جيل بونافي - ترجمة قاسيون جيل بونافي - ترجمة قاسيون

الأزمة الشاملة للرأسمالية.. (1-2)  انهيار الدولار والعملات الوطنية.. وإعادة قولبة العالم

 الأزمة الحالية للرأسمالية لا يمكن أن يكون لها حلٌ اقتصادي، فهي تتطلب فعلاً سياسياً قوياً قادراً على قلب البنى النقدية والدولانية الحالية رأساً على عقب.. في هذا الإطار أعلن هنري غوينو، المستشار الخاص لنيكولا ساركوزي، ما يلي:

«إذا صعب على الخبراء تخيّل عالم آخر غير العالم الذي عاشوه، فالمسؤولون السياسيون أكثر وعياً لضرورة التغيير. من أجل إعادة تأسيس الرأسمالية، عليهم فرض حلول سياسية، لا تقنية».. لوموند / 17 شباط 2009.

إذاً، التجمعات القارّية الكبيرة ستخرج في نهاية المطاف معزّزةً على حساب الأمم. ولقد تركّز تفكيري بصورة خاصّة على أوروبا (اليورو)، والكتلة الأوروبية الآسيوية (CEEA). يتمثّل الهدف هنا في محاولة توضيح الحلول التي ستقدّم في إطار محاولة مواجهة الأزمة العظمى..

تحالف (الآسيان) العتيد

يضم الآسيان (تحالف أمم جنوب شرق آسيا الذي تأسس في العام 1967) إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وفيتنام ولاووس وميانمار وكمبوديا). وقد أكّدت قمته الرابعة عشرة على توسّع التحالف عبر خلق منطقة تبادل حر مع نيوزيلندا وأستراليا. فضلاً عن ذلك، فقد تأكّد قرار إنشاء اتحاد اقتصادي (وفق النموذج الأوروبي) (شرعة الآسيان في كانون الأول 2008).

دعونا لا ننسى أنّ هذا الاتحاد الاقتصادي سيتضمن الصين (اتفاقات 2001 وإعلان دونهانغ في أيلول 2004)، كما أنّ الهند، التي تعدّ بلدان شرق آسيا شريكها التجاري الرئيسي، ترغب أيضاً في الانضمام إلى الآسيان.

من المتوقع أن تعقد قمةٌ (في العاشر والثاني عشر من نيسان 2009) بين الآسيان وشركائه: نيوزيلندا وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند واليابان والصين. المصدر: وكالة كسينهوا بتاريخ 28 شباط 2009.

نرى إذاً أنّه سيكون لدينا قريباً جداً قطبٌ آسيوي كبير ذو عملة موحدة.

قدّم الاقتصادي روبرت مندل، مخترع نظرية «المناطق النقدية المثلى» (ومناصر وجود عملة عالمية) تحليله في جامعة نانكاي في تيانجين في حزيران 2002، وأعلن أنّه يتوجّب على آسيا خلق تنظيم عملة موحدة، الدولار الآسيوي، في أسرع وقت ممكن، وأنّ الصين يمكن أن تلعب الدور القائد في هذا التنظيم.

وبالفعل، أعلن بنك التنمية الآسيوي (ADB) في آذار 2006 فكرة عملة آسيوية مشتركة افتراضية: الآكو ACU (وحدة سعر الصرف الآسيوية). دعونا لا ننسى أنّ قيمة هذه العملة تحتسب انطلاقاً من وسطي قيمة (سلة عملات) بلدان آسيا الرئيسية (الصين وكوريا الجنوبية واليابان وأعضاء الآسيان). أذكّركم بأنّ الإيكو ECU (الوحدة النقدية الأوروبية) قد تحوّل إلى اليورو، وسيكون لدينا هنا أيضاً انزلاقٌ لعملة افتراضية نحو عملة حقيقية.

لدى برونو جيتين، الاقتصادي في معهد أبحاث التنمية (IRD، فرنسا) التحليل نفسه ويعلن: «هذه التطورات تجعل خلق عملة آسيوية مشتركة، لا بل وحيدة على مثال الإيكو ثم اليورو، أمراً أكثر ضرورةً منه في أيّ وقت مضى».

