هل يمكن لموسكو تدمير احتكار أسواق المعادن الثمينة الغربية؟
رونان مانلي* رونان مانلي*

هل يمكن لموسكو تدمير احتكار أسواق المعادن الثمينة الغربية؟

قرابة نهاية تموز الماضي، تناقلت وسائل الإعلام الروسية خبر نيّة موسكو وعدد من حلفائها في أوراسيا مراجعة مقترح إنشاء بنية تحتية جديدة بالكامل لتجارة وتسعير المعادن الثمينة الدولية، وذلك بهدف تدمير احتكارات لندن ونيويورك على تسعير المعادن العالمية الثمينة، وتحقيق استقرار في سوق الذهب الروسي. لكن هل هناك ظرف وخطة قادرة اليوم على تحقيق هدف الروس بعيداً عن ردود الفعل على العقوبات؟ ومن هي الدول التي يرجح أن تشارك في مثل هذا النظام؟

ترجمة: قاسيون

ستأخذ البنية التحتية شكل: 1- معيار موسكو العالمي «MWS» للتجارة بالمعادن الثمينة، المشابه لقائمة لندن لتسليم البضائع لسوق لندن للسبائك «LBMA»: سوق الذهب الأكبر عالمياً. 2- بورصة معادن ثمينة دولية جديدة مقرّها موسكو، تعتمد على المؤشر السابق ذكره، والذي سيعرف باسم «بورصة موسكو الدولية للمعادن الثمينة». 3- لجنة تحديد أسعار، مهمتها تحديد أسعار المعادن الثمينة وتثبيتها، بناء على نتائج مؤشر MWS وكذلك الأسعار المشتقة من العملات الوطنية للدول المشاركة، أو على وحدات التسوية الجديدة.
إنّ من صاغ الاقتراح وعمل عليه كما هو واضح ليست وزارة المالية الروسية التي وفقاً للتقارير كانت مهمتها فقط تمرير الخطة إلى وزارات المالية في دول الاتحاد الأوراسي. الذي صاغ خطة وضع «معيار ذهب جديد» المفوضية الاقتصادية لأوراسيا EEC، وهي هيئة تشريعية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضمّ كلّاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازخستان وقرغيزستان وروسيا. قام سيرجي غلازييف، وزير التكامل والاقتصاد الكلي في المفوضية الاقتصادية الأوراسية، في 11 تموز بعقد جلسة مع مجموعة كبيرة من الخبراء بالنيابة عن وزارات المالية والبنوك المركزية ومنتجي المعادن الثمينة، لمناقشة مقترح معيار دولي لسوق المعادن الثمينة، ما يجعل المفوضية وغلازييف المصدر الأهم للتعرف على خطة إنشاء سوق معادن ثمينة جديد.
كانت قائمة حضور المناقشات رفيعة المستوى- المليئة بالكيانات المهتمة بالسوق ممن حضروا الاجتماع مع غلازييف- قد أرسلت موجة صادمة إلى البنوك المركزية الغربية ودور السبك الغربية. يمكننا فهم هذا بشكل خاص إذا ما عدنا إلى أنّه كجزء من العقوبات الغربية ضدّ روسيا، قامت رابطة سوق لندن بوليون LBMA بإزالة جميع توريدات بضائع مصافي الذهب والفضة الروسية «6 مصافٍ» من قائمة البضائع منذ بداية شهر آذار2022. وكذلك أزالت ثلاثة بنوك روسية من عضويتها. فعلت كلّ من سوق كوميكس لتجارة المعادن الثمينة، وسوق لندن للبلاتينيوم والبلاديوم LPPM الأمر ذاته في الفترة ذاتها تقريباً.
وكما جاء في رسالة وزارة المالية الروسية: «بهدف تطبيع عمل صناعة المعادن الثمينة، من الأهمية بمكان إنشاء بنية تحتية دولية مستقلة، تكون بديلة في وظائفها عن LBMA. يُقترح بناء الهيكل المخطط لها على شكل بورصة دولية متخصصة بالمعادن، من خلال استخدام المعيار الدولي الجديد يكون مقرها في موسكو». في حال تطبيق المبادرة، يمكن للاتحاد الروسي أن يتخطى العقوبات الغربية وأن يبيع ذهبه في الخارج.

