في الساحة العالمية ليس لدى أمريكا ما تنافس به الصين
يبدو أنّ الواقع المتراجع للولايات المتحدة يجد صدىً بشكل متزايد في وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، وليس مردّ ذلك الحيادية في تغطية الأحداث، بل عدم القدرة على الاختباء وراء الأصابع، ناهيك عن التفتت الذي تعيشه المؤسسات الأمريكية والتضارب الذي تمرّ فيه مصالح النخب. ضمن أصداء هذا التراجع الأمريكي نشر محلل السياسات الخارجية والزميل في مركز أبحاث «مجلس العلاقات الخارجية» ماكس بوت مقالاً في صحيفة واشنطن بوست يتحدث فيه عن عدم قدرة الولايات المتحدة على بناء تحالف ضدّ الصين، وربّما أبرز ما جاء في المقال هو الاعتراف بواقع: «ليس لدى الولايات المتحدة القدرة على تشكيل بديل فاعل عن «الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية» التي وقعتها الصين في هذا العام 2022 مع 14 دولة تشمل بعض حلفاء الولايات المتحدة المقربين: كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا». إليكم ملخّص لأبرز ما ورد في المقال:
ترجمة: قاسيون
هناك الكثير من أوجه الشبه بين الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من جهة، والحرب الباردة الجديدة ضدّ الصين، ولكن هناك على الأقل اختلاف جوهري واحد: لم تكن للولايات المتحدة علاقات اقتصادية هامة مع الاتحاد السوفييتي بينما الصين هي ثالث أكبر سوق لتصدير البضائع الأمريكية والمصدر الأول للاستيراد في 2020. هناك مصنع واحد في الصين ينتج قرابة نصف إنتاج العالم من هواتف آي-فون الأمريكية، والمخاوف من تباطؤ النمو الصيني الأخير أدّت إلى سقوط حاد في أسواق الأسهم الأمريكية.
حتّى لو أرادت الولايات المتحدة مواجهة الصين، عليها أن تجد طريقاً لا يؤذيها، ولهذا لا يمكنها ببساطة بناء جدار مجازيّ بين اقتصاد البلدين، فحتّى في وقت تصاعد التوترات بين البلدين، على التجارة أن تستمر. تكافح إدارة بايدن لإيجاد النهج الصحيح لمواجهة الصين ولكنّها ترتكب خطأ فادحاً أثناء ذلك.
قام الكونغرس في آب الماضي 2022 بهدف تعزيز المنافسة مع الصين بتمرير «قانون الرقاقات والعلوم» الذي سيمنح 280 مليار دولار على مدى عشرة أعوام من أجل زيادة القدرات التكنولوجية الأمريكية التنافسية. كان أحد أهداف المشرعين المعلن تعزيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات، حيث لا تنتج الولايات المتحدة اليوم إلّا 12٪ من الرقاقات العالمية الدقيقة، بالمقارنة مع 37٪ من حصتها في التسعينيات. يفترض المشرعون أنّ هذا الأمر سيساعد الولايات المتحدة في مواجهة أزمة محتملة بشأن تايوان: أكبر مصنّع لأشباه الموصلات في العالم. لا تزال هناك مخاطر مرتبطة بهذا الأمر، ربّما على سبيل المثال: كيف سيتم تجنّب دعم الشركات أو التكنولوجيا الخاطئة؟ لكن في الحقيقة ليس أمام الولايات المتحدة خيارات كثيرة في هذا المجال.
في السياق ذاته، تمثّل لوائح التصدير التي أصدرتها إدارة بايدن في شهر تشرين الأول، والتي تحظر تصدير أحدث تكنولوجيا الرقاقات الأمريكية إلى الصين، مقامرة كبرى. كانت الإدارة الأمريكية تأمل أن تكون بعملها تعلن عن تحالف دولي للحد من وصول الصين إلى الرقاقات الأكثر تقدماً، لكنّ اللاعبين الرئيسيين في الصناعة– بما في ذلك هولندا واليابان– لديهم تحفظات جدية بشأن منهج الولايات المتحدة.
يمكن للعقوبات الأمريكية أن تأتي بنتائج عكسية إن أدّت ليس فقط إلى توترات مع الصين بل أيضاً مع حلفاء أمريكا. يمكن للصين تطوير قدرات تصنيع الرقاقات الدقيقة المتقدمة الخاصة بها بشكل أسرع بكثير إذا ما تلقت مساعدة من الشركات الأجنبية غير الأمريكية. لهذا على الإدارة الأمريكية أن تبذل المزيد لإقناع هؤلاء بالانضمام إليها.