لكن هنالك براهين أكثر وضوحاً على تنامي قوة هذه الجماعة الآسيوية. وبالفعل، في الرابع عشر من كانون الثاني 2009، عيّنت فرنسا فيليب زيلر سفيراً في أمانة الآسيان (عيّنت المملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة الأمريكية سفراء هي أيضاً). وعلى الموقع الرسمي للحكومة، نستطيع قراءة تصريح الرئاسة باسم الاتحاد الأوروبي:

«الاتحاد الأوروبي مسرورٌ من بدء تطبيق شرعة الآسيان (15 كانون الأول 2008). هذا النص، الذي يعرّف إطاراً مؤسساتياً جديداً، يعيّن مرحلةً هامّةً في عملية الاندماج الإقليمي في جنوب شرق آسيا».

دعونا نتذكّر بأنّ هذه المنطقة ستمثّل سوقاً يضمّ أكثر من ملياري نسمة، وستكون على نحو خاصّ أكبر قوة اقتصادية عالمية.

الدول، التي لن تعود قادرةً على تحمّل الأعباء الباهظة للأزمة، ستضطر للاندماج في اتحادات قارية. وسيكون الأمر مماثلاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي سيتوجب عليها التشارك مع المكسيك وكندا في إطار اتحاد أمريكا الشمالية.

اتحاد أمريكا الشمالية NAU

بدأ تاريخ توحيد القارة الأمريكية الشمالية في العام 1912، في عمل بعنوان «فيليب درو مديراً»، كتبه الكولونيل هاوس، مستشار الرئيس ويلسون.

- في الأول من كانون الثاني 1994، تمّ التوقيع على الآلينا، وهي معاهدةٌ تؤسّس منطقة تبادل حرّ بين بلدان أمريكا الشمالية الثلاثة: المكسيك والولايات المتحدة وكندا.

في عدد 18 تموز 1993 من صحيفة لوس أنجلوس تايمز، كتب هنري كيسنجر:

«ستكون الآلينا التقدّم الأهم نحو نظام عالميّ جديد تصنعه مجموعة بلدان منذ نهاية الحرب الباردة، والخطوة الأولى نحو رؤية أكثر اتساعاً لمنطقة التبادل الحر في نصف الكرة الغربي... الآلينا ليست اتفاقاً تجارياً تقليدياً، بل بنيةً لنظام دوليّ جديد».

- في أيلول 1999، نشر الاقتصادي الكندي هربرت غروبل كتاباً بعنوان: «حالة آميرو»، يستعيد الفكرة نفسها، بل ويعلن عن عملة موحدة للبلدان الثلاثة، هي الآميرو.

- في آب 2001، توضّحت الأمور حين كتب روبرت باستور «نحو جماعة أمريكية شمالية». في هذا الكتاب، يتعلّق الأمر بخلق كيان سياسي له عملةٌ مشتركة موحدة تحل محل الدولار الأمريكي والبيسو والدولار الكندي.

- في 23 آذار 2005، تم التوقيع في فاكو، تكساس، على الشراكة من أجل الأمن والازدهار (PSP) في إطار الآلينا، وهي بحكم الواقع شهادة ولادة غير رسمية لاتحاد أمريكا الشمالية...

أرقام ومؤشرات مرعبة

في مواجهة اتساع الأزمة، لم يعد لدى الولايات المتحدة الأمريكية من خيار، وسيتوجب عليها تسريع عملية اندماج القارة الأمريكية الشمالية، ولاسيما تغيير العملة. سوف تسمح جولةٌ صغيرةٌ في الوضع الاقتصادي الأمريكي بإحاطة المشكلة على نحو أفضل.

انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 6.2 بالمائة في الفصل الرابع 2008، و«تظهر الإحصائيات المنشورة حتى الآن بصدد الفصل الأول (2009) بأنّنا انطلقنا لنرى فيلم رعب جديداً»، هكذا يلخّص روب كارنيل، من مصرف آي إن جي. (موقع Libération.fr بتاريخ 28 شباط 2009).

