رياضتنا نحن البشر... حبيسة النظام الرأسمالي العالمي
يتحدث الكثير من النقاد والمهتمين اليوم عن «تسليع» الرياضة المعاصرة، متجاهلين عمداً أو سهواً بأنّ الرياضة في الواقع كانت سلعة تصنعها عمالة مأجورة، منذ تقاضى «جاك بروتون» المال من الناس لحضور القتال داخل الحلبة عام 1743 على الأقل.
بعيداً عن نشأة الرياضة وعن ظروف تكون مؤسساتها، والتي تحتاج بحثاً كاملاً يتمّ تخصيصه لهذا الغرض، فقد كان صعباً على الرياضة التجارية أن تطوّر بنية دائمة أوسوقاً وطنياً جماهيرياً، يؤمن لها دخلاً إضافياً فاعلاً، يمكن استخدامه حتّى سبعينيات القرن التاسع عشر. لكنّ ارتفاع أجور طبقة العمال البريطانيين في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والتمدين الشديد، أتاح خلق مثل هذا السوق الجماهيري الذي يملك قوّة شرائية قادرة على دعم أحداث متكررة ومستمرة على طول الموسم. وقد وجدت ظاهرة مشابهة مكانها في الولايات المتحدة في نهاية الحرب الأهلية. شهد كلا البلدين على التوالي ولادة نظام الدوريات في الرياضة، وبشكل محدد في كرة القدم والبيسبول، وإلى مدى أقل في الكريكت والركبي. وهو الأمر الذي ضمن تقديم خدمات تسالٍ عالية الجودة لشريحة المشاهدين المدينيين المتسعة (1).
أندية في خدمة السوق الرأسمالي
لم يكن الترابط بين الرياضة والتجارة شيئاً هامشياً، ولم يكن الأمر يتمّ في الخفاء. لقد علم الجميع بأنّ الرياضة باتت سلعة للتسلية، أكثر منها نشاطاً اجتماعيّاً نقيّاً. فكما قال والتر كامب في بداية القرن العشرين، وهو أبو كرة القدم الأمريكية، بشكل واضح: «عليك أن تجد نقطة ضعف في اللعبة، وأن تجعل الصفوف تقوم بعدّة محاولات فاشلة، ثمّ تصل إلى النقطة حيث كلّ شيء جاهز للحظة الحاسمة، ثمّ تصل بالحبكة إلى حيث لا يتوقع أحد. ما هذا؟ تكتيك كرة قدم أم تكتيك أعمال؟ كلاهما بكل تأكيد (2)». لقد كانت كرة القدم على حدّ تعبيره: «المدرسة الأفضل لتغرس في عقول اليافعة رغبات ومطالب الأعمال».
لقد وجدت الرياضة، التي كانت حتّى تلك الفترة قادرة على الحياة بمعزل عن متطلبات السوق إلى حدّ ما، نفسها مخنوقة بازدياد تسلط النظام الرأسمالي عليها، وأكبر مثال يوضّح ذلك: هو كرة القدم الأوربية. فقد بدأت في تلك المرحلة تتكوّن العلاقات الحميمة بين الأندية، التي باتت اليوم تعرف بـ«الكبيرة»، وبين الشركات الكبرى. أحد الأمثلة الصارخة هو قيام شركة مانشستر للخمور عام 1902 بشراء نادي «نيوتن هيث» المفلس، وإعادة تسميته «مانشستر يونايتد» ليصبح واجهة الشركة الإعلامية. أو قيام شركة شيستر للخمور، المموّلة لنادي «مانشستر سيتي»، بإلغاء قرار مجلس إدارة النادي بالانتقال إلى ملعب آخر، وذلك لكونه يضرّ بسمعة الشركة لدى زبائنها التقليديين. جرت حوادث مماثلة في بقيّة أنحاء أوروبا عند قيام الشركات بتمويل نوادٍ لكرة القدم، مثل تمويل شركة فيات لنادي يوفنتوس الإيطالي، وشركة فيليبس لنادي بي.اس.فه أيندهوفن الهولندي.
