الانتخابات التركيّة والتغيير الذي ينتظر الترسخ
ام.كي.بدراكومار ام.كي.بدراكومار

الانتخابات التركيّة والتغيير الذي ينتظر الترسخ

ليس من المستغرب أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يكن لديهما قدرة على الإشادة بأداء رجب أردوغان وحزبه في الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية، فنتائج الجولة الأولى «والثانية على الأرجح» لا تخدم المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. من الواضح أنّ كلّ ما فعلوه قبيل الانتخابات من محاولات إعلامية وغيرها لمساعدة خصوم أردوغان لم تؤتِ ثمارها.

ترجمة: أدويت الحسين

كانت القوى الغربية تأمل في تشكيل حكومة ضعيفة غير مستقرة، واليوم تخشى بدلاً من ذلك أن يترأس أردوغان – الذي يتمتع اليوم بأغلبية كبيرة في البرلمان بعد انتخابات الأحد 14 أيار – حكومة قوية لن يَسهُل عليهم كسر إرادتها. وهكذا بدأت محاولات الوخز بالدبابيس المعتادة، حيث بدأت القوى الغربية بوضع علامات استفهام على شرعية انتصار أردوغان على منافسه كمال كليجيدار أوغلو المدعوم بأكبر شكل ممكن من الغرب. فبمجرّد انتهاء الانتخابات صدر التقرير عن «بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا»، والذي يزعم وجود محاولات تغيير في نتائج الانتخابات التركية.
يتهم التقرير أردوغان بالتمتّع «بميزة غير مبررة» وباللجوء إلى «سوء استخدام الموارد الإدارية». ويتهم لجنة الانتخابات «بانعدام الشفافية والتواصل والاستقلال». وفي هجوم مباشر على أردوغان، يقول التقرير بأنّ «الرئيس لا يخضع صراحة للقيود نفسها التي يخضع لها منافسه في فترة الحملة الانتخابية» وبأنّه استغلّ المنصب بشكل غير مستحق... وطمس الخط الفاصل بين الحزب والدولة، وذلك خلافاً لوثيقة كوبنهاغن 1990 التي تحوي التزاماتٍ محددة متعلقة بالانتخابات. وأضاف التقرير أنّ إدارة الانتخابات وهيئات إنفاذ القانون والمحاكم لم تتمتع بثقة المعارضة في حل المظالم الانتخابية «بنزاهة وفعالية»، ولم تكن سرية التصويت مضمونة دائماً، وكان تصويت الأسرة والجماعة متكرراً، وشارك أشخاص غير مصرّح لهم بالعد ممّا أثار مخاوف بشأن النزاهة. وأنّه تمّ الإبلاغ عن أخطاء إجرائية كبيرة أثناء عمليات فرز الأصوات.
حثّت وزارة الخارجية الأمريكية السلطات التركية على وجه السرعة على إجراء «المرحلة التالية من الانتخابات الرئاسية بما يتماشى مع قوانين البلاد وبطريقة تتفق مع التزاماتها تجاه منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وحليفها في الناتو». وقال النائب الأول للمتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل يوم الاثنين، بأنّ إدارة بايدن «تواصل مراقبة العملية الانتخابية الجارية في البلاد عن كثب» وأشار إلى أنّه «على نطاق واسع نهنئ الشعب التركي على التعبير السلمي عن إرادتهم في صندوق الاقتراع، كما نهنئ البرلمان المنتخب حديثاً». كرر باتيل الموقف الأمريكي المعلن بأنّه «سنواصل العمل مع أيّة حكومة يختارها الشعب التركي لتعميق تعاوننا وتعميق أولوياتنا المشتركة».
لكن وكما هو متوقع، كان عليه أن يترك نافذة يتمّ اللجوء إليها عندما يحين الوقت، فأضاف «عملية الانتخابات لا تزال في طور التكشّف، وكما رأينا فقد أصدرت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أثناء عملها بعض النتائج الأولية... لكنني لن أتوقع شيئاً إضافياً بالاعتماد فقط على هذا المنطلق»، ليوكد بعدها بأنّ هناك مراقبين أمريكيين موجودين بين أعضاء فريق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ربّما كان موقف منسّق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مستوحى من كلمات باتيل، فقد كان واضحاً في بيان صدر في بروكسل بعد يومين من الانتخابات التركية عندما قال: «إننا نلاحظ النتائج والاستنتاجات الأولية للبعثة الدولية لمراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، وندعو السلطات التركية إلى معالجة أوجه القصور التي تمّ تحديدها». وأضاف بوريل: «يعلّق الاتحاد الأوروبي أهميّة قصوى على الحاجة إلى انتخابات شفافة وشاملة وذات مصداقية، ضمن ساحة لعب متكافئة»، وأعلن بأنّه يدعم الانتخابات التي تحقق هذه المعايير فقط، وأشار إلى الإقبال الكبير على التصويت كدليل واضح على التزام الشعب التركي بممارسة حقه الديمقراطي في التصويت.

