تزعزع الثورة المضادة في اليونان كمرآة دقيقة للتحولات العالميّة
بانوس بيترو بانوس بيترو

تزعزع الثورة المضادة في اليونان كمرآة دقيقة للتحولات العالميّة

بدأ العام 2021 في اليونان بهجوم شنته الحكومة عبر قانون جديد يهدف إلى تسريع الإجراءات النيوليبرالية في التعليم العالي، ومركزة الشرطة بشكل دائم في الحرم الجامعي، وهو الأمر ذو الرمزية العالية، تبعاً لكون الجامعات خاوية من الشرطة منذ مظاهرات الطلاب في السبعينيات لإسقاط الدكتاتورية. تعرّض الحق بالتظاهر لضغوط مستمرة، إمّا من خلال مختلف القوانين والمراسيم، أو بحكم الأمر الواقع من خلال القمع الأمني للمتظاهرين. توضّحت رغبة الحكومة بشنّ حرب ضدّ اليسار الجذري. أثارت الحملة الاستبدادية استياءً كبيراً، وصل ذروته في عطلة نهاية الأسبوع من 13 و14 آذار في الكثير من مدن اليونان، وفي معظم أحياء العاصمة أثينا. عودة الجماهير إلى الشارع تخلق وضعاً جديداً، ويستحق الأمر إيلاءه اهتماماً يجاوز التغطية الإعلامية المباشرة للأحداث.

قبل عام من انتخابات 2015، تحدث السياسيّ اليميني ماكيس فوريديس «وزير الداخلية الحالي» أمام حشد صغير لدعم حزب «الديمقراطية الجديدة» اليميني. أعلن في حينه: «سوف لن نسلّم البلاد لليسار... ما دافع عنه أجدادنا بالبنادق– في إشارة إلى الحرب الأهلية 1946 إلى 1949 عندما فرض القوميون نظاماً إرهابياً ضدّ الحزب الشيوعي– سندافع عنه اليوم بأصواتنا. لا تخدعوا أنفسكم، التصويت القادم لا يدور حول اختيار حزب، أو برنامج اقتصادي، إنّها مواجهة إيديولوجيّة هائلة بين عالمين مختلفين».

خسر معسكره المعركة في ذلك الوقت لصالح سيريزا الذي شكّل الحكومة بقيادة تسيبراس. البقيّة معروفة لهذا سنوجزها: الجهود للوصول إلى تسوية مع الترويكا «صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية»، واستسلام أليكسيس تسيبراس وتوقيع مذكرة التقشف الثالثة. قبل تسيبراس بشروط الترويكا رغم أنّ الاستفتاء على عدم الرضوخ كان بنسبة 61% في تموز 2015، الأمر الذي عبّد الطريق لعودة اليمين إلى السلطة.

في انتخابات 2019 فاز حزب «الديمقراطية الجديدة» بانتخابات هامّة، حيث أشارت نتائج الاقتراع إلى ميل الرأي العام إلى الخطاب الشعبوي. خيانة سيريزا وتحولها الإيديولوجي الذي تلا ذلك لتبرير الخيانة، أعاد تأهيل فكرة أنّ خلق بيئة مفضّلة للمستثمرين «النيوليبرالية» هي الطريق الوحيد للخروج من الأزمة. استغلّ حزب «الديمقراطية الجديدة» المزاج السائد ليستثير المشاعر المحافظة الاجتماعية كوسيلة لتقوية موقفها أثناء وجودها في المعارضة.

يمكن لكلمة وزير الداخلية ماكيس فوريديس اليوم، التعبير عن موقف تيّاره: «سنقوم بجميع التدخلات الضرورية لضمان عدم عودة اليسار إلى السلطة». في الحقيقة فوريديس يعبّر عن اليمين الشعبوي اليوناني المعاصر بشكل ممتاز. فقد قضى شبابه في مجموعات فاشيّة جديدة تستخدم الأسلحة في الشوارع ضدّ المظاهرات المناهضة للفاشيّة. يحبّ أن يشير إلى المفكر اليساري أنطونيو غرامشي في خطبه وإلى مفهوم «الهيمنة»، في شرحه لخطط تياره طويلة الأمد «لإلحاق هزيمة إستراتيجية بالأفكار اليسارية– شيء أكبر من مجرّد نسبة مئوية انتخابية، شيء يوجد في الجامعات وفي الفنون وفي النقابات وفي عقول الناس».

