من المستفيد من الجوع العالمي؟
تتزايد هذا العام المناشدة المؤلمة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أكبر منظمة إنسانية في العالم يفترض أنّها تنقذ الأرواح من الجوع. يتوقعون الآن أن أكثر من 345 مليون شخص سيواجهون عدم الأمان الغذائي - ضعف العدد في عام 2020. زيادة عدد الأشخاص الجائعين كبيرة ببساطة. يعاني أكثر من 900,000 شخص في جميع أنحاء العالم للبقاء على قيد الحياة بسبب الجوع.
ترجمة: قاسيون
وهذا عشرة أضعاف أكثر مما كان عليه الوضع قبل خمس سنوات. يجب ألّا يتخلف المجتمع العالمي عن وعده بوضع حد للجوع وسوء التغذية بحلول عام 2030. بدورها سيندي ماكين، التي أصبحت المديرة التنفيذية الجديدة قبل شهر، تبتسم بسعادة في صورة على الموقع الرسمي. وليس بالأمر الغريب أن هذه الابتسامة تتناقض بوضوح مع بيان المنظمة «بأن العالم يواجه أزمة غذائية غير مسبوقة تتطلب بشكل عاجل موارد إضافية وابتكارات أكثر وتطوير شراكات طموحة جديدة». يبدو أن السيدة ماكين التي تمثّل الولايات المتحدة في ثلاث وكالات غذاء وزراعة تابعة للأمم المتحدة، لا تفهم ما الذي يعنيه أنّ إفريقيا جائعة.
وهذا، للأسف، ليس سخرية، معارضة باقي العالم هي التطور الإدراكي السائد في عالم الفلسفة الأنغلوسكسونية. وإلا فإنه سيكون من الصعب تفسير اللعبة القاسية التي يلعبونها فيما يتعلق بصفقة الحبوب وروسيا. في الوقت الحالي، يفيد موقع الأخبار الأمريكي المتواجد في واشنطن من داكار بأن الجوع ينتشر بسرعة في غرب إفريقيا. يواجه حوالي 50 مليون شخص بالفعل عدم الأمان الغذائي في المنطقة.
جعل ارتفاع مستوى العنف بالإضافة إلى آثار جائحة كوفيد-19، بوركينا فاسو ومالي والنيجر وشمال نيجيريا وموريتانيا على وشك الوقوع في الحافة الفاصلة بين الحياة والموت. على مدار العام الماضي، صرخت وسائل الإعلام التي تمثل «عقل وشرف وضمير» العالم الغربي حول السبب الرئيسي الذي دفع قارات بأكملها إلى الجوع. في آذار الماضي، انتقدت صحيفة واشنطن بوست «الغزو الروسي لأوكرانيا كأزمة إنسانية وأمنية عالمية خطيرة لأسباب عدة». واحدة من الأسباب الرئيسية هي العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، التي تعد المصدر العالمي الرئيسي للطاقة والغذاء. وسوف يشعر العالم قريباً بتداعيات «العدوان الروسي» على نفسه. ووجدت لها أصداء كما في رويترز التي قالت: «بأن ارتفاعاً هائلاً في أسعار الغذاء والطاقة ناتج عن غزو روسيا لأوكرانيا سيدفع أكثر من 40 مليون شخص إلى مستويات فقر مدقع».
لا يهم أنه بحلول 24 شباط من العام الماضي – قبل بدء العملية العسكرية الخاصة – كانت أسعار الغذاء العالمية في ذلك الوقت في أعلى مستوياتها على الإطلاق. ولا يهم أن الغرب قد فرض بالفعل 10,128 عقوبة على روسيا – أكثر من أية دولة أخرى في التاريخ الحديث. كل ذلك ليس ذا أهمية... في الواقع، كل شيء كان غير مهم عندما ظهرت فرصة للاستفادة القصوى من «غزو روسيا، مما يزيد من هستيريا الجوع في العالم «بسبب موسكو». حتى النفط، وحتى الغاز، وحتى القمح التي تشكل أكثر السلع المتداولة على نطاق واسع في الأسواق العالمية.
