روسيا والصين.. تطويق النفوذ الاقتصادي الأمريكي في آسيا والمحيط الهادئ
نظراً للمحاولات الجديدة من جانب الولايات المتحدة، الهادفة إلى إنشاء هياكل التكامل الاقتصادي التي من شأنها كبح جماح النفوذ الروسي الصيني في المنطقة، تعمل موسكو وبكين على بناء تعاون اقتصادي أعمق مع بلدان آسيا والمحيط الهادئ الأخرى.
بقلم: ألكسندر كوروليف
إعداد: رنا مقداد
في مواجهة المنافسة المتزايدة من الولايات المتحدة للعب دور قيادي في النمو الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، فإن الصين تعتبر تعزيز الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة، أولوية استراتيجية رئيسية. وعلاوة على ذلك، فقد أضاف تحسن علاقات الصين مع شركائها الإقليميين مؤخراً عاملاً للاستعجال في هذا التكامل الاقتصادي.
الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة هي اتفاق التجارة الحرة المقترحة (FTA) بين عشرة دول أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»- بروناي وميانمار وكمبوديا واندونيسيا ولاوس وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، وكذلك مع اتفاق التجارة الحرة للدول الستة الحالية الشريكة في آسيان «أستراليا، الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية ونيوزيلندا».
«آسيان»
من رحم الأزمة المالية الآسيوية
رسمياً، أعلنت «آسيان» مع شركاء الحوار الستة بدء المفاوضات على الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة في آب عام 2012 في كمبوديا، خلال اجتماع 44 وزيراً من وزراء اقتصاد «آسيان»، مع أن المرحلة الأولى من تشكيل المبادرة الاقتصادية متعددة الأطراف جرت في أواخر عام 1990.
لقد كان للأزمة المالية الآسيوية في الفترة 1997- 1998 تأثيراً سلبياً خطيراً على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في معظم دول المنطقة. في ظل هذه الظروف، فإن المهمة الرئيسية لـ«آسيان»، كمنسق لمبادرات التكامل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، هي إيجاد طرق للتقليل من آثار الأزمة المالية. عرفت دول المنطقة أنه من المستحيل تحقيق هذا الهدف من دون الدعم النشط من دول المنطقة الأكثر تطوراً مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية.
وكانت الخطوة الأولى هي تشكيل منطقة تجارة حرة شرق آسيوية «EAFTA»، والتي تم تقديمها من الصين في عام 2001. وحاز إطلاق هذا المشروع على دعم فوري من أعضاء المجموعة مثل ماليزيا، التي تنظر إلى EAFTA كآلية فعالة للتغلب على الركود الاقتصادي وبناء التعاون الشامل مع دول شمال شرق آسيا.
اعتبرت الصين أن آلية «آسيان+3» هي «موجه»، وقناة رئيسية للتعاون في شرق آسيا. «آسيان+3 دول تشمل أعضاء الرابطة العشرة، بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية- المحرر»، وتهدف إلى التعزيز التدريجي لمواقف بكين في السياسة الخارجية في آسيا والمحيط الهادئ، ويظهر طموح القيادة الصينية للعب دور قيادي في منطقة شرق آسيا، في محاولتها رسم الاتجاهات الرئيسية ومبادئ العمل من خلال منصة حوار جديدة للمصالح الخاصة بالمنطقة. وأحد المؤشرات على ذلك هو عدم اهتمام الصين في التوسع التدريجي في المنطقة.
لذلك، تنظر الصين إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP، كأداة لتعزيز دورها في العمليات الاقتصادية والإقليمية خلال فترة انتقالية بالنسبة لمعظم دول آسيا والمحيط الهادئ. باستخدام آلية للشراكة «آسيان+ 3»، كما تأمل بكين بتنفيذ أهداف محددة للسياسة الخارجية.
«RCEP»
كبديل للنظام العالمي الأميركي
أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الصين إلى تكثيف عمليات تشكيل «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP»، هو ازدياد قوة الولايات المتحدة في آسيا والمحيط الهادئ، وهو الاتجاه الذي بدأ في عهد الرئيس باراك أوباما.
