«حرب الرقاقات»: عندما تصبح الجزرة عصا قاتلة!
يان مو يان مو

«حرب الرقاقات»: عندما تصبح الجزرة عصا قاتلة!

أعلن زانغ زونغمو، رجل الأعمال التايواني ومؤسس شركة TSMC منذ فترة وجيزة عن دعمه لسياسة الولايات المتحدة في احتواء صناعة أشباه الموصلات الصينية، وهو الأمر الذي فاجأ كثيرين من العاملين في المجال لكونه انتقد من قبل محاولات الولايات المتحدة «التزاوج» مع TSMC، الأمر الذي قاد إلى زيادة كليّة في تكاليف الشركة والصناعة عموماً. من بين جميع الكلام الذي قاله زانغ، يمكننا أن نأخذ الزبدة التالية: تتطلّب صناعة الرقاقات الكثير من ريادة التكنولوجيا والعمل الجماعي، ولا يوجد شيء من هذا القبيل في الولايات المتحدة اليوم، وليس هذا بادياً في المستقبل القريب ما يجعل صعود أيّ منافس أمريكي ضعيفاً. بينما في الصين جميع الشروط لتطوير صناعة الرقاقات موجودة، ولهذا فزونغمو يخشى أن تحلّ شركة صينية بين ليلة وضحاها مكان TSMC.

ترجمة: أوديت الحسين

كان بالإمكان لكلمات زونغمو ومن يؤيده من أهل الصناعة والسياسة في تايوان، وكذلك في كوريا، أن يبقى له صدى لولا إطلاق «قانون الرقاقات» الأمريكي بعد فترة وجيزة من حديثه، ليصبح واضحاً بأنّ الجزرة الأمريكية التي لطالما مدوها لصناعة الرقاقات في تايوان «TSMC» وكوريا الجنوبية «سامسونغ» هي عصا قاتلة إن رفضتا الطاعة.
يتطلب قانون الرقاقات الأمريكي من الشركات الراغبة بالحصول على «الدعم» الأمريكي أن تقوم «بمشاركة الأرباح الفائضة» مع الحكومة الأمريكية، وأن تقدّم لها دفاتر حساباتها، وقوائم عملائها المهمين، وتكنولوجيا التصنيع. ومن أجل تقديم «خدمات محددة» فعليك الموافقة على شروط أكثر صرامة مثل عدم توسيع قدراتك الإنتاجية في الصين خلال عشرة أعوام. الأمر بكلمات أخرى: على شركتي TSMC وسامسونغ وفروعهما في الولايات المتحدة إن كانتا تريدان الحصول على «الدعم الأمريكي» أن يعطوا الحكومة الأمريكية قسماً من الأرباح وقائمة الزبائن والتكنولوجيا لمساعدتها بأن تصبح ثريّة ومسيطرة، والعمالة والابتكار لمساعدتها على استعادة موقف الولايات المتحدة المنافس أمام الصين.
من المطلوب من هذه السياسة أن تحصد جهود وتعب صناعة أشباه الموصلات التايوانية والكورية لعقدين، الأمر الذين أغضب الشركات الكورية وأرعب التايوانية. أعرب المصنّعون من البلدين على الفور بأنّهما لا يمكن لهما القبول بهذه الشروط، فإن كان ثمن حصد الذهب والفضّة هو شرب السم، فكيف سيتمكن الميت من الاستمتاع بذهبه وفضته؟ وربّما علينا أن نكون أكثر واقعية، فما تعد به الولايات المتحدة لا يمكن اعتباره لا ذهباً ولا حتّى فضّة. تسببت هذه الحركة ليس فقط برفع تكاليف التصنيع وتقليص الأرباح وإيذاء الحلفاء، بل أيضاً بإيذاء سمعة الولايات المتحدة وتشجيع مصنّعي أشباه الموصلات الأبرز في العالم على مغادرة الولايات المتحدة بجميع الأشكال وبأسرع وقت.
إنّ الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة لا تنفع فقط الشركات الأمريكية، بل أيضاً تحمي أسعار الرقاقات الخاصة بها. إنّ الشركات مثل آبل مجبرة على استخدام رقاقات عالية التكلفة مصنوعة في الولايات المتحدة، ولهذا فقدراتها على المنافسة السوقية ستنخفض دون شك لأنّ الولايات المتحدة غير قادرة على احتكار عملية تصنيع الرقاقات المتطورة حول العالم. لهذا كان الحل الأمريكي هو منع بيع الرقاقات غير الأمريكية «التايوانية والكورية» بأسعار أقل. إنّ مصانع سامسونغ و TSMCفي الولايات المتحدة تخسر، ومن الحتمي قيام الشركتين بالاستعانة بمصادرهما من خارج الولايات المتحدة للتعويض عن هذه الخسارة، ولهذا سيكون هناك عمليات نقل وتبادل من تحت الطاولة لتوسيع الإنتاج والمبيعات لهذه المصانع. من هنا كان الحصول على دفاتر الحسابات شديد الأهمية هنا كي تتمكن الحكومة الأمريكية من منعهم من تخفيض الأسعار عبر الاستعانة بشركاتهم ومصانعهم الأصلية.
إذا أغفلنا بقية الجوانب الهامة للموضوع، فالنظر له من زاوية الربح فقط يجعله يظهر بوضوح على أنّه إجبار الشركتين «الرائدتين في تصنيع الرقاقات» على تجرّع السم وقتل مصانعهما خارج الولايات المتحدة. قد يقول قائل: يمكن أن ينجو جزء من العمل والأرباح عندما تقوم الشركتان ببيع إنتاج مصانعهما في بلادهما إلى أطراف ثالثة. يبدو أنّ التشريع الأمريكي قد سدّ هذه الخيار أيضاً، فعبر شرط الحصول على قائمة بالعملاء غير الأمريكيين أيضاً سيقضي بشكل صارم على أيّة أوهام بتقسيم الأسواق لتصبح منتجات الشركات الكورية والتايوانية هي الأغلى ثمناً وذات المخاطر الأعلى. هذا دون أن نذكر الخسائر الفادحة التي سيكون على الشركتين تكبدها جرّاء خسارة مصانعها في الصين، وبالتالي السوق الصينية.

