تركيّا في عيون شرقيّة!
في مساء يوم 28 أيّار تمّت تسوية «أهم انتخابات في تاريخ تركيا الحديث، حيث فاز أردوغان بإعادة انتخابه للمرّة الثالثة. واجه أردوغان هذه المرة تحديات قاسية وفشل في حسم التصويت منذ الجولة الأولى، وفي النهاية هزم زعيم المعارضة كليجدار أوغلو بفارق يقارب 5٪. لكن اليوم وبعد أن جذبت هذه الانتخابات أقطاب الجيوسياسة العالمية، كيف يمكن لأردوغان أن يتعامل مع المشكلات الداخلية والخارجية وأن يستقر؟ وماذا عن العلاقات المتأرجحة مع الغرب والشرق؟ قام الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية ودير مكتب الأبحاث في السفارة الصينية في تركيا بالإجابة على أهمّ التساؤلات في هذا الخصوص، إليكم أبرز ما قاله.
ترجمة: قاسيون
(س): تسبب التضخم والزلزال بوضع تركيا في مواجهة أزمة اقتصادية وإعادة إعمار ما بعد الزلزال، وهو سيناريو شبيه لما حدث في 2001 حين وصلت حكومة «العدالة والتنمية» إلى السلطة. لماذا لم تتمكن المعارضة من الفوز ضمن هذه الظروف؟
ـ(ج): حاولت المعارضة بقيادة حزب «الشعب الجمهوري» الاستفادة من الفرصة، ولهذا تمكنت المعارضة من تجاوز خلافاتها من أجل الإجماع على الإسقاط. لكن تجاوز أداء أردوغان وحزبه توقعات الكثير من وكالة المراقبة والإعلام. فرغم عدم فوزه من الجولة الأولى، فقد تمكنت الرابطة التي ينتمي إليها حزب العدالة والتنمية من حصد أكثر من نصف مقاعد البرلمان «323». وحتى من بين 11 مقاطعة تضررت بشدة من الزلزال، كان دعم أردوغان في 9 منها قد تجاوز 60٪، ووصلت في أعلاها إلى 80٪.
يعني هذا أنّ الناس آمنوا بقدرة حكومة أردوغان على تصحيح الأوضاع في المناطق المنكوبة. ولكن إذا ما نظرنا إلى الاقتصاد سنجد أجوبة أبلغ. الوضع الاقتصادي في تركيا اليوم خطير بالفعل، لكنّ المعارضة ليس لديها أيّ إجابات على الأسئلة التي يطرحونها على حزب العدالة والتنمية وأردوغان. فإن كانوا في السلطة كيف سيتخطون الصعاب المماثلة؟ هل يمكنهم الخروج بأيّ إجراءات مقنعة للتعامل مع الوضع الاقتصادي الحالي؟ لم تستطع المعارضة الإجابة عن هذه الأسئلة، فليس لديها إجابات.
(س): الرأي العام الغربي كان لديه موقف واضح من الانتخابات، وقد دعم كليجدار أوغلو بشكل صريح. صرّح مستشار السياسة الخارجية لأوغلو بأنّه يأمل أن تصبح تركيا «دولة ديمقراطية»، وبأنّه يريد تذكير روسيا بأنّ «تركيا عضو في الناتو». لو تغيّرت الحقائق ووصلت المعارضة إلى السلطة، هل كانت تركيا ستتحوّل إلى الغرب من جديد؟ هل كان ليكون لدى تركيا فرصة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي؟
(ج): لم تكن هذه التقارير والملاحظات إلّا لعبة انتخابية تهدف لخدمة المعارضة، فكل شيء مباح من أجل الانتخابات. لو تمّ انتخاب أوغلو فكان بالتأكيد سيقوم باتباع الحركات والإشارات الوديّة تجاه أوروبا والولايات المتحدة، ويقول بعض الكلمات اللطيفة. لكن الولايات المتحدة وأوروبا هما في الأساس نفس الشيء، لقد وضعوا دائماً مصالحهم الخاصة فوق مصالح تركيا. تعاملت تركيا مع أوروبا والولايات المتحدة لسنين عديدة، وأثبتت أمثلة لا حصر لها بأنّ الولايات المتحدة ستستمرّ بإلحاق الضرر بتركيا. في هذه الحالة، أعتقد أنّ أيّاً مِن الواصلين إلى السلطة في تركيا سيكون عليه مواجهة استمرار الولايات المتحدة في إثارة القلاقل جنوب تركيا، وتوفير المأوى لفتح الله غولن، ومحاولتها إلحاق الأذى بالاقتصاد التركي.