وينظر لهذا التحول من خلال تركيز سياسة واشنطن الخارجية تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من خلال النفوذ الاقتصادي (تعزيز التعاون مع دول شمال شرق آسيا وجنوب شرق آسيا)، ومن خلال التعاون العسكري والسياسي (حوار مكثف مع الحلفاء الرئيسيين- اليابان وكوريا الجنوبية والفلبينيين)، بالإضافة إلى صعود الخطاب المناهض للصين.
جوهر هذا المحور يمكن رؤيته بسهولة من خلال سعي الولايات المتحدة إلى تأسيس الشراكة عبر المحيط الهادئ «TPP»، كأكبر مبادرة للتجارة أكثر من أي وقت مضى. وإذا حكمنا من خلال نبرة التصريحات التي تصدر من المؤسسات الأمريكية (بما في ذلك الرئيس أوباما)، فإن الشراكة عبر المحيط الهادئ «TPP» هي في الواقع وسيلة لردع الصين، حيث «لا يمكن أن نسمح لدول مثل الصين بتغيير قواعد الاقتصاد العالمي»، وفق أوباما.
درجة عالية من التسييس تتضمنها مبادرة الشراكة عبر المحيط الهادئ، وتستند على الطبيعة الشاملة للاتفاق الذي يظهر مجموعة من القضايا التي تعتبر حساسة بالنسبة للصين، وتستبعد المبادرة أية فرصة لانضمام الصين إليها. أما السيناريو الأكثر ترجيحاً في المدى القصير والمتوسط لبكين فهو تعزيز مبادرات ومشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي، بما في ذلك طريق الحرير، والحزام الاقتصادي، والشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية.
لذلك، ترى القيادة السياسية الصينية أن مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية «RCEP» هي محاولة لمنع تشكيل الهيكل الاقتصادي بين الولايات المتحدة وبين آسيا والمحيط الهادئ، وتجنب خلق تحالف إقليمي مناهض للصين تحت رعاية الولايات المتحدة.
«RCEP» كجزء من استراتيجية إقليمية روسية صينية
روسيا والصين، كونهما قوى عظمى، تتصور بناء العلاقات الإقليمية جنباً إلى جنب مع تشكيل «وحدة المصير المشترك» (كعمود فقري لمفهومي التنمية والأمن بهدف تحقيق التنمية على أساس المصالح والقيم المشتركة) لأهمية ذلك من الناحية الإستراتيجية. وعلاوة على ذلك، فإن تنفيذ مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP، يتوافق تماماً مع مفهوم النهضة السلمية للصين، وهو ما يعني ضمناً دوراً أكثر نشاطاً في عمليات الاندماج والمساهمة في التنمية والازدهار العالمي.
من أجل فهم مكان مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP في إستراتيجية السياسة الخارجية للصين، فمن المهم أن ننظر إلى الدول الأعضاء المعنية بالمبادرة. فهي تشمل البلدان من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، فإن العنصر الأكثر سلبية في العلاقات الثلاثية هو التوترات السياسية التي يكون لها تأثير سلبي على تطوير العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية، وخاصة بين اليابان والصين.
وخلال الفترة من 2011- 2015، انخفض حجم التبادل التجاري بين طوكيو وبكين من 345 مليار دولار إلى المستوى الحالي الذي يبلغ 279 مليار دولار. وازدادت التوترات بين الصين واليابان بسبب النزاع على جزر سينكاكو/ دياويو في العام 2012، عندما تم إطلاق المفاوضات على مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP للمرة الأولى.
وقد أعلن الطرفان مراراً أنهما يحاولان عدم الخلط بين الخلافات السياسية وبين التعاون الاقتصادي، ويحاولان تشكيل «علاقات من نوع جديد» لذلك، هناك حاجة ملحة لـ«إعادة ضبط» العلاقات وإنشاء قنوات اتصال دائمة، مما يعزز أهمية هذه المنصات من خلال «آسيان+ 3».
في مثل هذه الظروف، ينظر لتعزيز مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP من قبل قيادة الدول الثلاث باعتبارها وسيلة لتعزيز الترابط الاقتصادي ورفع مستوى الثقة المتبادلة. وإلى جانب ذلك، أظهرت التصريحات الرسمية من الدول «الآسيوية الثلاث» ضرورة تكثيف المفاوضات بشأن إنشاء RCEP، على وجه الخصوص، خلال القمة الثلاثية في سيؤول يوم 1/11/2015.
