آليات التبادل التجاري الجديدة تتطوّر بشكلها العملي غير العابئ بالغرب
ديكلان هايز ديكلان هايز

آليات التبادل التجاري الجديدة تتطوّر بشكلها العملي غير العابئ بالغرب

ستحقق سوق الطاقة والمعادن الإستراتيجية الروسية- الصينية الناشئة نجاحاً هائلاً، ويعود الفضل بذلك إلى نخب الولايات المتحدة الذين ارتكبوا أخطاء إستراتيجية تتخطّى أخطاء هتلر وجيش نابليون الكبير اللذَين واجها الدمار في روسيا. العلاقات الروسية- الصينية التي بدأت تضع خططها لمقاومة العقوبات الأمريكية منذ 2014، موجودة لتبقى.

ترجمة: قاسيون

تحوّل موارد روسيا غير المحدودة الناتو إلى ذباب مزعج ولكن غير مؤذٍ. لا يمكن للولايات المتحدة- رغم بذلها قصارى جهدها- خنق روسيا مالياً أو حتّى إضعافها. السبب في ذلك أنّ روسيا تملك احتياطياً هائلاً من الموارد الطبيعية الإستراتيجية، وجيشاً نووياً مسلحاً لحمايتها، وحلفاء أقوياء- الصين على وجه الخصوص- لتحدي الإمبريالية. روسيا مليئة بالألومنيوم والنحاس والأسمدة والنيون والنيكل والبلاديوم والبترول وفول الصويا والتيتانيوم والقمح ومجموعة كبيرة ومتنوعة من السلع الأخرى التي لا يمكن حصرها، ولكن عند جمعها تشكّل محفظة تجارية مثيرة للإعجاب لم تعد بحاجة لوسطاء لندن لتحميلها.
من العلامات المهمة لتسعير مثل هذه السلع أخذ سعرها في الأسواق الفورية مثل روتردام أو هيوستن أو سنغافورة أو نيويورك أو أيّ مركز آخر مؤسس بشكل جيّد. يتمّ تحديد هذا السعر بشكل تعاقدي عبر غرفة تقاص، ويحدد العقد وسيلة النقل سواء أكانت بارجة أو سفينة شحن أو خطّ أنابيب أو غيرها. يساعد مقيمو الأسعار المستقلون في تحديد السعر الفوري وأسعار العقود الآجلة وخيارات الثمن كمشتق من الثمن الفوري. تقوم روسيا والصين وحلفاؤهما بنسخ هذه الآليات وابتكار أخرى.
لدى الأسواق السائلة الكبيرة- مثل الموجودة في لندن وشيكاغو ونيويورك أو غيرها من المراكز المالية- صنّاع سوق ومتعهدون يضمنون عمل الأسواق على مدار الساعة بمعزل عن الصدمات مثل هجمات ١١ أيلول أو الاضطرابات في أفغانستان والثورة الإيرانية في ١٩٧٩. لدى روسيا والصين القدرة على خلق سوق مماثلة، وما يكفي من القوة لتوفير الحماية البحرية عبر البحر الأسود أو بحر اليابان أو مضيق ملقا، إن كان هناك ما يبرر الحماية من القرصنة الأمريكية أو قرصنة إحدى حلفائها.
بما أنّ الصين تدير فوائض تجارية شهرية بمئات مليارات الدولارات، واحتياطيّاتها من العملات الأجنبية تصل إلى ترليونات الدولارات، فما ينقص من التقييمات في الأسواق من حيث تبادل السلع والسيولة لن يكون مشكلة. فعلى الرغم من أحلام اليقظة لدى دول الناتو، لن تبقى الموارد الروسية في حقولها وحظائرها في مواجهة التعفن.
نظراً لأنّ الصين وروسيا شريكان تجاريان رئيسيان لبعضهما البعض، ويملكان تسهيلات وآليات مزدهرة لتبادل العملات فيما بينهما، فقد عنت العقوبات الغربية فرض ضرورة لزيادة هذه التجارة والتوسع في أسواق التبادل تلك. أشار البنكان المركزيان لروسيا والصين، منذ فترة طويلة حتّى عام ٢٠١٤، إلى نواياهم للقيام بذلك من خلال التوقيع عل اتفاقية خطّ مبادلة السيولة للبنك المركزي بقيمة ١٥٠ مليار يوان لمواجهة العقوبات الأمريكية.
على الرغم من رغبة الناتو في عكس هذه الحال، فروسيا مهمّة جداً عسكرياً واقتصادياً ومالياً للصين بحيث إنّ خيانة مصيرهما المشترك ليس خياراً بالنسبة لبكين. ستستمر أسواق المقايضة والمشتقات الأخرى في النمو من حيث الحجم والتعقيد سواء بمشاركة دول الناتو أو بدونهم. يمكن للجهات التنظيمية الروسية والصينية ومن يريد مشاركتهم أن تحدد في عقودها مكان وآليات التسليم، تماماً كما تفعل الأسواق الأمريكية للبطاطا والبرتقال والقهوة والمواشي وغيرها. ستكون الفترة الأولى هي فترة «أبقه بسيطاً».