أمّا عن إمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فيمكن القول بأنّ ذلك شبه مستحيل لعدّة أسباب: أولاً، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتسامح مع ازدهار تركيا كدولة قوية، فانضمام تركيا سيسمح لها بالتمتع بموارد الاتحاد الأوروبي، ما سيساعدها على تنمية قوة الاتحاد، ولكن أيضاً على تنمية قوتها الذاتية. لا يمكن لأوروبا أن تتسامح مع وجود تركيا قويّة، والولايات المتحدة غير مستعدة لرؤية تركيا تصبح قوّة عالمية. الأمر الآخر الأقلّ أهميّة ولكن له وزن، إذا أرادت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فيجب تبعاً لقواعده الحصول على موافقة جميع الدول الأعضاء، ودول مثل اليونان وقبرص ممّن يعدّون «أعداء لدودين» لتركيا، وسيعارضون دخول تركيا دون شك.
على مرّ السنين أدركت حكومة أردوغان بالفعل أن تركيا لا يمكن أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب تسعى إلى تحقيق توازن عملي لدبلوماسية القوى الكبرى ولا تضع كل بيضها في السلة الأوروبية. بالطبع تدرك تركيا أيضاً أنّ بقاءَها وتنميتها لا يمكن أن يُعهد بها إلى الولايات المتحدة، ويجب أن تتمسّك بالاستقلال وتنفذ تعاوناً مفيداً للطرفين مع الدول الكبرى والقوى الرئيسية لتحقيق أهداف تركيا التنموية.
(س): ما هي التحديات التي سيواجهها أردوغان في الحكم القادم في السنوات الخمس المقبلة؟ هل تعتقد أنّ هناك تغييرات في الشؤون الداخلية والخارجية لتركيا في المرحلة المقبلة؟
(ج): من الواضح أنّ إعادة انتخاب أردوغان وحزبه وستعزز مكانته الحاكمة وموقعه في صياغة السياسة التركية. من خلال الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مرة أخرى، عززوا ثقتهم في اتباع السياسات المحلية والخارجية، ومواصلة توجيه تركيا إلى دولة قوية. إذا استمرّ الوضع الاقتصادي المحلي في تركيا بالتدهور، أو إذا لم يتمّ عكسه لفترة من الوقت، فقد يفقد حزب العدالة والتنمية الوضع الحاكم لبعض المدن في الانتخابات المحلية، لكنّ الوضع الحاكم للبلد ككل لن يكون موضع نقاش.
أعتقد أنّه في السنوات الخمس المقبلة، ستواصل تركيا العمل من أجل «الرؤية الإستراتيجية 2053» حيث إنّ هدفهم هو تحويل تركيا لقوة عالمية. يجب أن تخدم الشؤون الداخلية والخارجية هذا الهدف، لذلك ستكون السياسات الداخلية والخارجية لتركيا التي تشكلت في السنوات العشرين الماضية أكثر كمالاً، لكن لن تكون تغييرات كبيرة من الناحية الداخلية أو الخارجية.
(س): من الضروري كي يتمّ تحقيق هذه الرؤية الإستراتيجية أن تتطور تركيا من الناحية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية وغيرها. ما رأيك في واقعية هذا الهدف واتصاله بكون تركيا قوة إقليمية؟
(ج): لا توجد مشكلة في أن تكون تركيا قوة إقليمية، بل إنها في الواقع قوة إقليمية منذ فترة طويلة. لكنّها لا تزال بعيدة عن أن تكون القوة العالمية المقترحة في «الرؤية الإستراتيجية 2053». لكن أرى أن طاقة تركيا وقدراتها قد تجاوزت بالفعل طاقة وقدرة مجرّد قوة إقليمية، وستستمرّ في لعب دور جيّد في الإستراتيجيات العابرة للإقليمية، سواء أكان ذلك مرتبطاً بالسياسة أو الاقتصاد.
(س): ماذا عن العلاقات الصينية التركيّة؟ ما هو تأثير فوز تيّار أردوغان على العلاقات الصينية التركية، خاصة أنّ تركيا تلعب دوراً محورياً كعقد وصل بين آسيا وأوروبا شديدة الأهميّة «للحزام والطريق»؟
(ج): انتصار أردوغان جيّد للعلاقات الصينية التركية. عندما حاولت الولايات المتحدة الضغط على تركيا من أجل «مبادرة الحزام والطريق»، قاومت تركيا ضغوط الولايات المتحدة. ذهب أردوغان إلى الصين لحضور منتدى قمة التعاون الدولي في 2017، كما ألقى كلمة في حفل الافتتاح كدعم سياسي للصين. امتدت العلاقات وتطورت بين البلدين. وصل حجم التجارة بين البلدين في عام 2021 إلى 35.9 مليار دولار أمريكي، أي أعلى بـ30 مرة ممّا كان عليه قبل عشرين عاماً. بغضّ النظر عمّن سيكون المسؤول في تركيا، سيكون عليه أن يكون براغماتياً في التعامل مع القوى العالمية ويبحث عن مصلحة تركيا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1125