لكنّ هذا التيّار الذي يريد «السيطرة على العقول» يدرك أيضاً مدى أهميّة القوة والعنف في الحكم، ولهذا نراهم اليوم يتغنون «بديمقراطيتنا الليبرالية». وهذه الديمقراطية الليبرالية لديها مشروع حقيقي اليوم تسعى حكومة قيرياقوس ميتسوتاكيس إلى تنفيذه، يتمثّل في الدفاع عنها ضدّ النقابات والحشود اليسارية والمتظاهرين في الشوارع.

تصعيد القمع المباشر

مثل بقيّة أوروبا والعالم الغربي، تمضي الحكومة اليونانية بخطواتٍ سريعة لإقرار نهج القمع المباشر. شكّل الإحباط الذي تركته خيانة سيريزا للشعب فرصة لليمين لانتهازها وتعزيز شعارهم: «علينا إنهاء ميتابوليتيفسي». تعني ميتابوليتيفسي حرفياً «تغيير النظام السياسي»، وتصف التحوّل إلى الديمقراطية عقب سقوط الدكتاتورية العسكرية في 1974. تعني إنهاء ميتابوليتيفسي بالنسبة لليمين، إنهاء التقاليد النضالية في السبعينيات، وانتصارات الحركة العمّالية و«هيمنة» اليسار.

قامت حكومة ميتسوتاكيس على الفور بشنّ هجوم بهدف تنفيذ سياسات نيوليبرالية متطرفة والإخلال بتوازن القوى بين العمّال وأرباب العمل. وللأسف فقد استندوا إلى السوابق المأساوية التي وضعتها حكومة سيريزا ولم يفوّتوا مناسبة للتنويه إلى ذلك.

منذ آذار الماضي كان ظهور الوباء عاملاً كاشفاً بشكل كبير. كانت إدارة الوباء كارثية، حيث رفضت الحكومة تنفيذ أيّة سياسة كانت لتساعد في التعامل مع الوضع. لم يحدث أبداً إغلاق حقيقي في القطاعات الاقتصادية الرئيسة «المصانع والمكاتب... إلخ»، وما بُذل أيّ جهد لفرض تدابير السلامة الصحيّة على أرباب العمل. كان على النظام الصحي الوطني المنهار بالفعل أن يخوض حرباً بلا جنود «أطباء» ولا أسلحة «وحدات عناية مركزة وقدرات على إجراء التحاليل». لم يتم حتّى تعزيز نظام النقل العام لتجنّب الاختلاط والازدحام في وقت الذروة. لا يزال الموظفون حتّى اليوم مجبرين على الذهاب إلى العمل كالمعتاد، ثمّ تحمّل حظر التجوّل والقيود التي تؤثر على «أوقات فراغهم». لم تتم الاستجابة لالتماسات التلاميذ بتصغير حجم الصفوف لتصبح المدارس أكثر أماناً، فهذا كان سيتطلب توظيف المزيد من المعلمين و/ أو بناء المزيد من المدارس.

أيّ جهد للتعامل بشكل حقيقي مع هذه المشاكل سيعني قطيعة مع التوجه النيوليبرالي. أيّ أطباء جدد ووحدات مستشفيات عامة وأسِرّة جديدة، وسائقون وأسطول من المركبات الجديدة لخدمة النقل العام، ومدرسون جدد وموظفون أكثر يمكن أن تكون حلولاً «دائمة»، الأمر الذي لا يمكن للنيوليبراليين تحمله.

بعد التجمّع المذهل لمناهضي الفاشيّة أثناء محاكمة «الفجر الذهبي»، شنّت الحكومة هجوماً وقائياً مضاداً. تمّ تعليق المادة 11 التي تحمي الحق في التظاهر مرتين بأمر من قائد الشرطة. في وقت لاحق تمّ اعتقال عشرات الناشطات اليساريات لمجرّد التلويح بلافتة احتجاج على العنف ضدّ المرأة في 25 تشرين الثاني. القانون الذي تمّ تمريره صيف 2020 يمنح الشرطة الضوء الأخضر لتقرر بشكل تعسّفي «مدى التهديد المحتمل» وحظر التجمّعات العامة.