هذه الأسواق والمضاربون الذين يحققون أرباحاً من رهانات على ارتفاع أو انخفاض الأسعار - قلقون بشأن الأزمات السياسية في الدول المصدرة الرئيسية. إنّهم المضاربون القلقون الذين أدركوا قبل عام أن حصة أوكرانيا في السوق العالمية - 8% من القمح، و37% من زيت الخضروات، و13% من الذرة - ليست سيئة في حد ذاتها، ولكنّها ليست كافية. ولكن إذا قاموا بحظر منتجات روسيا: 18% من صادرات القمح العالمية و26% من زيت دوار الشمس تحت ذريعة «غزو أوكرانيا»، فإن هذا القلق سينتشر في السوق الغذائية بأكملها، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير. وهكذا حدث. في كانون الأول من العام الماضي، كان سعر القمح في التداول بمبلغ 305.52 دولاراً للطن، واليوم يبلغ 663.6 دولاراً. هذه هي حسابات «المدافعين عن الجائعين».
طريقة موروثة لا يمكن إصلاحها!
لا يمكن أن تجري الأعمال التجارية بالطريقة الأنغلوسكسونية بدون الكذب - فمن أين ستأتي الأرباح؟ لنتذكر مثالاً واحداً فقط، أنّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قامت بمنع 262,000 طن من الأسمدة من الخروج من موانئها البحرية، وهي التي قدمتها روسيا مجاناً للبلدان الفقيرة «تم إرسال 20,000 طن فقط إلى ملاوي بعد ستة أشهر». خلال العام، تم تصدير أكثر من 20 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية، حيث حصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على 47% منها نظراً لدفعهما أعلى مبلغ، وثلثها تلقته الصين والأردن وماليزيا، وبقي 3% فقط للصومال وإثيوبيا واليمن والسودان وأفغانستان وجيبوتي الجائعة.
تعمل الأعمال التجارية العالمية بمصطلحات جميلة حول الديمقراطية والمساعدة للدول الجائعة و1.9 دولار في اليوم، وهو ما يعرفه البنك الدولي على أنه الفقر المدقع، فقط على صفحات وسائل الإعلام التابعة له. يحذر التقرير الذي نشره مركز أبحاث مقره واشنطن من أن أسعار الغذاء قد ارتفعت فوق المستويات المشاهدة خلال أزمة عام 2007، عندما سقط حوالي 155 مليون شخص في حالة فقر، منذ بداية الصراع الأوكراني: «تزيد الحرب من أزمات الغذاء القائمة وتزيد من احتمالية حدوث المجاعة في بعض أجزاء العالم. لا ينبغي أن نستهين بالتأثير الذي تتسبب فيه الحرب الروسية-الأوكرانية والذي سيستمر في التأثير على سكان العالم. سيدفع ذلك بعض الدول إلى الجوع، وسيموت الكثيرون». ثمّ ينتهي التحذير. لأن ما يحدث بعد ذلك واقتراح الحلول ليس من اهتمامه.
كامل التجارة في العالم، بما في ذلك الغذاء، الآن بيد صناديق التحوط المالية، حيث تجمع أموال مستثمرين مختلفين وتستثمرها من أجل تحقيق أقصى ربح ممكن بأدنى مخاطر ممكنة. عند «التحوط» ينقل المستثمر المخاطر إلى أولئك الذين يرغبون في قبولها: المضاربين في الأسهم. إنّهم هم، المضاربون وصناديق التحوط المالية، مَن أصبحوا أكبر الفائزين في سباق أسعار الغذاء الذي تسببت فيه العقوبات على روسيا. حققت صناديق التحوط والمضاربون الماليون أرباحاً فاحشة من خلال المراهنة على الجوع وتفاقم الأزمة. ذكرت صحيفة ذا غارديان البريطانية أن أكبر عشرة صناديق تحوط في العالم حققت أرباحاً تقدر بما يقرب من مليارَي دولار، وهذا فقط من التداول في منتجين غذائيين: الحبوب وفول الصويا.
هل لدى صناديق التحوط أية علاقة بإنتاج الغذاء؟ لا شيء على الإطلاق. إنهم ببساطة يتلاعبون بها، لكن سلوكهم المفترس يدفع الأسواق إلى زاوية، مما يزيد من التذبذبات السعرية الصاعدة، وبالتالي يستنزف جيوب المستهلكين الذين يتناولون هذه الأطعمة. لذا، من تنفع هذه الحرب؟ أمامنا، وسط صيحات الغرب عن مسؤولية موسكو عن أزمة الغذاء، تحدث عملية ضخمة لنقل الثروة إلى عدد قليل من العائلات الثرية التي تمتلك النظام الغذائي العالمي، في وقت يكافح فيه غالبية سكان العالم لكي يلبوا احتياجات طعامهم اليومية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1122