بين الخارج والداخل

تكمن الأهمية في هذه الملاحظات في أكثر من كونها تصريحات إعلامية غربية نموذجية، ففي التلميح الخفي لكلّ من باتيل وبوريل بأنّ الأشياء لم تنتهِ وأنّهم لم يخسروا بعد، ولا يزال على الجميع مراقبة القرار بشأن فوز أردوغان من عدمه. المثير للاهتمام أنّ وزارة الخارجية التركية قد أشارت إلى كون 489 مراقب انتخابات دولي منتخب قد حضروا انتخابات 14 أيّار في تركيا، وأنّها نقلت عن هؤلاء المبعوثين وعن تقاريرهم بأنّ الانتخابات قد أجريت وفقاً لمعايير الانتخابات الديمقراطية الحرة وفقاً للتعريفات المعتمدة في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا.
من المؤكد أن أردوغان غارقٌ اليوم في الحسابات الغربية التي احتفظ بها ضمن دائرته الرئيسية التي بقيت صامدة ولم يتمكن الغرب من دفعها للتآكل، ليفكر وهو محق بأنّه لا يمكن لكليجيدار أوغلو أن يصل بجاذبيته الانتخابية إلى مستوى أردوغان. من المؤكد أن أردوغان سيفوز في جولة الإعادة. السؤال الكبير يدور حول المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصل على 5.2٪ من الأصوات في الجولة الأولى يوم الأحد 14 أيار، والذي خرج بشكل شخصي من السباق. أين سيذهب أنصاره في جولة الإعادة؟ لا شكّ أنّ ذلك سيؤثر على «توازن القوى» ضمن الحسابات السطحية، وقد يؤدي إلى قلب النتائج بشكل حاسم، أو هكذا يفترض البعض. في الحقيقة قد لا يكون ذلك كافياً، وبعبارة أخرى لن يتمكن أوغان من إيصال ناخبيه بالكامل إلى كليجيدار أوغلو.
من الواضح أنّه إذا تمكّن أردوغان من الاحتفاظ بقاعدة ناخبيه التي تتجاوز 49.5٪ كما هو متوقّع على نطاق واسع، واستمرّ في جذب ربع الأصوات التي حصل عليها أوغان، فسيكون هو المنتصر في جولة الإعادة. الاحتمال الأكبر والرهان الأقوى هو أن يفوز أردوغان في الجولة الثانية.
الحقيقة الأخرى التي يجب ألّا يتمّ إغفالها أنّ حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية مريحة في الانتخابات البرلمانية – رغم كلّ التوقعات الغربية التي سبقت الانتخابات – تخلق أيضاً زخماً جديداً. يظهر نجاح حزب العدالة والتنمية بأنّ الناخب التركي يسعى إلى حكومة مستقرة في أنقرة عندما تصبح البيئة الخارجية خطيرة للغاية على البلاد، وتتطلب الأزمة الاقتصادية من يهتمّ بها. في حين أنّ تحالف «قوس قزح» الذي يتجه إليه كليجيدار أوغلو اعتاد أن يكون لعنة السياسة التركية لعقود عديدة في حقبة ما قبل أردوغان، والوصفة الباقية في ذاكرة الأتراك عن عدم الاستقرار. الأمر الآخر الذي يتناساه المحللون الإعلاميون عادة أنّ موجة الرأي العام التركي لا تزال مناهضة للغرب بشدة.
إذا فاز أردوغان فستكون هذه هي ولايته النهائية، ولكنّها ستكون «ولاية لا ينساها التاريخ»، حيث سيكمل دون شك، ولكن بزخم أكبر، تحويل تركيا إلى مركز إقليمي للطاقة والغذاء والتواصل والنقل والشحن. سيكون هناك بكل تأكيد اختراقٌ كبير في صناعة الطاقة النووية، والصناعة العسكرية، ومشاريع البنى التحتية. وكلّ ذلك بمشاركة الشريك الأكثر قرباً: روسيا.
يمكننا أن نتصوّر بشكل لا يقبل الشك بأنّه في هذا المناخ السياسي شديد الاستقطاب الذي يسود تركيا، قد يكون هناك احتجاجات من قبل المعارضة في حال فوز أردوغان في جولة الإعادة في 28 أيار، ولكن هذا لن يشكل تحدياً خطيراً لأردوغان. فتركيا منيعة اليوم على إشعال ثورة ملونة للإطاحة بأردوغان، وأردوغان على عكس فيكتور يانكوفيتش وشيفرنادزه، سياسي شعبي تمكّن من حشد قاعدة جماهيرية صلبة متوافقة مع روح العصر، وتحظى بدعم القوى الصاعدة.

بتصرّف عن:
Turkiye rallies behind Erdogan

معلومات إضافية

العدد رقم:
1123