الأولغارش الروس حلفاء الغرب ومحاربتهم بأهمية الحرب في أوكرانيا
في روسيا، جبهات الحرب ليست فقط ضدّ الغرب في أوكرانيا، بل أيضاً ضدّ الأوليغارشية الروسيّة التي صنعها الغرب لتكون، مثلها في ذلك مثل بقيّة البرجوازيين الكبار في جميع أنحاء دول الأطراف: تابعة ومستعدة لتدمير البلاد والشعوب للحفاظ على مصالحها الخاصة المرتبطة بشكل لا يمكن فصمه بالبرجوازية في دول المركز. قد تكون قصّة إغلاق أكبر مصنع لإصلاح محركات الطائرات المدنية في روسيا من قبل «ملك التبغ» في هذه اللحظات الحاسمة التي تتعرّض فيها روسيا للعقوبات الغربية ذات دلالة على الجهة الحقيقية التي يواليها هؤلاء الأولغارش، والتي ستعني أمراً بات من المسلمات لدى حزب الإرادة الشعبية عند الحديث عن الوضع الداخلي في روسيا: لا خيار، إمّا الاستدارة ضدّ الرأسمالية في الداخل أو الدمار الشامل. إليكم المقال الذي نشره موقع Столетие الروسي في هذا الخصوص، كاملاً من أجل الإيضاح مع أقلّ قدر من التحرير:
ترجمة: أوديت الحسين
تدق وسائل الإعلام ناقوس الخطر: مصنع روستوف للطيران المدني رقم.412، المصنع الأكبر لإصلاح محركات An-24 وAn-26 تمّ إغلاقه. ونتيجة لذلك قد يكون الشرق الأقصى وسيبيريا والشمال الغربي منقطعين عن البر الرئيسي الروسي.
في وقت من الأوقات تمكّن رجل الأعمال الأوليغارشي آيفان سافايدي Ivan Savvidi المعروف باسم «ملك التبغ» من الاستيلاء على المصنع. تمّ إلقاء القبض على رجل الأعمال المغامر، والذي يحمل إضافة للجنسية الروسية الجنسية اليونانية، في اليونان في 2018 بعد حادثة وقعت خلال مباراة في بطولة كرة القدم اليونانية في تسالونيكه. كانت المباراة بين نادي باوك الذي يملكه سافايدي وفريق آيك اليوناني. عندما لم يحتسب الحكم الهدف الذي سجله فريق سافايدي نزل إلى الملعب بصحبة حرسه الشخصيين، وعلى حزامه يتدلى مسدس، وبدأ بتهديد الحكم قائلاً له: «أنت رجل ميت».
تمّ اعتقال سافايدي ونقل إلى مركز الشرطة. ولكن كأيّ رجل أعمال ذي ثروة – والتي قدرتها مجلة فوربس بأنّها تفوق المليار دولار، تمكن من الخروج من الأمر. لكنّ سافايدي وبربريته لم يمنعاه من الوصول إلى مجلس الدوما الروسي، والوصول فيه إلى نائب رئيس المجلس.
ولد مالك المصانع والمكاتب والسفن في الاتحاد السوفييتي في قرية جورجيا. بعد أدائه الخدمة العسكرية الإلزامية، انتقل إلى روستوف في 1980 حيث حصل على عمل في مصنع تبغ مملوك للدولة. وهناك تدرج من عامل إلى نائب مدير للمصنع. ثمّ عندما بدأت فوضى الخصخصة في الاتحاد السوفييتي المنهار، تمكن من شراء حصص المعمل وأصبح مالكه. لا يزال من غير المعروف كيف حدث ذلك. في 1993 تمّ انتخاب سافايدي كمدير عام لشركة تبغ دونسكوي، وحتّى في ذلك الوقت كانت تدور حوله الفضائح الصارخة.
في عام 2011 أطلقت شركته العديد من العلامات التجارية للسجائر، وكانت تستهدف بشكل واضح الأطفال والمراهقين، حيث تزامن إطلاق العلامات التجارية الجديدة بحملة إعلانية مكثفة تستهدف المراهقين. وكنتيجة لذلك قامت وكالة منع الاحتكار الروسية بفرض غرامة كبيرة على شركة سافايدي لاستخدامه بشكل غير شرعي صوراً للقاصرين في دعايات التبغ.
لكن في تلك الأعوام لم تتداخل هذه الأحداث مع مسيرة رجل الأعمال السياسية الذي كان يحاول تحسين سمعته الملطخة من خلال القيام بأعمال خيرية. كنتيجة لذلك تمّ انتخاب سافايدي في 2003 لمجلس دوما الاتحاد الروسي. بعد 4 أعوام تمّت إعادة انتخابه. لكنّه لم يتمكن في 2012 من الوصول رغم الجهود والأموال التي بذلها.