لقد فشلت الرسوم الجمركية التي تمّ فرضها من قبل إدارة ترامب واستمرّت أثناء إدارة بايدن بجميع السبل الممكنة ولم تحقق شيئاً. أدّت إلى رفع الأسعار «وبالتالي التضخم» على المستهلكين الأمريكيين، ووجهت ضربة حادة للصادرات الزراعية، وفشلت في زيادة الوظائف الصناعية الأمريكية، ولم يكن لها سوى تأثير ضئيل على العجز التجاري الأمريكي مع الصين. تقدّر واحدة من الدراسات أنّها كلّفت الأمريكيين خسارة 245 ألف وظيفة. رغم ذلك لم يقم بايدن بإلغاء الرسوم الجمركية بذريعة أنّه يريد الدفاع عن «الطبقة الوسطى» ولا يريد أن يُنظر إليه بأنّه متراخٍ مع الصين.
كما أدّى اعتناق إدارة بايدن «للحمائية» إلى منعه من العودة والانضمام إلى اتفاقية «الشراكة العابرة للهادئ»، وهي الاتفاقية التي تفاوضت عليها إدارة أوباما مع 12 دولة آسيوية وأطلسية، وكان بايدن نفسه جزءاً من تلك الإدارة. قام بايدن عوضاً عن ذلك بإطلاق نسخة مقلدة غير فعالة عنها تدعى «الإطار الاقتصادي الهندي- الهادئ» والمحكوم عليها بالفشل لأنّها لا تقدّم أيّة قدرات وصول أوسع للأسواق الأمريكية.
في غضون ذلك وقّع بايدن مشروع قانون حمائي ينفّر الحلفاء أنفسهم الذين تحتاجهم الولايات المتحدة من أجل الاحتشاد في مواجهة الصين. يوفّر «قانون الحد من التضخم» ائتماناً ضريبياً بقيمة 7500 دولار أمريكي لشراء السيارات الكهربائية المجمعة في أمريكا الشمالية. أدّى هذا إلى غضب عارم لدى صانعي السيارات في كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا لأنّهم سيخسرون مبيعاتهم نتيجة لذلك. كما أدّى إلى غضب حكومات دولهم وبقيّة الدول المتقدمة صناعياً لأنّها قد تشهد هجرة لصناعاتها إلى الولايات المتحدة، مع ما سيعنيه ذلك من ضرب لما بقي من القطاع الصناعي في هذه الدول.
في الحقيقة ليس لدى الولايات المتحدة القدرة على تشكيل بديل فاعل عن «الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية» التي وقعتها الصين في هذا العام 2022 مع 14 دولة تشمل بعض حلفاء الولايات المتحدة المقربين: كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا. ضمن الحرب من أجل التوسع التجاري تخضع الولايات المتحدة اليوم بسبب إداراتها إلى نزع أسلحة من جانب واحد.
هناك توافق عابر للحزبين في الولايات المتحدة على أنّ التجارة الحرة عموماً، ومع الصين خصوصاً، تكلّف الولايات المتحدة وظائف وأعمال. لكنّ هذا التوافق يبقى قائماً على مجرّد إحصاءات وأرقام، فكما لخّص تقرير لمجلّة «هارفارد بزنس ريفيو» الأمر: «تُظهر الأدبيات الاقتصادية بأنّ بعض المناطق في الولايات المتحدة تخسر الوظائف التصنيعية كنتيجة للتجارة مع الصين منذ بداية الألفية. لكنّ هذا الأمر انتهى اليوم». علاوة على ذلك فالتجارة مع الصين أدّت بالمقابل إلى زيادة العدد الكلي للوظائف في الولايات المتحدة من خلال إنشاء وظائف أكثر في القطاع الخدمي.
قد يكون المشرعون الأمريكيون والإدارة الأمريكية محقين في دعم تطوير التكنولوجيا الأمريكية ومواجهة الصين بمنع تصدير الرقائق المتطورة، لكنّهم يرتكبون خطأ فادحاً بترك ساحة التجارة الحرة للصين. الصين تسعى اليوم إلى توسيع تجارتها الدولية، وعلى هذا النحو من إدارة المعركة معها ستضع الولايات المتحدة نفسها في قبو تموت فيه أثناء اعتقادها بأنّها تحمي نفسها من المنافسة.
بتصرّف عن:
Biden is making the same mistake as Trump on
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1099