أشير إلى أنّ آخر رقم لعدد العاطلين عن العمل ممّن ينالون تعويضاً بلغ في 26 شباط 5112000 شخصاً، ينبغي أن يضاف إليهم 650000 عاطل عن العمل في شهر شباط وحده. في أحسن الأحوال، سيبلغ عدد العاطلين ممن ينالون تعويضاً ثمانية ملايين شخص في آخر شهر حزيران. وهذه هي الأرقام الرسمية فقط، وهي أرقامٌ كلّها غير صحيحة كما نعلم، وتقلّ كثيراً عن الحقيقة.

للتذكير، وضع البيت الأبيض ميزانيته على أساس توقع هبوط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.2 بالمائة وسيتوجب إذاً إيجاد 700 مليار دولار إضافية إذا سار كل شيء على ما يرام. والحال أنّه من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تزيد على 10 بالمائة في العام 2009 (انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 9 بالمائة بين العامين 1929 و1930)، ما يعادل خلق 1400 مليار دولار «من العدم». لم يحتسب بول كريغ روبرتس (الاقتصادي ونائب وزير الخزينة في إدارة ريغان) مثل هذا الأمر، فقد أعلن في الثالث من آذار على موقع كونترإنفو:

«يبلغ مجموع إجراءات بوش وأوباما الاقتصادية 1600 مليار دولار، سيتوجب استدانة كلّ دولار منها، دون أن يعرف أحدٌ من أين.. سوف يؤثّر هذا المبلغ الهائل على قيمة العملة الأمريكية وعلى دورها بوصفها عملةً احتياطية وعلى قدرة حكومة الولايات المتحدة على سداد دينها، وكذلك على مستوى الأسعار».

تذكّروا أنّ مبيعات السيارات قد انهارت تماماً في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد سجّلت شركة فورد انخفاضاً بنسبة 48 بالمائة في مبيعاتها في شهر شباط، وسجّلت كرايسلر 44 بالمائة، في حين سجّلت جنرال موتورز 52.9 بالمائة.

وقد بدأ العدّ التراجعي لشركتي جنرال موتورز وكرايسلر، اللتين سيتوجب عليهما إعلان إفلاسهما قريباً جداً. وسوف يمثّل ذلك الانهيار الأقصى (أضخم إفلاس في التاريخ) الذي سيجرّ معه البورصة والبطالة إلى أعماق سحيقة، وهو أمرٌ تظهره مختلف الدراسات، حيث تقدّر عدد العاطلين عن العمل بنحو مليوني إلى ثلاثة ملايين عاطل إضافي عن  العمل (ينبغي إضافتهم إلى الملايين الثمانية لشهر حزيران).

لكن الأكثر إثارةً للقلق يخصّ الرواتب التقاعدية. فقد برهن ريموند فان در بوتن على أنّ نظام التقاعد في الولايات المتحدة لا يستطيع مواجهة أزمة اقتصادية عظمى.

سوف يتوجّب على هيئة ضمان ربح التقاعد (PBGC) التي خسرت حتى الآن 13 مليار دولار (تقييم محكمة الحسابات الأمريكية: GAO) أن تضمن الرواتب التقاعدية لملايين الأمريكيين، وهو أمرٌ مستحيل. على سبيل المثال، يتوجب على شركة جنرال موتورز أن تدفع 12.3 مليار دولار للتقاعد قبل العام 2014 (المصدر: Moneynews.com بتاريخ 6 آذار 2009). ستضطر الدولة للتدخل هنا أيضاً لتجنب انهيار نظام التقاعد لديها.

إضافةً إلى ذلك، أدعوكم للاطلاع على التقرير الانفجاري (كل شيء سيئ!) الذي أصدره GAO في كانون الثاني 2008 ورابطه هو: rapport GAO du 17 janvier 2008

كذلك، سيتوجب على الحكومة الفيدرالية أن تساعد ولاياتها التي وصل معظمها إلى حافة الإفلاس (كاليفورنيا على سبيل المثال).

فضلاً عن ذلك، يقيّم المركز الأوروبي للدراسات المستقبلية 2020 بعشرة آلاف مليار دولار «الموجودات الشبح» للمصارف التي سيتوجب على الحكومة الأمريكية «امتصاصها».