التسعير كامتداد هام

كجزء من العمل على تحقيق تبادل آمن، فقد تمّ اقتراح إنشاء «لجنة تحديد الأسعار»، التي تشمل البنوك المركزية للدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وأكبر بنوكهم العاملة في سوق المعادن الثمينة. يقصد بتحديد السعر هنا الأسعار اليومية أو الأسعار المعيارية، أمّا البنوك الأكبر في سوق المعادن الثمينة فهي البنوك التجارية والاستثمارية، حيث يجب أن يكون الرهان على تحديد الأسعار بالعملات المحلية هو هدف البلدان المشاركة، أو اعتماد آلية تسوية دولية، مثل: وحدة التسوية الجديدة التي اقترحها الرئيس الروسي بوتين أثناء آخر اجتماع لبريكس والتي ينتظر أن تكبر.
لكن فيما أبعد من دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الخمسة، فمنشئوا النظام يتخيلون مساهمة أوسع في نظامهم الجديد. وهم يرون بأنّه من الضروري أن يجعلوا عضوية المنظمة جذابة لجميع المشاركين ودون استثناءات، مع التركيز بشكل خاص على الصين والهند وفنزويلا والبيرو، وبقيّة بلدان أمريكا الجنوبية وإفريقيا. هذا منطقي، فبغير هذا لن يكون لديهم نظام بديل قادر على كسر هيمنة الاحتكار الغربي لاكتشاف وتجارة المعادن الثمينة، ولا إنشاء رابطة دولية من المساهمين المهتمين بمجال عمل المعادن الثمينة لضمان نمو مستقر لمجال العمل في كلّ من روسيا وحول العالم.
تمّ تسويق المقترح على أنّه ردّ فعل على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، ولكن إن نظرنا إلى أحاديث سيرجي غلازييف واجتماعه مع الخبراء، فعلى الأرجح هذا المقترح يتمّ التحضير له منذ فترة ليست بالقصيرة، ولهذا فقد حصل على حقّه من البحث والدراسة وخطّته جاهزة موضوعة على الرف بانتظار الوقت المناسب للبدء بتطبيقها بشكل صحيح.
يمكننا أن نجمل هذه الخطة بعدة نقاط رئيسية وفقاً لشروحات غلازييف: 1- التحضير بشأن عملة تداول تركيبية جديدة تعتمد على مؤشرات عملات الدول المشاركة، ما يسمح بإضافة قرابة عشرين سلعة قابلة للتداول في البورصة. 2- الاعتماد على أنّ قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتجميد احتياطات روسيا بالدولار واليورو والاسترليني سيحفز الدول الأخرى ذات السيادة على استبدال احتياطاتها من الدولار وبقيّة العملات الغربية بشكل فوري بالعملات الوطنية والذهب. 3- إنّ مرحلة تشكيل الأسعار مدفوعة بالأسعار في البورصات المتنوعة بشكل مقوم بالدولار، قد وصلت إلى نهايتها تقريباً. سينتقل تشكيل الأسعار اليوم إلى العملات الوطنية. 4- تشكل هذه المرحلة النهائية الانتقال إلى نظام اقتصادي جديد تكون سوق المعادن الثمينة جزءاً من الآليات الداعمة لتحققه. 5- المرحلة الأخيرة من التحول إلى النظام الاقتصادي الجديد ستشمل إنشاء عملة مدفوعات رقمية جديدة، يتمّ إقرارها باتفاق دولي بناء على مبادئ الشفافية والعدالة والنوايا الحسنة والفاعلية، بحيث يلعب مثل هذا النموذج الغائب اليوم دوره في تلك المرحلة. 6- يمكن أن تصدر هذه العملة بالاعتماد على سلّة كبيرة من احتياطات العملات. يستخدم مؤشر أسعار السلع الأساسية المتداولة لتشجيع إدخال البضائع الأساسية الأخرى في البورصة: الذهب والمعادن الثمينة الأخرى والهيدكربونات، ليصبح أساس التسويات والمعاملات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون وبريكس، فينشأ بذلك نظام مستقل للتسويات الدولية يستبدل الاعتماد المسموم على هيمنة الولايات المتحدة.
يمثّل «جهاز العملة» هذا سلّة من العملات والسلع تحدّث عنه سيرجي سيلفرستروف من القسم العلمي في مجلس الأمن الروسي. يقول: عمل الروس على خوارزمية تقدّر مجموعة من السلع المرتبطة بالذهب، وتضيف سلع إلى سلة الذهب والعملات من أجل إنتاج قيمة حقيقية لوسائل المدفوعات. تسمّى الخوارزمية «ذهب التسوية». كنتيجة لذلك، لم يتم تحديد قيمة الروبل الروسي والتسييل من خلال ميزان العرض والطلب مقابل عملات الاحتياطي، ولا من خلال الذهب أيضاً، بل عبر مجموعة من السلع التي يتمّ إنتاجها بواسطة المنتجين المحليين. ومن المفيد أن نلاحظ بأنّ 40٪ من هذه الأشياء القيّمة يتمّ إنتاجها في روسيا، و60٪ في دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، و80٪ في دول البريكس. وفي هذه البلدان بذاتها، والتي تتعرض بعضها لضغوط العقوبات، فالهدف النهائي هو بسط سيطرتها على مواردها.