لم يعد للأندية التي لا تتبع متطلبات السوق القدرة على البقاء في المنافسة، فقد اضطرت الأندية التي لم تجد لنفسها ممولاً كبيراً، أمثال أندية أعضاء الكنائس والنقابات العمالية، أن تتحول إلى مؤسسات منظمة سوقيا،ً وأن تطلب التمويل من المصارف، وأن تسعى لتحقيق الأرباح عن طريق الإعلانات وغيرها، من أجل دفع ديونها، وأن تربط نفسها بالأعمال المحلية، كي يكون لديها القدرة على البقاء والمنافسة. لم تزدهر كرة القدم بالطريقة التي نعرفها اليوم، كما غيرها من اللعب ذات الشعبية، لكونها «لعبة الجماهير» كما يشار إلى الأمر، بل «لكونها استطاعت خلق بنية أعمال مستدامة، يمكنها أن تتوسع في السوق الجماهيري الجديد في نهاية القرن التاسع عشر، ممّا قادها إلى تخطي الرياضات المنافسة لها في الشعبية (3)».
رسملة الرياضات
استمرّ التوسع في تسليع الرياضات أكثر فأكثر، مع استمرار التوسع المديني في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فباتت مأسسة الرياضة ببنى رأسمالية أمراً مصاحباً لزيادة القدرة على الاستهلاك والطلب على التسلية. ففي فرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى الألعاب الأكثر شعبية مثل كرة القدم، تمّ تسليع رياضات مثل ركوب الدراجة، وتمّت مأسسة مسابقاتها ضمن اتحادات إقليمية ووطنية، لتتحوّل إلى أحد مظاهر التعبير عن الانتماء لطبقة اجتماعية بعينها. فقد درج القول في فرنسا بأنّ «ركوب الدراجة يحوّل رقيق الأرض إلى رجال فرنسيين»، وشعار اتحاد الدراجين الإيطاليين الذي يقول: «ركوب الدراجات يجعل الإيطاليين يعرفون ما هي إيطاليا» (4).
ولم تسلم اليابان، الدولة ذات الرأسمالية الناشئة التي فتحت «إصلاحات ميجي» عام 1868 فيها الباب لنقل الدولة إلى رأسمالية قومية، من هيكلة الرياضة الرأسمالية هذه. فأدّى هذا الوضع إلى استيراد لعبة الركبي البريطانية، التي عملت النخب الثريّة اليابانيّة على إدخالها حتّى في المقررات المدرسية، وذلك على حساب رياضات تقليدية ذوى عودها وذبل، أو على حساب إعادة هيكلة رياضات تقليدية أخرى كالسومو التي «عصرنت» العديد من جوانبها، لتلائم الثقافة الرياضية اليابانية السائدة، والمستوردة من بريطانيا (5).
كسر الصورة النمطية حول السوفييت
كما هو متوقع من سير الأمور، فقد انخرطت الرياضة في التجاذبات السياسيّة منذ تأسيسها، وأهمّها انخراطها في الحرب الباردة. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بستّة أشهر فقط، قام فريق دينامو موسكو لكرة القدم بجولة لعب خلالها أربع مباريات في بريطانيا، في جوّ من ألفة ما بعد الحرب، ولكن لتطلق هذه الزيارة عقوداً من رياضة الحرب الباردة التي اضطر فيها الغرب، في محاولة استعادة سطوته، أن يغيّر من أساليبه بطرق غير معهودة (6).
لقد انضمّ الاتحاد السوفييتي إلى منظمات رياضية كان يعتبرها من قبل «برجوازيات رياضية»، من أبرزها الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية، وذلك ضمن سعي الاتحاد السوفييتي للارتباط بعلاقات طبيعية مع دول الغرب. وقد بدأ الاتحاد السوفييتي بفرض نفسه كقوّة رياضية في جميع المجالات، تساعدهُ في ذلك بنيته الاشتراكية التي تؤمن المنشآت الرياضية بالمجان لجميع مواطنيه، وتركيزه على دعم الرياضة، كونها تؤمن الدعاية المناسبة للنمط السوفييتي. وقد ساعده في مهمته المساواة بين الرجال والنساء، وبين الأعراق المختلفة المنضوية فيه، وهو الأمر الذي لم يكن بعد موجوداً في دول الغرب الرأسمال.
لم يستطع الغرب هضم كون الاتحاد السوفييتي عملاقاً رياضيّاً، وكون دول الكتلة الشرقية باتت قادرة على هزيمة الغربيين في ألعابهم التي يفاخرون بها، والأهم من ذلك: أنّه بات قادراً على هزيمتهم في الألعاب الفردية. فمن ضمن أجندة الغرب أنّ الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية هي «دول توتاليتارية لا يمكن للفرد فيها أن يجد طموحه وأن يرتقي»، ولهذا كانت الولايات المتحدة تعتبر الأولمبياد أهم منصة تظهر من خلالها تفوقها الرياضي.