وحين نضيف مجمل النفقات الإضافية التي سيتوجب تقديمها، نجد أنفسنا بعيدين جداً عن الخمسة مليارات دولار التي أعلن عنها الاقتصادي نورييل روبيني.

أفول الدولار..

وظهور الاندماجات الكبرى

لن يبقى الدولار في مواجهة هذه المحنة (تضخم مفرط)، وسيبدأ في الهبوط قريباً. سوف تغيّر الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك عملتها، وستتشارك مع كندا والمكسيك. سوف تظهر عملةٌ جديدة (الدولار الأمريكي الشمالي أو الأميرو) الذي ستنقص قيمته كثيراً عن قيمة الدولار الأمريكي (ربما بنسبة 1 إلى 10)، وسيسمح بمحو الديون.

هكذا، سيكون باراك أوباما محقاً لأنّ «أمريكا ستخرج من الأزمة وهي أكثر قوةً» وستنبثق من رمادها مثل العنقاء (شعارها).

نحن نشهد إذاً إعادة قولبة واسعة للعالم. لم أتحدث عن أمريكا الجنوبية التي ستتبع مع ذلك درب الوحدة نفسه في إطار ميركوسور، مع عملة موحدة أيضاً. أما إفريقيا، فستستغرق وقتاً أطول للتوحد في إطار الاتحاد الإفريقي. تبقى بطبيعة الحال مشكلة الشرق الأوسط، وهي مشكلةٌ ستحلّ قريباً بنزاع هائل: الحرب العالمية الثالثة التي ستسمح بإعادة توزيع أوراق اللعب. تذكروا أنّ الاتحاد الأوروبي انبثق مباشرةً عن النزاع العالمي الثاني (النظام من الفوضى).

في الخلاصة، ظهر أنّ الأزمة الحالية تدمّر العملات الوطنية وبالتالي الدول ـ الأمم التي ستجد نفسها مرغمةً على الاندماج في تجمعات قارية كبيرة. غير أنّ كل هذه الإصلاحات لن تحل المشكلات الأساسية: تمركز رأس المال (تعادل ثروة 250 شخصاً هم الأكثر ثراءً في العالم ثروة 2.5 مليار نسمة، هم الأكثر فقراً) وتدمير كوكبنا على يد مجتمع استهلاك وتضخم سكاني.

سوف يدوم تدمير الرواتب التقاعدية (لن يحصل 15 مليون بريطاني إلا على الحد الأدنى الذي تدفعه الدولة، أي 540 جنيه استرليني)، والبطالة الشاملة. ستتراجع الحماية الاجتماعية في كل مكان، وسيصبح التداوي ترفاً. أما حريتنا، فهي تتعرض بقوة لخطر الاختفاء لمصلحة دول أمنية أكثر فأكثر.

إذاً، تفرض فكرة بول جوريون حول خلق «دستور جديد للاقتصاد» نفسها.

يقول راؤول فانيجيم في (خطاب إلى الأحياء حول الموت الذي يحكمهم وفرصة التخلص منه):

«في الوقت الذي يهزأ فيه إفلاس الاقتصاد كنظام بقاء على الحياة من كل تلك الجهود المستثمرة ليكسب المرء أكثر دائماً ويكون الأفضل ويمتلك المزيد، ربما يكون من المتوقع حدوث تحوّل في السلوك، ربما سيكتشف مجدداً متصلبو الرأي الذين يتداعون في العمل خلق الكائنات وأشياء من البيئة كلذّة وجود؟

هكذا ينشر الاقتصاد التخريب على نحو أفضل وأكثر سرعةً مما تفعله عصبةٌ من المحرّضين المتخصصين. يكفي إلقاء نظرة على الواجهات اللافتة التي يعرض فيها المجتمع نماذج احترامه ودناءته؛ وهو لم يعد يستجر سوى نماذج فقدت طزاجتها من الملوك والباباوات ورجال الشرطة والعسكريين والبرجوازيين والبيروقراطيين والبروليتاريا والأغنياء والبؤساء والمستغِلّين والمستغَلّين... ويصعب علينا تصديق أنّه حول مثل هذه القبائح ارتفعت منذ وقت غير بعيد احتدامات الضغينة والإكبار. لم يسبق أن كان رصيد حقبة أسعاراً تتحدى كل منافسة».