1087-10

شراء الذهب

في مقابلة حديثة مع سيرجي غلازييف في 24 آب/أغسطس قال مشيراً إلى معيار موسكو الذهبي الأوراسي وحاجة روسيا للاستمرار في شراء الذهب: «من الضروري تجديد الاحتياطات السابقة بشكل أساسي من خلال شراء الذهب. يحتاج البنك المركزي إلى زيادة النشاط في هذا الاتجاه، ورفع حصة الذهب في تكوين الاحتياطي إلى 80٪». وفي ردّ على سؤال تسييل الذهب الروسي تبعاً للحصار الغربي على مشترياته، أجاب غلازييف بالحاجة ليقوم الروس بتسعير الذهب في الأسواق العالمية: «يعني هذا حاجتك لتقديم معيار الذهب الخاص بك، والذي سيتمّ الاعتراف به دولياً، مع عرض أسعار الذهب في بورصة موسكو والقضاء بشكل تام على بورصة لندن».
لكن يجب أولاً- لتحقيق ذلك الاتفاق- على هذا المعيار الأوراسي بين روسيا وشركائها الآخرين، كما في منظمة شنغهاي للتعاون. سيكون الذهب الروسي ذا سيولة كبيرة في الأسواق الآسيوية والعالمية بشكل عام، بغض النظر عن موقعه في الدول الغربية. في الوقت ذاته يمكن للروس تقديم أداة دفع وتسوية دولية جديدة– عملة ثابتة مرتبطة بالذهب– وعرضها على جميع البلدان الآسيوية. ويمكن في المستقبل إضافة سلع أخرى- منتجة في بلدان منظمة شنغهاي للتعاون- إلى الذهب، كضمان لعملة التسوية العالمية الجديدة. إنّها نوع من بنية تحتية لتداول الذهب والمعادن النفيسة بشكل رقمي.
إنّ دول منظمة شنغهاي للتعاون: الصين والهند وروسيا وباكستان وكازخستان وطاجكستان وقرغيزستان وأوزبكستان، و4 دول مراقبة مهتمة بالحصول على العضوية الكاملة: أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا، و6 شركاء محاورين: أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا، يعني أنّ المنظمة قادرة على وضع أولوية لها وهي تحقيق التنمية الإقليمية.

الحفر أعمق!