أدّى هذا إلى اشتراك الحكومات والشركات الغربية بالتركيز على رعاية الرياضيين والاهتمام بهم، والضغط عليهم، في كثير من الأحيان، لتصل الأمور إلى مرحلة تعاطي المنشطات التي تكررت بشكل كبير. وقد أدّى تعاطي العقاقير والمنشطات، سواء من طرف رياضيي الغرب برعاية الحكومة والشركات، أو من طرف الرياضيين السوفييت برعاية الحكومة، إلى إزالة حتّى أبسط المثل العليا للرياضة، وإلى جعلها مجرّد عروضٍ تنافسيّة تافهة لصراع ديوك.
لكنّ التمازج الصريح بين الرياضة والسياسية قد شهد لحظات مضيئة، فمن الوقوف ضدّ العنصرية وضد حرب فيتنام، الذي قام به محمد علي، مروراً بالفهود السود في الأولمبياد، ولاعبة التنس بيلي جين كينغ، التي طالبت بالتنظيم النقابي بدلاً من سيطرة الشركات، ولاعب البيسبول كورت فلود، الذي رفض الهيمنة التجارية، وقام بمقاضاة اتحاد الكرة، وليس نهاية بيوجين ليا الذي أسس منظمة لاعبي كرة القدم الوطنية المناهضة للسيطرة الرأسمالية على اللعبة. لقد ناضل الرياضيون لتغيير شيءٍ ما في هذا المشهد الدرامي.
التطور التقني: لمصلحة من؟
أصبحت الرياضة، مثلها في هذا مثل السينما والموسيقى ذات الشعبية، إحدى صيغ التسلية في العصر الصناعي، والتي قدمت تجربة ذات تركيز عاطفي لجمهور المشاهدين والمستمعين. لقد أمّنت الرياضة متنفساً يعبّر فيه الإنسان عن المجد والألم والتشويق والحزن، وكلّ ذلك في أمسية واحدة. لكنّ الفارق في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية هو أنّ التطور التقني أتاح للجمهور أن يعيش هذه التجربة، دون الحاجة ليكون في الصالة أو الملعب. فبفضل الراديو أولاً، والتلفاز الوطني ثانياً والبث الفضائي فيما بعد والإنترنت ووسائل الاتصال المتقدمة حالياً، بات بإمكان مباريات كرة القدم أو السلّة أو غيرها من الأحداث الرياضية الفردية أو الجماعية أن تصل إلى ملايين المشاهدين، لتخلق مجتمعاً حقيقياً، مكوناً من متابعي هذه الرياضة المواظبين، والذين يتشاركون المشاعر والمعلومات والخبرات ذاتها، في الوقت ذاته، والذين باتوا يشكلون جمهرة تتخطّى في هويتها الحدود الوطنية.
لكنّ التلفاز والشبكات الإعلامية خلفه ليست بريئة، وهي لا يمكن بأيةِ حال من الأحوال إلا أن تدخل كجزء أساسي في تسليع الرياضة. فما أن ساعدت التقنيات المتطورة على انتشار التلفاز على نطاق واسع في المنازل، حتّى بدأت الرياضات تزوّد المشاهدين، وخاصة الذكور منهم، بمواد لا تنضب من الأخبار والعروض والنقل الحي والبرامج الرياضيّة الجذابة. لقد ماثلت العلاقة التبادلية بين التلفاز والرياضة تلك التي قامت في القرن التاسع عشر بين الرياضة والإعلام المطبوع. ويمكن مشاهدة هذه الظاهرة بشكل نقي في اليابان، التي لم تتطور ملكية التلفاز الفردي فيها، لتصبح قفزة هائلة حتّى استضافة طوكيو للأولمبياد عام 1964، وهي الأولمبياد الأولى التي بثت إلى أنحاء العالم كافة بالألوان وبالنقل الفضائي المباشر. لقد دفع هذا الحدث بالشركات اليابانية إلى أن تصبح أكبر مورد لأجهزة التلفاز ليس في اليابان وحسب، بل في أنحاء العالم كافةَّ أيضاً (8).