أدركت الحكومة أنّ الغضب الشعبي يغلي تحت السطح، وأنّ تأثير الأزمة الاقتصادية سيتفاقم بمرور الوقت، ولهذا حاولت فرض «الوضع الطبيعي الجديد» حيث تكون جميع الاحتجاجات خطرة، ويتم عزل جميع «الأقليات النشطة» وقمعها بشكل شديد، بأمل ضرب قدرة التنظيم وحشد المزيد من الناس.

مرآة لتصرفات النخب العالميّة

المشكلة الرئيسية التي تواجه حزب «الديمقراطية الجديدة» أنّ دعامة «الثورة المضادة» قد انهارت. النيوليبرالية تعيش حالة أزمة منذ 2007. يريدون تتبّع خطا مثالهم الأعلى مارغريت تاتشر، ناسين أنّ الوضع العالمي والدولي مختلف، والأهم، أنّ الوعود الكاذبة بالنمو الاقتصادي المستدام وتجنّب الآثار السلبية لا يمكن أن تصمد إلى الأبد.

في اليونان المعاصرة، تلقّت شرائح من القطّاع الخاص ضربة كبيرة بسبب الأزمة المستمرة والوباء. الأزمة ضربت بشدّة مؤيدي الحكومة: أصحاب الأعمال الصغيرة وبعض أصحاب المهن. قطّاع البرجوازية الصغيرة التي أملت بأن تكون «الحكومة الودودة مع الأعمال» حلاً لمشاكلهم، يواجهون اليوم وضعاً كارثياً. أرباب العمل كانوا تحت ضغط هائل منذ 2010، وحتى أثناء الأيام الخوالي قبل الأزمة المالية لم يكن وضعهم جيداً. واجهت استعادة النيوليبرالية التقليدية- بوصفها «الحسّ السليم» وتحول المجتمع اليوناني إلى بيئة «صديقة للأعمال» عقبات كثيرة، بما فيها نضالات العمّال من أجل حقوقهم. ولهذا عززت الحكومة دعامة وجودها الثانية: «الحرب على اليسار». تستخدم في ذلك السلطوية والإيديولوجية المحافظة. ففي ذات الوقت الذي تقوم فيه قوات الأمن بالعمل القمعي، يحاول الهجوم الإيديولوجي تشويه سمعة اليسار الجذري من خلال تقديمه على أنّه «العدو الداخلي» الذي يستحق أن يُعامل بوحشية. بات خطاب «القانون والنظام» هو الأمر الوحيد الذي يمكن للسلطة الحاكمة تقديمه كسبب لوجودها، وهو ما بات يترنّح تحت ثقل الأزمة المالية.

نرى هذه المحاولات في جميع القطاعات. لدينا مثال صغير عن العقلية السلطوية السائدة، لكنّه مثال ممتاز. على إثر الفضيحة التي انتشرت عن التحرّش والعنف الجنسي في الوسط الثقافي، وذروته قيام رجل الحكومة مدير المسرح الوطني باغتصاب مراهقات من الوسط الفني بشكل منهجي، حاولت الحكومة حمايته في البداية، لكنّها اضطرّت للتضحية به في نهاية المطاف. لكن من المنطقي بعد كلّ ما جرى أن تستقيل وزيرة الثقافة على إثر الدعوات المستمرة لذلك. رغم أنّ استبدالها عادة سيكون أمراً سهلاً وغير مكلف ضمن عمليّة تغيير الوجوه، إلّا أنّ السلطة اختارت الدفاع عنها. تمّ تصوير الأمر في وسائل الإعلام السلطوية بأنّه «بروباغندا يسارية»، وأنّ الحكومة هي «الضحيّة» بعد محاولاتها إعادة ربط الفنون والثقافة اليونانية «بالروح الإغريقية التقليدية القديمة». ليس هذا أكثر من انعكاس لانزياح النخب العالمية نحو الإيديولوجية «الشعبوية» في جميع البلدان المأزومة رأسمالياً.