آليات قائمة وتطويرها مستمر

يعني هذا أنّ العديد من المنتجات سيتمّ عرضها من قبل صانعي السوق الذين تنظمهم الحكومة في الموانئ الروسية، مثل بريمورسك وناخودكا ونوفوروسيسك وأوست- لوغا ومورمانسك وسوكول سخالين وفارنداي، والتي تتعامل فيما بينها مع الجزء الأكبر من صادرات الغاز والبترول الضخم في روسيا. يمكن للشركاء الهنود والباكستانيين والصينيين أن يأخذوا هذه المواد من أيّ من هذه الموانئ بشكل مباشر، أو تسلمها في أيّ مكان خارج روسيا عبر مشغلين متفق عليهم بين الأطراف. ستلعب الشركات الروسية روسنفت ولوكأويل وسورغوتنفتغاز وغازبروم وتاتنفت وما يشبهها من الكيانات الروسية دوراً رئيسياً في تشغيل هذه العمليات.
لا شيء ممّا ذكرناه جديد كلياً، خاصة بين روسيا والصين. كما أنّ هناك تجارب جيدة، كمثال تمتلك شركة آرامكو السعودية نظاماً متطوراً للغاية لإدارة إمدادات النفط بالكامل، كما كان لدى جنوب إفريقيا نظام مشابه فيما يتعلق بمخزون الذهب الهائل. مع وجود مثل هذه الثروة الهائلة التي يحتاجها الجميع على المحك، ومع توفر الكثير من فرص استثمارها وقدرات الابتكار لدى دول «بريك»، فتجميع كلّ هذا معاً وتنسيقه وتوسيعه عالمياً أمر قابل للتحقيق وممكن بشكل كلي.
إذا افترضنا لأغراض توضيحية أنّ فلاديفوستوك كانت ميناء التصدير الروسي، وكان ميناء شنغهاي هو ميناء الاستيراد الصيني، سيكون لدينا أسعار فورية في كلا الميناءين مرتبطة بسعر التسليم المؤجل Carrying rate، بالطريقة ذاتها التي تعمل فيها أسواق مشتقات الذهب، ومعدلات فائدة الحكومة الأمريكية، والسعر المعروض بين بنوك لندن LIBOR، مع فارق بسيط أنّ الغرب خارج هذه العملية.
اعتماداً على تطورات الأوضاع السياسية في روسيا، قد يكون التسليم المؤجل مساوياً أو أعلى أو أدنى منه بالمقارنة مع LIBOR. سيضع مثل هذا المعيار الصيني-الروسي الموجّه من قبل الدولتين ضغوطاً غير مسبوقة على مراكز تسعير مثل لندن، فبقاء البريطانيين على موقفهم من العقوبات سيعني أنّهم باتوا أكثر عرضة للتنمّر والضغط وأضعف استجابة للتطورات العالمية.
قد يعني ذلك أنّ يتحوّل السعر المعروض بين بنوك شنغهاي SIBOR إلى مركز تتبعه معدلات تسعير أخرى مثل تسعير بنوك طوكيو TIBOR، ما يعني بكل بساطة، وبشكل عملي لا يمكن مقاومته، استبدال معدلات تسعير LIBOR على النطاق العالمي. يتم اليوم بالفعل تعزيز هذه العمليات من قبل الصين عبر منحها قروضاً تفضيلية طويلة الأجل لشركائها التجاريين الإستراتيجيين، وحتّى عرض تمويل مشترك لمناطق الموارد مثل سخالين بالشراكة مع طوكيو إن رغبت بذلك. مع قيام الصين بتقديم قروض إستراتيجية طويلة الأجل، وبكميات وأحجام أكبر بكثير ممّا فعلته اليابان يوماً، سيضيف ضغطاً صينياً- روسياً على طوكيو، ويختبر صبر اليابانيين على البقاء إلى صفّ الأمريكيين ومشاهدة أسواقهم تتبدد وتنهار قبالة أعينهم.
نظراً لمدى جوع الموارد المتزايد الذي سيصيب الاتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا، يمكنهم الدخول بين بعضهم ومع الولايات المتحدة في لعبة منافسة صغيرة لتحديد الأكثر مرونة بالاستجابة للأوضاع الجديدة. ومع ذلك، وبما أنّ النظام الصاعد سيجبرهم على تجريد أنفسهم من احتياطات الذهب الموجودة لديهم إن كانوا راغبين بشراء الموارد التي تنقصهم من روسيا، فمن الأفضل أن يكون سياسيو هذه البلدان الأشبه بنجوم هوليود قادرين على تأمين ما يكفي من بدائل الذهب كي يوزعوا ميداليات الرابحين في المنافسة التي سيلعبونها.