كلّما تعمقنا أكثر في هذه المسألة- ما تمّ إظهاره وكأنّه محاولة روسية متسرعة للرد على العقوبات الغربية التي طردتها من LBMA - تبدو فجأة وكأنّها خطّة طويلة الأجل، مدروسة بإحكام، وتشمل الاتحاد الأوراسي وبريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. بعد ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا، سيكون حظر المعادن الثمينة الروسية حالة أخرى تقوم من خلالها الدول الغربية بإطلاق النار على نفسها في القدم.
قبل وقت طويل من اجتماع 11 تموز/ يوليو بين البنوك المركزية والبورصات الوطنية والمشاركين في إنتاج وتجارة المعادن الثمينة مع سيرجي غلازييف، كان الأخير يدعو بالفعل إلى أسواق تبادل مشتركة للسلع تشمل الذهب: «نحن قابعون تحت رحمة الأنظمة الغربية المتعلقة بعمليات التسعير والبنية التحتية للعملة. علينا اليوم ليس التفكير فقط في إنشاء مساحة تبادل، بل أيضاً إنشاء نظام التسعير الخاص بنا باستخدام العملات الوطنية».
أمّا بخصوص الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وبريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، فروسيا كانت تدعو لزيادة التعاون منذ زمن، عبر حثّهم على زيادة إجراء التسويات باستخدام العملات الوطنية لزيادة الاستقلال في التجارة المتبادلة. يمكن للمرء أن يقول نظراً إلى أنّ روسيا هي العضو الأكبر والأكثر نفوذاً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ونظراً إلى أنّ مهندسي الخطط الجديدة روس بمعظمهم، فمن وجهة نظر روسيا: «معيار موسكو العالمي» و«بورصة موسكو للمعادن الثمينة» هما أفكار روسية اقترحتها روسيا لنفسها. قد يكون هذا صحيحاً من بعض الجوانب، لكنه في الوقت نفسه، قام الآخرون بالاشتراك في صياغة هذا المقترح، واقتراحه على بقيّة الدول. وفي حال تنفيذه سيتم تطبيقه على الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بالكامل، ودول أخرى في البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون ممّن يريد الانضمام أيضاً.
لكن من المرجح أنّه بينما كانت وزارة المالية الروسية تعمل كقناة للتواصل مع دول الاتحاد الأوراسي وجمع المشاركين في البورصة في روسيا، كانت قد شاركت مع مجموعات أخرى غير روسية في صياغة هذا الأمر. تمّ إسباغ نوع من الحالة الطارئة على الدعوة بالقول بأنّ الحظر الغربي على مصافي المعادن الثمينة الروسية يشلّ أنشطتها، وبأنّ ذلك عامل سلبي حاسم يدعو للتشكيك في وجود الصناعة في روسيا. وكما علّقت مفوضية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي: «بعد أن تتلقى اللجنة مواقف الأطراف، سيتم اتخاذ قرار بشأن مدى استصواب مواصلة هذا العمل.
وفي الوقت الذي لن يعكس فيه إطلاق معيار موسكو العالم وبورصة الذهب، الحظر المفروض على مبيعات الذهب الروسية التي تدخل لندن وزيوريخ ونيويورك، فإنّه من الممكن إذا وصل الأمر إلى الكتلة الحرجة أن يسمح لمشتري الذهب الروسي بالظهور على طول بقيّة العالم من الدول التي تشارك في النظام الجديد. والأهم من ذلك، في حال بدأ العمل بمعيار جديد وبورصة جديدة، لن تضطر روسيا لبيع ذهبها بسعر منخفض عن السعر العالمي بعد ذلك. لكنّ التأثير الحقيقي للبنية التحتية الجديدة المقترحة لتجارة المعادن الثمينة وتسعيرها، إذا احتضنتها الدول من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والبريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، هو إمكانية أن تؤدي إلى تحديد أسعار المعادن الثمينة الحقيقي، بحيث تسنح الفرصة «لتدمير» احتكار لندن للتسعير.
يمكن لهذا أن يمثل نهاية «نظام الاحتياطي الكسري Fractional reserve system» المعتمد في LBMA وكوميكس، حيث تحدد العقود الورقية الاصطناعية غير المحددة والمسددة نقداً، أسعار المعادن الثمينة الدولية. بينما ستدعم وحدة التسوية الدولية بالذهب والعملات والسلع التي تخيلها سيرجي غلازييف في حال تبلورها. اجتماع LBMA السنوي سيعقد هذا العام في لشبونة في منتصف تشرين الأول أكتوبر. وفي حين أنّ اقتراح المفوضية الاقتصادية الأوراسية الجديد لتشكيل معيار موسكو العالمي الجديد ليس موجوداً على جدول الأعمال بشكل رسمي، فعلى الأغلب سيكون أحد أكثر الموضوعات التي سيتحدث المجتمعون بها في المؤتمر أثناء الاستراحات.
هذا ما لم تقم LBMA بحظر حرية التعبير والحديث عن الأمر، كما قامت بحظر المصافي الروسية والبنوك. لكن حتّى لو أنكر الغرب وجود عمل حقيقي وفاعل لتقويض هيمنته، فسيبقى إنكاره مجرّد هروب إعلامي من الواقع.

*رونان مانلي: محلل معادن ثمينة في بوليون-ستار. يغطي بعمله بشكل أساسي الموضوعات الحالية لما يجري في سوق لندن للذهب والأنشطة المالية المرتبطة بالذهب في البنوك المركزية.

بتصرّف عن:
www.riotimesonline.com

معلومات إضافية

العدد رقم:
1087
آخر تعديل على الإثنين, 12 أيلول/سبتمبر 2022 12:45