
China, profitability and financialisation

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140