1068-040

اكتشاف الأسعار

إذا ما عدنا إلى الواقع الحالي سندرك أنّ تحقيق العمق والسيولة في الأسواق الصينية الروسية الناشئة شديد الأهمية لنجاحها، ما يعني أنّ التسعير المناسب سيكون ضرورياً. يمكن للنفط أن يمنح عدداً من الطرق للقيام بالأمر واحتذاء حذوه. لنفترض بأنّ السعر الفوري في أمستردام هو ١٠٠ دولار أمريكي للبرميل، وأنّ السعوديين يريدون ثمناً لبرميل نفطهم ٧٠ دولاراً. سيكون لدى السوق الناشئة هامش ما بين ٧٠ إلى ١٠٠ دولار لاكتشاف السعر المناسب في فلاديفوستوك كمثال.
إن قرر المشرفون بأنّ ثمن ١٠٠ دولار «أو ٦٠ دولاراً ربّما» هو الثمن المناسب، فسيتم دفع هذا المبلغ باليوان الصيني أو الروبل الروسي أو الروبية الهندية أو الباكستانية، بحيث يتمّ خصم تكاليف الواردات الصينية والهندية والباكستانية منها، عبر وكلاء معتمدين من أطراف التبادل قادرين على تداول الروبل فيما بينهم لتسوية الحسابات.
نحن هنا لا نتحدث عن أسواق سورية والعراق حيث يمكن للغرب أن يقوم بأعمال قرصنته ولصوصيته الوقحة بسهولة، بل عن الصين التي تملك نقوداً كافية لدفع عجلة العمل لقرون قادمة، والقدرة العسكرية والسياسية اللازمة لحماية طرق وموارد عملها.
الأمر الآخر الذي يمكن لهذه الأسواق الناشئة أن تقوم به، ما يجعلها قدوة سريعة، هي إلغاء دور المضاربة. الأسواق الغربية، وتحديداً الأنغلو- أمريكية، معرضة بشكل كبير ومتعمد ومجنون للمضاربين الذين يعمدون إلى تعميق وتوسيع أسواقهم. بينما الأسواق الناشئة ليست كذلك وقادرة على منح الثبات اللازم لإجراء عقود آجلة مستقرة.
الهدف الأساسي والأهم من هذا السوق، الذي يتشكّل اليوم أمام أعيننا، هو إعطاء جميع شعوب العالم- وبشكل خاص روسيا والصين والهند- اللبنات الأساسية لتأمين مستقبل قابل للحياة لهم ولغيرهم. مستقبلٍ خالٍ من قرصنة البحرية الإمبريالية ومن افتراس سوق لندن لتبادل المعادن، وبورصة شيكاغو التجارية وكلّ المراكز المالية المتحالفة معهما.
يعتبر الأنغلو- أمريكيين أنّ لهم الحق في الهيمنة عبر عملياتهم المحاسبية وتسوياتهم التجارية التي ورثوها عن أسيادهم الهولنديين بعد معاهدة وستمنستر في ١٦٧٤. لكنّهم كسالى لدرجة أنّهم لا يدركون أنّ سفنهم أبحرت بعيداً، وأنّ كتائب الصين المحاسبية، وآلياتهم عالية التقنية، جعلتهم ببساطة زائدين عن الحاجة. سوف تتفوّق الآليات الروسية والصينية والهندية والباكستانية على لندن بشكل حتمي، يشبه حتميّة مجيء النهار بعد الليل.
ورغم أنّ نقص السيولة في الذهب واليوان قد تمّ الإشارة إليه بوصفه حجر عثرة أمام قيام الوسطاء الصينيين والروس الذين يعملون جنباً إلى جنب في شنغهاي وفلاديفوستوك بتسوية وتصفية العمليات الحسابية بعملات مقبولة وغير معادية، فهذا الأمر لن يقف عائقاً. سيستمر العمل، بل إنّ الاستقرار الحالي للروبل وأسعار النفط «المفرطة في التضخم» يوضحان ذلك، ويجعلان روسيا والصين والهند يتفرجان بضحك على التهديدات الأمريكية.