مناطق وعملات تكميلية

قرّر الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في 18 نيسان شراء سندات الخزينة، ما يعني تحويل الدين إلى نقد. لم تنل هذه المعلومة سوى بضعة سطور في الصحف اليومية القومية (لا شيء في التلفزيون) التي علّق معظمها عليها تعليقاً إيجابياً. لكنّ هذا الدين سيبقى في كتب التاريخ، وسيكون أكثر أهميّةً من الخميس الأسود الشهير (انهيار العام 1929)، لأنّه يعيّن نهاية الدولار قريباً، وبالتالي نهاية الولايات المتحدة الأمريكية. آن الأوان إذاً لإقفال تلفزيونك واستقاء معلوماتك من الشبكة العنكبوتية.

في ذلك اليوم، أعلن بول جوريون في مدونته أنّ ذلك الإجراء يعني «نهاية الرأسمالية»، وعنون محللو بنك ستاندرد شارترتد ملاحظةً على النحو التالي: «اليوم الذي مات فيه الدولار»، وأعلن المحلل في RBS آلان روسكين: «نحن شاهدون على سقوط روما».

في مواجهة اتساع مدى الأزمة، يقدّم خبراء يتزايد عددهم فكرة أنّ أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تتعرضان للتفكك بالتزامن مع بروز أقطاب قاريةً كبيرة (آسيان، CEI، اتحاد أمريكا الشمالية) هي قيد الظهور. ربما يبدو ذلك متناقضاً، غير أنّ هاتين الظاهرتين تحدثان. نحن نشهد نهاية أمم مع ظهور تجمعات كبيرة ستكون المناطق معيارها الإداري. شيئاً فشيئاً، ستحل عملاتٌ تكميلية محل العملات الوطنية.

قليلٌ من الخبراء فهموا أهمية تقرير بالادور حول المناطق وفهموا بصورة خاصّة راهنيته في خضم الأزمة الشاملة. ومع ذلك، فهذا التقرير في قلب الحلول التي سوف يتم تقديمها. لفهم ذلك، ينبغي العودة إلى العام 1966.

وبالفعل، في تلك المرحلة، كتب هربرت مارشال ماكلوهان، الفيلسوف وعالم الاجتماع والمتخصص في وسائل الإعلام ومستشار الفاتيكان كتاباً أساسياً بعنوان: «الحرب والسلم في القرية الكونية»، نشر في العام 1967، ويعيّن ولادة مفهوم جديد: العولمحلية (غلوكال). عالمٌ قلبته التقنيات الجديدة.

وبالفعل، فالعولمحيلة خليطٌ من العالمية والمحلية سيكون الهيكل الأساسي للنظام العالمي الجديد، يضمّ من جانب القارات (في مرحلة أولى لأنّها ستختفي هي أيضاً)، ومن جانب آخر مناطق وأقطاب حضرية جديدة.

وقد أظهر عالم الاجتماع بليز غالان على الانقلاب الكبير الذي أدّت إليه التقنيات والمعلومات والتأثير الاقتصادي الذي تحرّض عليه على مستوى تهيئة الأرضية. فقد أعلن قائلاً:

«العملية المزدوجة التي تتخلّص عبرها المدينة من وظيفتها في الإنتاج والتبادل ومعالجة المعلومات هي نقلها إلى الفضاء الإلكتروني، مع تطوير أشكال جديدة للتنظيم الاجتماعي ـ الفضائي على المستوى الإقليمي».

من جانب آخر، يثير دهشتي أنّ أحداً لم يدرس الانهيار من زاوية التقنيات الجديدة التي تقوم بزعزعة «الاقتصاد القديم».

وبالفعل، فالمعلومات أساسية، وهي تتحمل جزءاً من المسؤولية الكبرى في الأزمة الحالية لأنّها سمحت بتسريع التدفقات المالية على نحو هائل وعلى مجمل الكوكب (أزمة عالمية). هكذا تطرح المعلومات، التي تتطور على نحو أسّي، مشكلة التحكم، تحكم عاجز تماماً أطلق عليه البعض تسمية «أزمة التنظيم»..