تحوّل سافايدي إلى أحد الأوليغارش الكبار أثناء شغله منصب نائب رئيس مجلس الدوما، حيث أسس شركة مجموعة أغروكوم، والتي ضمّت مصنع دونسكوي للتبغ، ومطار روستوف-أون-دون الدولي. أصبح رئيساً لنادي روستوف لكرة القدم، لكنّه لم يحقق نجاحات كبيرة. كان النجاح المالي الذي حققه سافايدي في روسيا ناتجاً بشكل رئيسي عن بيع السجائر.
إخراج الأموال
بعد ذلك وبعد حصوله على جواز سفر يوناني، بدأ سافايدي يسحب بنشاط رأس ماله المكوّن في روسيا إلى الخارج، وجزء من ذلك لشراء أصول في اليونان، مثل شركة سيكاب لإنتاج التبغ، ونادي باوك لكرة القدم، وفندق قصر مقدونيا الشهير. استثمر سافايدي في اليونان وحدها أكثر من 300 مليون يورو، ليستمر باستخراج الأرباح من روسيا وسحب المال منها لإنفاقه وإخفائه خارجها.
كتبت صحيفة موسكو بوست في 2011 حول تحركات ونشاطات «ملك التبغ»: «فيما يخصّ شركة Proper Investments GmbH السويسرية، بينما يواصل المحققون البحث في الاحتيال المالي الذي تورط فيه الرئيس السابق لبنك موسكو أندري بورودين، ظهرت معلومات حول شركائه الجدد في الصحافة. كما اتضح، كان أحدهم هو المدير العام السابق لشركة تبغ دونسكوي، والذي يشغل اليوم منصب نائب رئيس مجلس الدوما آيفان سافايدي. لذلك تمّ مؤخراً تداول معلومات في وسائل الإعلام تفيد بأنّ السيد سافايدي، بمساعدة كبار المديرين السابقين لبنك موسكو بما في ذلك الرئيس السابق لهذا البنك بورودين بنفسه، قد حرّك بشكل نشط أموالاً من الاتحاد الروسي إلى الخارج في عامي 2006-2007. علاوة على ذلك، فقد قام إيفان سافايدي بإجراء هذه السحوبات من الأصول باستخدام شركة: تبغ دونسكوي أو.جه؟إس.سي، وهي الشركة التي يتحكم فيها عضو الدوما بنفسه تبعاً لامتلاك زوجته كيرياكي سافايدي 87٪ من حصصها».
بدأ آيفان سافايدي بنشاطه الاحتيالي المرتبط بالتمويل عبر بنك موسكو في 2006. في تموز من ذلك العام، قام آيفان بسحب مبلغ 12 مليون عبر شركات تابعة لشركة تبغ دونسكوي، وذلك وفقاً لبيانات سويفت في 3 تموز 2006. علاوة على ذلك، كان مخطط السحب معقداً للغاية، لأنّ الأموال «تسربت» إلى الخارج من خلال الشركة محدودة المسؤولية التابعة بموجب ما يسمى اتفاقية قرض مع شركة Proper Investments GmbH السويسرية عبر الوسيط بنك موسكو. إضافة إلى ذلك تبيّن فيما بعد بأنّ شركة Proper Investments GmbH السويسرية مملوكة أيضاً لزوجة عضو الدوما وابنه.
في 2012 اعتقلت الشرطة اليونانية شقيق ملك التبغ إيراكلي سافايدي بسبب الاشتباه بقيامه بنشاطات إجرامية. وكما أوردت الصحف اليونانية فالسبب في اعتقاله هو الطلب المقدم من السلطات الأمنية الروسية المبني على قيامه بالتخطيط لعمليتي اغتيال يعتقد بأنّهما مرتبطتان بشكل أو بآخر بمصالح شقيقه. ثمّ في عام 2016 قامت محكمة روستوف بالحكم على ابن شقيق ملك التبغ ميكيس سافايدي بالحبس لسبعة أعوام بسبب عمليات احتيال واسعة النطاق يعتقد أيضاً بارتباطها أيضاً بآيفان.