ينطبق ذات الأمر على تعامل السلطة مع إضراب السجين ديمتريس كوفونتيناس، العضو السابق في منظمة «17 تشرين» اليساريّة- العسكريّة المنحلّة، عن الطعام. دون الدخول في التفاصيل، أضرب كوفونتيناس البالغ من العمر 63 عاماً ضدّ السلطة لعدم منحه حقوقه المنصوص عليها في الدستور وقانون العقوبات، فتعاملت السلطة مع الأمر بمنتهى القسوة والوحشيّة بطرق متعددة– سابقة ولاحقة للإضراب. وكانت الحكومة واضحة في أنّها مستعدة للوصول إلى «موته جوعاً». يذكرنا هذا الموقف برمزيته بمارغريت تاتشر من جديد، وهي التي تركت بوبي ساندرز ورفاقه العشرة يموتون من الجوع ضمن إضرابهم عن الطعام.

حدود القمع والشعب الغاضب

بالنسبة لبعض المحللين كان هذا تطبيقاً حرفياً لما يسمّى «إستراتيجية التوتّر». تمّ تطبيق الإستراتيجية الأصليّة في إيطاليا في السبعينيات، في الوقت الذي كانت فيه المجموعات اليسارية مسلحة. لكن في ظلّ غياب مثل هذه الجماعات في اليونان اليوم، أطلقت السلطة اليونانية نسختها عن «شبح العنف». اعتمدت خطب ووسائل الإعلام السلطوية نهج جميع مؤيدي الإضراب وحقوق المرأة، هم مؤيدون ومتعاطفون مع الإرهاب، وبالتالي فتصرفات السلطة ضدّهم هي حرب على الإرهاب.

بدأت قوات الأمن بعمليات استباقية ضمن معايير جديدة لتطبيق القانون. قامت «وحدات مكافحة الشغب» باستخدام العنف المفرط في تفريق حشد من بضع عشرات من الأشخاص لدعم المضربين عن الطعام، قبل أن يتاح لهم الحد الأدنى من الوقت للتجمّع ورفع لافتاتهم. كان الهدف من ذلك هو وضع سابقة لجميع النضالات المستقبلية، وتقسيم الشارع إلى «مصفقين للعنف من أجل القانون» و «إرهابيين محتملين»، مع كلّ ما يتتبع ذلك من ضخّ إعلامي وإيديولوجي.

لكنّ الأمر لم يجدِ نفعاً، ولا يمكن أن تتكرر فترة السبعينيات والثمانينيات حين تمكنت الأنظمة النيوليبرالية من استخدام العنف بنجاح. في شهر كانون الثاني شنّ طلاب الجامعات مقاومة هائلة ضدّ القانون الجديد الذي يسرّع التحولات النيوليبرالية في التعليم العالي، ويسمح بتواجد الشرطة بشكل دائم في الحرم الجامعي. اجتمعت الحشود وضمّت آلاف الطلاب.

وحتّى «قضيّة كوفونتيناس» اتخذت منعطفاً مختلفاً. تدهورت صحته أسبوعاً بعد أسبوع، وبات من الواضح أنّ اليونان على وشك أن تصبح أوّل دولة أوروبية يموت فيها مضرب عن الطعام منذ 1981. بدأت المؤسسات اليونانية الأوروبية والعالمية، مثل: أعضاء في البرلمان الأوروبي، ومنظمة العفو الدولية بقسمها اليوناني، تشعر بالحرج، وتتالت الاتهامات والانتقادات للحكومة اليونانية. التدخل العلني الوحيد الذي دعم الحكومة اليونانية كان من مسؤولي الولايات المتحدة. لا يجب اعتبار ذلك مفاجأة فهم مسؤولون عن سجون غوانتنامو ومراكز الاعتقال السريّة حول العالم.

الشرطة التي باتت تعمل بوحشية في الحدائق والأحياء والساحات العامّة، راكمت لدى الناس تجارب مريرة يومية، فباتت ترى فيها «جيش احتلال». في مرحلة ما من القمع، يتوقف الاستخدام المستمر له عن ترويع السكان، وينتهي به الأمر إلى إثارة سخطهم أكثر. كانت الأحداث التي وقعت في بلدية نيا سميرني في أتيكا بمثابة شرارة.