الجزرة دائماً متصلة بعصا!

في خضمّ صراع الأمريكيين مع حلفائهم ستبدأ حرب التسعير والدعم سيصبح شديد الأهمية، فإن لم تسر الأعمال كما ينبغي سينخفض التوسع الرأسمالي وستنخفض موازنات البحث والتطوير، ولهذا فالجزرة التي تحولت إلى عصا هي جزرة قد لا يمكن رفضها. لكن هناك جانب آخر للمشكلة التي يضع الأمريكيون فيها حلفاءهم التايوانيين والكوريين، فهي تجبرهم بهذا على التعرّض للإجراءات الانتقامية التي بدأ الصينيون مؤخراً باتخاذها ضدّ الشركات التي تستفيد من الدعم الأمريكي.
يمكننا أخذ مثال مفيد هنا: قامت الصين مؤخراً بالإعلان من جديد عن تطبيق مراجعة أمنية سيبرانية لشركة ميكرون Micron التي تبيع منتجات «رقاقات الذاكرة» في الصين ضمن ما تمّ اعتباره واحداً من الإجراءات الانتقامية البسيطة من الإجراءات العقابية الأمريكية. وبمجرّد انتشار الخبر، فقد سهم شركة ميكرون 9٪ من قيمته. تعتبر ميكرون من المؤيدين «لقانون الرقاقات» الأمريكي وأحد أكبر الشركات المستفيدة منه والتي يمكن اعتبارها شركة أمريكية نموذجية: تعتمد في اقتصادها على السوق الصينية، وعلى «أمنها» على الولايات المتحدة، والذي لا يبدو بأنّها قادرة على توفير الأمن لها اليوم. فقد كانت أكثر من نصف عائداتها في 2018 من السوق الصينية، لينخفض الرقم في 2022 إلى 10,8٪ من عائداتها.
الأمر الآخر الذي يدور الحديث عنه اليوم هو نيّة الصين فتح معركة ردّ آخر على العقوبات الأمريكية: معادن الأرض الثمينة. فبعد أن كان التركيز في الأشهر الماضية على تقييد صادرات أشباه الموصلات من الولايات المتحدة واليابان وهولندا إلى الصين، وتشكيل تحالف مع أستراليا وكندا للتحكم بمعادن الأرض الثمينة، بدأت الصين بصياغة ردودها بهدف الحفاظ على معادنها الثمينة للصناعة. ترك هذا الأمر خوفاً عاماً في مجال صناعات أشباه الموصلات، خاصة بين المحللين اليابانيين. كما أنّ باحة معركة معادن الأرض تتجاوز أشباه الموصلات ويؤثر على صناعة التكنولوجيا عامة.
إنّ الحديث عن تأثيرات التحكّم بواردات وصادرات معادن الأرض لن يكون كافياً هنا، ولكن بالعودة إلى زانغ زانغمو مؤسس TSMC واطمئنانه إلى أنّ الأمريكيين لن يُخرجوا من يستبدل شركته، وسعادته بالعقوبات على الصين، يمكنني أن أتمنى أن يطول عمره أكثر ليرى تأثير هذه العقوبات على شركته وعلى عملها في الصين من جهة، ومدى قدرة «حلفاء» الأمريكيين على البقاء في السوق مع تقليم أظافرهم وتخفيض قدراتهم التنافسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:38