الأوليغارش والولايات المتحدة
بعد كلّ هذا، وعندما كان سافايدي يسحب أمواله إلى الخارج، حاول على ما يبدو أن يكتسب سطوة هناك بالإدلاء بتصريحات مناهضة لروسيا. كمثال، في أحد اللقاءات بينه وبين صحفي روسي، تحدث ملك التبغ لصالح الموت السريع للاقتصاد الروسي قائلاً: «هناك شيء واحد فقط يجب التفكير فيه حول قطاعات اقتصادنا: هل يستحق الاحتفاظ به كمريض في العناية المركزة أم يستحق القتل الرحيم؟».
كما شوهد نائب رئيس مجلس الدوما السابق في الولايات المتحدة وهو يشارك في العرض العسكري في مانهاتن نيويورك تكريماً لعيد الاستقلال اليوناني، وبذلك بعد أن شوهد في حفل استقبال بمشاركة دونالد ترامب نفسه. قامت عدد من وسائل الإعلام اليونانية التي يملكها سافايدي وبفضلها على العالم بزيادة قطب التبغ من روستوف إلى الرئيس الأمريكي. الغريب في الأمر أنّ السيد سافايدي، ورغم سيرته الذاتية فقد تدبر أمر الحصول على تكريمين في روسيا: وسام الاستحقاق الوطني ووسام ألكسندر نيفسكي. في هذه الأثناء وفقاً لتقارير وسائل الإعلام اليونانية، كان سافايدي يعيش مع أفراد عائلته في رفاهية في اليونان حيث ارتدت عروس وهي ابنته في الحفل الذي جمع 600 ضيف ثوباً مطرزاً بـ 27 كيلوغرام من الذهب والمجوهرات.
لكنّ الأكثر أهمية بالنسبة لنا عند الحديث عن مالك مصنع التبغ السابق هو عندما أصبح مالك مؤسسة ذات أهمية إستراتيجية لروسيا، والذي كما اتضح من التحقيق الذي أجرته وكالة تزارغراد، فإنّه كان يتغذى حتى عام 2022 بمكونات من المصنع الأوكراني الذي يخدم احتياجات القوات المسلحة الأوكرانية.
طائرة نقل المسافرين An-24 ونسختها من نقل البضائع والمسافرين An-26 هما الطائرتان الرئيسيتان للنقل الجوي في سيبيريا والشرق الأقصى، وكانتا تعتمدان في إصلاحهما على المؤسسة التي يملكها رجل الأعمال الذي يهرّب أمواله إلى خارج روسيا ويحمل جنسية واحدة من دول الناتو.
وفقاً لأوليغ بانتيليف، رئيس تحرير صحيفة أفيابورت، هناك اليوم قرابة مئة An-24 في الخدمة المدنية، ولكن إذا ما أخذنا بالاعتبار الطائرات العاملة الأخرى، يصبح عدد طائرات An-24 و An-26قرابة 250 طائرة. وفقاً لبانتيليف فهذا عدد كبير، ومحركات AI-24 تخدمها جميعها. بدأت الأخبار حول إغلاق مصنع RZGA-412 تنتشر في آذار من هذا العام، ما أدى إلى موجة من السخط. ما حدث يعني أنّ جميع طائرات An-24 و An-26التي تعمل ضمن الخطوط الجوية الروسية قد تتوقف عن الطيران خلال خمسة أو ستّة أشهر كحدّ أقصى. كثير من الناس الذين يسكنون مناطق شاسعة إلى الشرق من سلسلة جبال أورال، حيث تبلغ المسافات بين البلدات المتجاورة مئات الكيلومترات، ولا توجد سكك حديدية، يمكن أن ينقطعوا عن البر الرئيسي لروسيا.
علّقت شركة أغروكوم غروب المملوكة للملياردير سافايدي والتي تملك مصانع إصلاح الطائرات، أنّ المعمل سيستمرّ بإصلاح أقلّ من 60 محرك طائرة سنوياً، فعلى مدار العامين الماضيين كان بالكاد من الممكن تقديم طلبات لقطع غيار تكفي 45 محركاً. ويتابع التعليق: «بخصوص ما ورد أعلاه، نحن كشركة خاصة لا نجد فرصة وطريقة لأنفسنا للحفاظ على أنشطة مؤسسة إصلاح محركات الطائرات، وبالتالي وعلى مدى العامين الماضيين كنّا نقوم بشكل منهجي بالمضي نحو تقليص الإنتاج».
لكن هناك تفصيل مثير خرج للعلن أيضاً، فقد تبين بأنّ المورد الرئيسي لقطع الغيار لمصنع إصلاح المحركات هي شركة موتور-سيخ الأوكرانية، التي تنتج محركات للطائرات المسيرة دون طيار بيرقدار التركية، والتي تدخل كطائرات مساعدة في التشكيلات المسلحة الجوية الأوكرانية.