أصبحت شبكات التلفاز تتحكم إلى حدّ كبير بالأحداث الرياضيّة الكبرى لدرجة لا مثيل لها. فالأموال الطائلة التي تُجنى من حقوق بث الأحداث الرياضية، وتغطيتها، ووضع الإعلانات فيها، التي نشهدها اليوم، ليست أمراً جديداً كلياً، بل هي أمرٌ طبيعي بدأ مع بداية حقبة النقل التلفزيوني، وتزايد وتكرّس مع الوقت بسبب بنية الرياضة الرأسمالية المفتوحة لمثل هذا التدخل. فحقوق نقل مباريات دوري كرة قدم لم تكن تتجاوز الألف جنيه في بريطانيا، في بداية الخمسينيات، لتصبح 150 ألف جنيه في الستينيات. وقد تلقت رابطة كرة القدم الأمريكية مبلغ 50 مليون دولار عام 1970 من أجل حقوق بثّ مباريات الدوري. وقد حصل كلّ من محمد علي وجو فريزر على مبلغ 2.5 مليون دولار لخوضهما «مباراة القرن». وقد جنت ألعاب روما الأولمبية عام 1960 مبلغ مليون دولار كأول ألعاب تبيع حقوقاً تجارية، لتباع حقوق ألعاب ميونخ بعد ذلك بعقد بمبلغ 17.8 مليون دولار. لقد قدّر في نهاية السبعينيات بأنّ 97% من دخل لجنة الألعاب الأولمبية يأتي عن طريق التلفاز (9).
لم يعد هنالك أحدٌ منيع ضدّ المال في عصر التلفاز، وما تحويل المشاركة في الألعاب الأولمبية عام 1996 من الهواة إلى المحترفين، إلّا تكريساً لما بدأ كمسيرة متصلة لتسليع الرياضة، وما القوانين التي تسمح بمشاركة الأجانب في الدوريات الوطنية إلّا تكريسٌ لنهج التسليع هذا وليست بهدف التوائم بين الأمم المختلفة. إنّه «الانضباط» الذي يجلب المال ويكرس قواعد السوق. ولهذا فقد باتت الرياضة حبيسة النظام الرأسمالي أكثر من أيّ وقت مضى. لقد باتت اتحادات الرياضة والدول المتواطئة معها تخدم أصحاب المال بإخلاص، وصل حدّ تجريدها من روحها، والمثال الأكبر هو كأس العالم لكرة القدم وأولمبياد 2016، والتي قدّر بأنّها أدّت إلى تهجير 1.5 مليون برازيلي من منازلهم (10) من أجل إنشاء البنى التحتية اللازمة لإقامتهما. لقد وصلنا إلى النقطة التي باتت فيها المؤسسات «الرياضية» الرأسمالية عدوّة للإنسان.
«الانضباط» الرياضي...
والدولة داخل الدولة
الرياضة مجرّد تابع آخر للمنظومة الرأسمالية، والعامل الأكثر وضوحاً لهذه التبعية هو «الانضباط». يشبه نموذج «الانضباط» الذي تحاول الشركات فرضه على الرياضة من خلال الاتحادات والمنظمات الرياضية ذلك الذي كان سائداً في بنى العصر الفيكتوري. يبيّن تصريح كليف وودورد، مدير الرياضة في الجمعية الأولمبية البريطانية ماهية هذا «الانضباط» بشكل مجرّد ووافٍ: «لقد قادني الأمر إلى الجنون في بكين (أثناء أولمبياد عام 2008). فقد كان هنالك اثنان من بعثتنا يتجولان بخيلاء في القرية الرياضية، وهما يرتديان كنزتين من ماركة نايك، بينما أديداس هو الراعي الرسمي لفريقنا. كل ما سأقوله هو أنّ هذين الاثنين لم يقتربا من منصّة التتويج أبداً، وهذا الأمر لا يفاجئني لكونهما ليسا منضبطين (11)».
لقد وصل أمر الانضباط هذا إلى قيام رابطة محترفي السلّة الأمريكية «NBA» واتحاد كرة القدم الأمريكية بإصدار كتيّب قواعد للباس و«السلوك الشخصي» الذي يجب على اللاعبين الالتزام به في حياتهم خارج الملعب. قامت وكالة مكافحة المنشطات بدورها باعتماد مستحضرات طبيّة مسموحة بعينها، لا يسمح للدراجين باستخدام غيرها، ويمكنكم تخمين طرق تحديد هذه المستحضرات والشركات المنتجة لها.