قصّة عملتين

لا شيء ممّا قلته رأي، بل هو بأغلبه حقائق سوقية. فعلى الرغم من قيام صحفيي الناتو بإخبارنا بأنّ أوكرانيا تنتصر في الحرب، فالأسواق تشي بعكس ذلك. نظراً لأنّ قيمة العملة الأوكرانية قد انخفضت بأكثر من النصف منذ الانقلاب الفاشي عام ٢٠١٤، الذي أتى مصحوباً «بالإصلاحات» النيوليبرالية التي دمرت مستويات المعيشة وتسببت في تصنيف البلاد في المرتبة الثانية من حيث الفقر في أوروبا بعد مولدافيا، فقد تحدّت هذه العملة الجاذبية في مقدار السقوط، حيث تحولت قيمتها من ١,٧٦ أمام الدولار في ١٩٩٦، إلى ٣٠ أمام الدولار في النزاع الجاري.
كان أداء العملة الأوكرانية مذهلاً زمن الحرب، فعلى عكس العملات البلغارية والبوسنية، كانت العملة الأوكرانية عملة عائمة حرّة منذ عدّة أعوام. باتت «مرونتها» الحالية ملحوظة مع العمليات العسكرية الجارية، ومع فرار أكثر من أربعة ملايين شخص يتوقون للتجرّد من أصولهم ومن عملتهم شبه عديمة القيم. وذلك جنباً إلى جنب مع الهروب «البافلوفي» لرأس المال المملوك للنخب الأوكرانية كاستجابة طبيعية للاضطرابات. التفسير الوحيد لبقاء العملة الأوكرانية موجودة اليوم هو أنّ النخب الأوكرانية الفاسدة بالتواطؤ مع القوى الأجنبية تحافظ عليها بشكل هزلي مصطنع.
في المقابل، انخفض الروبل الروسي من حوالي ٦٥ إلى ١٥٠ مقابل اليورو، على إثر الهجمات غير المسبوقة على كلّ شيء روسي في محاولة لدفع المجتمع الروسي إلى الانهيار من الداخل. لكنّ الروبل كان قادراً بسبب ارتباطه باقتصاد حقيقي على الانتعاش دون مساعدة مصطنعة وغير قانونية كالتي تتلقاها العملة الأوكرانية. قصّة العملتين هذه ليست قصّة روسيّة وأوكرانية فقط، فآثار ما يحدث لن يمرّ مرور الكرام في لندن، وربّما الأهم في بكين.