حتّى نهاية عام 2021 زعمت الشركة المالكة لمصنع إصلاح المحركات بأنّها سعت إلى تنظيم توريد المكونات المطلوبة عبر دولة ثالثة، لكن التوريد عندها توقف. وفي أيار الماضي تمّ تدمير موتور-سيخ الأوكرانية التي كانت تنتج قطع غيار للقوات المسلحة الأوكرانية من قبل الصواريخ الروسية.
تناقلت وسائل الإعلام بأنّ رئيس وكالة النقل الاتحادية الروسية نيرادكو قد تقدّم بطلب رسمي إلى إدارة الشركة المالكة لمصنع الإصلاح لعدم إغلاق المصنع، وباقتراح اتخاذ إجراءات لنقل الإنتاج إلى مواقع أخرى. ردّت الشركة بأنّهم «يدرسون مسالة تنظيم إصلاح المحركات لهذه الطائرات»، ولكن لم يرد أيّ شيء عن الأمر بعد ذلك.
ما كان يجب أن يتمّ منذ زمن
اليوم وبعد أوامر مباشرة من الرئيس فلاديمير بوتين، والذي أصدرها أثناء لقاء حول تطوير صناعة الطيران والملاحة، أسرعت «السلطات المسؤولة» لفعل ما كان يجب أن تفعله وفشلت في ذلك في السنين الماضية: إيجاد بدائل. يتم ذلك ببساطة من خلال إنشاء بدائل لطائرات بوينغ وإيرباص، والتي تشتريها روسيا لسنوات على حساب تطورها الذاتي. لكن ماذا عن الطيران الصغير والمتوسط، يبدو أنّه بات منسياً.
لكن ما الذي يحدث اليوم في المواقع التي يفترض أن يتمّ فيها إصلاح الطائرات الروسية؟ وفقاً للتحقيقات التي أجرتها تزارغراد تمّ تركيب خط إنتاج مجهز بعدّة طبقات تغليق بالبلاستيك المخصصة للمواد الغذائية. لقد تمّ إلغاء وتقليص مصنع مهم وحيوي إستراتيجياً لروسيا بناء على قرار من مالكه: الأوليغارشي ذي الجنسية المزدوجة والعلاقات الوطيدة مع البلدان غير الصديقة مع روسيا. لقد اتخذ هذا الأوليغارشي قراره وفقاً لمصالحه دون أيّ اهتمام بالمكان الذي سيتم فيه إصلاح محركات الطائرات الروسية متوسطة الحجم.
من هو المسؤول في وزارة الصناعة والتجارة ووكالة النقل الجوي الاتحادية الذي سمح بحدوث ما حدث للمصنع والأزمة التي نشأت؟ في النهاية هذا سؤال شديد الأهمية فنحن نتحدث هنا عن تخريب حقيقي في قطاع حيوي روسي قد يهدد خطوط النقل في الأراضي الشاسعة من البلاد.
لقد بدأت لجنة التحقيق ومكتب المدعي العام بإجراء فحص شامل للوضع الحالي، والذي قد يكون أساساً لإطلاق قضيّة جنائية وعمل لازم في مواجهة أحد رموز الأوليغارشية التي لا تهتمّ بروسيا.
يجعلنا هذا نذهب إلى سؤال آخر شديد الأهمية لا يمكن الإجابة عنه في هذا المقال: كم عدد المالكين «الفعليين» للمنشآت الحيوية الروسية الموجودين في روسيا الآن؟ هؤلاء الذين جمعوا ثروات طائلة أثناء عاصفة الاستيلاء على المنشآت الحكومية، والذين يحملون جوازات سفر دول الناتو الذين يعلنون الحرب ضدّ روسيا؟ ألا يشكل هذا تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي؟ ألم يحن الوقت لعمل «جردة» للتحقق من هذا الأمر؟
يعلّق ألكسندر ميست، وهو متابع عادي على هذا الأمر بالقول: السؤال الأكثر أهمية للإجابة عليه اليوم هو: ما الذي علينا فعله ويكون أكثر فاعلية؟ البلاشفة عرفوا كيف يتعاملون مع هؤلاء، فقد صفوهم ورؤوسهم في مواجهة الجدار وطبقوا ضدهم التدابير الأعلى للحماية المجتمعية... سيكون هذا أكثر فائدة من جلد ماضينا والسماح لهؤلاء الذين نهبوا ودمروا بأن يضعوا خطط المستقبل.
بتصرّف عن:
Как олигарх с паспортом страны НАТО закрыл стратегически важный завод в России
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1091