لقد باتت الاتحادات دولاً داخل دول، دولاً مستقلة بأنظمتها الماليّة وبقوانينها وبتشريعاتها غير الديمقراطية، وحتّى بمحاكمها. حصل منذ عدّة أعوام خلافٌ في الدوري الإسباني لكرة القدم بين بعض الأندية وبين شبكة التلفزيون الناقلة لمباريات الدوري، وعزمت الأندية على اللجوء إلى القضاء الإسباني لحلّ المشكلة، لكنّ الفيفا هددت أيّ طرفٍ يلجأ للقضاء بالفصل من الفيفا، والحرمان من اللعب، في جميع مسابقاتها. تكرر الأمر في سورية عندما هددت الفيفا بمنع المنتخب السوري الذي يريد ارتداء العلم السوري من المشاركة في جميع المسابقات الدوليّة والقاريّة إن تمّ «استخدامه بشكل سياسي يتعارض مع قوانين الفيفا المحايدة».
هذه الكيانات القويّة النافذة، تؤثّر في الدول وقوانينها بشكل يجعلها طاغوتاً لا يمكن أحياناً مقارعته بالوسائل المعروفة. لقد عرّفت المخابرات الكندية التهديدات على أمن الأولمبياد بشكل محدد كالتالي: «ناشطو مناهضة العولمة ومناهضة الشركات والسكان الأصليين (12)». وقد حصل شيء شبيه لهذا في سويسرا أثناء تنظيم كأس أمم أوروبا عام 2008.
مستقبل الرياضة
فشل أصحاب الفكرة القائلة بأنّ تسليع الرياضة هو أمر حديث في إدراك أنّ الرياضة المعاصرة قد واكبت في نشوئها نشوء الرأسمالية ذاتها. إنّهم يشبهون أولئك الذين آمنوا بأنّ الرأسمالية قادرة على إنتاج مجتمع مستدام من الطبقة الوسطى، وبأنه لم يتم يوماً لعب الرياضة كما نعرفها بشكل نقي من قبل الشعوب.
لكن هذا لا يعني بأنّ أولئك المراهقين الذين يلعبون كرة القدم في الحي مرتبطون بشكل واعٍ بهذه المنظومة الرأسمالية. بل يعني بأنّهم مستمتعون باللعب وبتحريك أجسادهم وبذل نشاط صحي، وأنّ النظام الرأسمالي استعمره ليخلق منه الربح. لا يمكن توقّع أن يتوقف أصحاب المصالح، سواء مالكون أو مصارف ممولة أو شبكات تلفاز ناقلة أو معلنون إلخ... عن السعي وراء الربح الأقصى بغضّ النظر عن أية عواقب أخلاقية، ولهذا فإنّ الأمل بتصحيح النظام الرياضي الحالي هو ضربٌ من الخيال.
ولهذا، فإنّ تعزيز الجانب الأخلاقي والوجداني من الرياضة يتطلب منّا ليس محاولة التصحيح، بل مواجهة كامل بنى النظام الرأسمالي، الذي لا يسعى لغير الربح، وإيجاد بدائل غير ربحية لتحلّ محله. إنّ أزمة الرياضة هي أزمة الرأسمالية. وطالما أنّ النظام الرأسمالي باقٍ، يتحكم في مختلف أوجه حياتنا، فلا أمل بتصحيح أو بعث رياضة لا تخدم مصالح النخب الثريّة.
هوامش:
(1): توني كولينز – الرياضة في مجتمع رأسمالي – ص50.
(2): آلن ساك – تسليع وعقلنة كرة القدم الجامعية – مجموعة المقالات الجامعية.
(3) كولينز – ص52
(4) الرياضة الأوربية – برنامج على «Canal +»
(5) بتصرف عن آلن ويتمان – تاريخ الرياضة اليابانية – ص142.
(6) الرياضة في الاتحاد السوفييتي – برنامج على «روسيا اليوم الوثائقية».
(7) ستانلي باران – التلفزيون والرياضة – ص 143.
(8) كولينز – ص115.
(9) الأرقام بشكل متفرق عن كولينز.
(10) صحيفة الغارديان – 26 نيسان 2011
(11) كولينز – ص 122
(12) صحيفة البروفنس الكندية – 8 تشرين الأول 2008.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 822