قرصنة وإعادة حسابات

جميعنا يعلم بأنّ البحرية الأمريكية وحلفاءها البريطانيين يحنون إلى أصولهم كقراصنة، ولهذا يقومون بأعمال من قبيل اختطاف ناقلات النفط الإيرانية. لكن لا الأمريكيين ولا البريطانيين أو الأوروبيين- كما نأمل- لديهم الجنون الكافي لإطلاق النار واعتراض سفن محمية بقوات مسلحة نووية لروسيا أو الصين أو الهند أو باكستان، فهناك سيكون عليهم اختبار أشياء قد لا يكونون قادرين على احتمال نتائجها، لا عسكرياً ولا اقتصادياً.
من أعمال القرصنة غير العسكرية المتوقعة هو محاولة دفع الأسواق الناشئة للانهيار من الداخل. لكن مع مراقبة السلطات التنظيمية الروسية والصينية والحليفة، فأية محاولة من هذا القبيل ستفشل. علاوة على ذلك، نظراً لوجود طلب كبير على الصادرات الروسية، وبما أنّ رهاب روسيا الأنغلو- أمريكي قد مزق قانون العقود الذي وضعوه بأنفسهم، فقد يجد الغربيون أنفسهم في حالة يرثى لها من التسابق على فتات الموارد خارج هذه الأسواق.
كما أنّ مصادرة الاحتياطيات الروسية من قبل النظام الأنغلو- أمريكي تشير إلى أنّ الثقة بين «اللصوص» معدومة، ما يجعلنا نتوقع مقاومة كبيرة حتّى في ألمانيا واليابان وبقية الدول التابعة التي تخشى الذوبان بشكل نهائي دون قدرة على العودة. سيكون من المشوّق رؤية أحوال مجموعة الستّ الكبار، ولا يمكننا أن نقول سبع لأنّ كندا ليست اقتصاداً كبيراً وهي موجودة فقط لمنح الولايات المتحدة نفوذاً إضافياً.
عدم قدرة الأمريكيين على إسقاط الروبل والاقتصاد الروسي رغم سرقة الأصول والضغوط الهائلة، عنت بأنّ عمليات تحقيق السلام الروسية في أرمينيا وسورية وأوكرانيا مستمرة، وأنّ الصين والهند وباكستان يدركان أين تصبّ مصالحهما الاقتصادية دون قدرة الأمريكيين على التشويش عليها، ما يعني أنّ أيام أمريكا كفتى العالم المتنمر قد انتهت.
كان مؤيدو وناخبو هتلر يعتقدون بأنّه يكفي إن صدرت الأوامر بضرورة التبرع بالغذاء والصوف الشتوي للتعامل مع الأحوال الجوية السيئة للجنود الألمان في روسيا. يذكرنا هذا إلى حدّ ما بقيام بعض الوزراء والمسؤولين الحكوميين الألمان بإخبار شعبهم بأنّ عليهم ارتداء جواربهم وكنزاتهم الصوفية في الشتاء، مع فارق أنّ ألمانيا ٢٠٢٢ لم تصل بعد إلى الحالة المروعة التي كانت فيها ألمانيا في ١٩٤٢.
تحتاج ألمانيا إلى الغاز الروسي، ولا تستطيع ناقلات الغاز الطبيعي المُسال العالمية البالغ عددها ٦٠٠ بسعتها الوسطية ١٤٠ ألف متر مكعب من الغاز، توفير هذه الاحتياجات، وذلك بفرض أنّ هذه الناقلات يمكنها أن تتخلص من ارتباطاتها التعاقدية. سيكون على الألمان مواجهة البرد الذي واجهه أجدادهم عند انهيار الرايخ الثالث في حال لم يحصلوا على الـ ١٥٠ مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي.
نشهد تحولاً عالمياً مماثلاً للذي حدث أيام بريتون وودوز الذي فرضته الولايات المتحدة على أوروبا المدمّرة. إن تمكنت أوروبا اليوم من شقّ عصا طاعة الأمريكي الذي لا يبالي بتخريبها، بل يسعى إليه ضمن الهيمنة وتدمير منافس اقتصادي، يمكنها الاستفادة من الترتيبات والأسواق الجديدة الصاعدة. إن لم يحدث ذلك، فتلك الأسواق لن تحتاج أحداً من الغرب كي تزدهر.

بتصرّف عن:
The Rise and Rise of the Sino-Russian Strategic Energy & Metals Market

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:20