في ساحة نيا سميرني قامت الشرطة بتهديد عائلة تجلس على كرسي الحديقة «دون أن تجري تمرينات رياضية نشطة، وهو سبب يسمح للناس بالتجوّل أثناء الحظر». دعم الشباب المحليون العائلة، فقامت الشرطة باستقدام تعزيزات «لتهدئة الحشد المعادي». انتشرت مقاطع الفيديو على الإنترنت، وكانت نسخة رواية الشرطة التي نشرتها وسائل الإعلام السلطوية «بأنّ الشرطة قد تعرضت لكمين عنيف» محطّ سخرية. في مساء ذات اليوم سار أكثر من ألف شخص في البلدة للتظاهر أمام مركز الشرطة المحلّي، فتمّت مهاجمتهم بالغاز المسيّل للدموع والعنف والرصاص المطاطي لتفريقهم.

في اليوم التالي، وبعد أن تفاعل الإعلام بشكل متناقض مع المسألة، أتى الانفجار. أكثر من عشرة آلاف شخص تجمعوا في ساحة بلدية نيا سميرني. كان الجميع هناك: النقابات المنتسبة للحزب الشيوعي، وقوى اليسار الراديكالي، والسكان الذين لم يتظاهروا من قبل. وحتّى أنصار كرة القدم، قرروا تنحية خلافاتهم جانباً والتظاهر ضدّ وحشية الشرطة. لكنّ السلطة لم تفهم، واستمرّت الشرطة بمهاجمة الحشود، لكن هذه المرّة قاوم المتظاهرون وحدثت اشتباكات كبيرة. وفي ذات الليلة شنّت الشرطة عمليات انتقام همجيّة ضدّ كامل سكان البلدة في محاولة تلقين الجميع درساً.

التناقض بين التغطية الإعلامية الرسمية للأحداث، والواقع الذي غطّته مقاطع الفيديو التي انتشرت، كان أحد العوامل التي أثارت غضب العامّة. تذكّر الناس ما حدث في استفتاء 2015 عندما فقدت وسائل الإعلام مصداقيتها لدورها في دعم التصويت بنعم على تدابير الترويكا. ولم تفد تصريحات ميتسوتاكيس من «أنّ وسائل التواصل الاجتماعي غير الرسمية تشكّل تهديداً للديمقراطية لأنّها تقدم الواقع مشوهاً» إلّا بزيادة الغضب الشعبي.

نقطّة التحوّل

يمثّل ما حدث عودة الناس إلى الشارع، وليس نهاية القصّة. اليسار المناهض للرأسمالية لا يزال منقسماً ومرتبكاً في محاولته معالجة جراحه من 2015. تمّ إضعاف النقابات بشدّة، و«الحركة الجديدة» تفتقد إلى الأسس الحاسمة في الوقت الحالي.

لكنّ ما حدث ليس أمراً معزولاً عن سياق الأحداث القائمة منذ 2008 وصاعداً. تتصاعد إمكانية مواجهة آثار الهزيمة السياسية في 2015 بشكلها الأولي، جنباً إلى جنب مع إعادة تنشيط محتملة لقطاع من النشطاء السياسيين، الأمر الذي يبدو ملائماً لمرحلة سياسية جديدة.

يميل المحللون وكتّاب الأعمدة السياسية- في الإعلام الشركاتي السائد اليوم- إلى الإشارة لانتفاضة الشباب في عام 2008، وحركة الساحات في 2011، وتراجعهم في محاولة ليطمئنوا مؤيديهم ويحبطوا معارضيهم، بأنّ «هذا لن يحدث مرّة أخرى». في الحقيقة على الشعب الغاضب أن يضمن عدم تكرار الخيبات مرّة أخرى، وهذا لن يحدث دون تنظيم جذريّ حقيقي يقود الناس، لا يكون مستعداً للمهادنة مع الآليات الرأسمالية والنيوليبرالية.

موقف السلطة من التنوّع الذي شهده الحراك الشعبي الجديد يشي بنيتها محاولة تقسيمهم دون شك، لكنّه يشي أيضاً بخوفهم من أشباح الكفاحات القديمة التي أسقطت الديكتاتورية من قبل، والقادرة اليوم على تخطّي قوى الثورة المضادة ورميها من غير رجعة.

بتصرّف عن: Greece: Broad response to the neoliberal authoritarianism of the right-wing government

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013
آخر تعديل على الإثنين, 12 نيسان/أبريل 2021 14:08