لذلك، ترى الصين مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP، كآلية لتعميق التعاون الاقتصادي مع دول شمال شرق آسيا، الذي يخدم بالتأكيد مصالح كل من الدول الثلاث.
وأخيراً، تهدف الصين إلى استخدام منصة مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP في نهاية المطاف لخلق منطقة للتجارة الحرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ «FTAAP»، حيث تلعب بكين أحد الأدوار الرئيسية. على وجه التحديد، أعلن رئيس مجلس الدولة، لي كه تشيانغ، ذلك خلال منتدى بواو لآسيا، الذي حدث في عام 2014 في جزيرة هاينان.
إلى جانب ذلك، تهدف الصين إلى تعزيز مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP بغرض تخفيف التوترات السياسية مع الشركاء في جنوب شرق آسيا بالمشاركة المباشرة في حل النزاع الإقليمي في بحر جنوب الصين «فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي».
ووفقاً للموقف الرسمي، فإن مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP، وعلى عكس TPP، لا تهدف إلى إعادة صياغة القواعد الحالية للتجارة العالمية ولكن فقط تسعى لتوحيد ومواءمة المعايير الدولية في العلاقات التجارية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه، لا تخفي الصين حقيقة أنها، من خلال تشجيع مثل هذه المبادرات، تهدف إلى الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية والمرونة في اتخاذ القرارات الاقتصادية الدولية.
الآثار المترتبة على روسيا
مع الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا تكثف سياستها الخارجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتعزِّز الشراكة الاستراتيجية مع الصين، فإن روسيا مهتمة في تعزيز مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP.
المهمة الاستراتيجية لموسكو هي الحصول على التكامل في الإنتاج والتوزيع والتكنولوجيا مع آسيا والمحيط الهادئ، وخلق «قصة نجاح» في الشرق الأقصى، كتشكيل سلسلة من المجموعات ذات التقنية العالية في مناطق الشرق الأقصى للبلاد.
على وجه الخصوص، أصبحت هذه المنطقة ذات أولوية خلال الرئاسة الروسية لأوبيك في عام 2012. مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP، كمشروع للتكامل، يهدف إلى بناء الترابط الإقليمي من خلال تطوير البنية التحتية عبر الحدود وتعزيز القاعدة المؤسسية للتعاون الاقتصادي متعدد الأطراف.
في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وقعت روسيا على اتفاق للتجارة الحرة مع فيتنام. وهناك اتفاق مماثل مع «آسيان»، مما يعني إزالة عقبة رسمية لانضمام روسيا إلى مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP. وعلاوة على ذلك فإن الصين و«آسيان» يرحبان بروسيا. الدافع من وراء هذا الموقف هو رغبة الجانبين للمضي قدماً نحو بناء الشراكة الأوراسية الشاملة، لبناء تعاون جيواستراتيجي على مساحة الجغرافية بين روسيا والصين و«آسيان» كمراكز رئيسية للنفوذ.
وأخيراً، فإن العامل الأمريكي يلعب دوراً هاماً في تشكيل موقف إيجابي للنخب الروسية بالنسبة للمبادرة الاقتصادية لبكين، تحديداً حول «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، الذي يعرض من معظم المراقبين كبديل أساسي لـRCEP. ووفقاً للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فإن «الشراكة عبر المحيط الهادئ هي محاولة أخرى من جانب الولايات المتحدة لبناء بنية للتعاون الاقتصادي الإقليمي الذي هو مفيد للولايات المتحدة نفسها».
ويستند موقف موسكو الرسمي على أساس أن أي هيكل اقتصادي إقليمي سيكون معاباً دون مشاركة روسيا والصين. في هذا الصدد، الدافع وراء مصلحة روسيا في تعزيز المبادرات الصينية هو رغبة موسكو في مواءمة النظام المالي والتجاري العالمي والهيكل وتعزيز دور البلدان غير الغربية.
عين «ثاد» على روسيا والصين
تعارض كل من الصين وروسيا النشر المقرر لنظام الدفاع الصاروخي «ثاد» في شبه الجزيرة الكورية، ما يعرض أمنهما الوطني للخطر ويضر بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة.
ويذكر أن القرار المشترك من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يعد جزءاً من الدرع العالمية المضادة للصواريخ التى تعتزم واشنطن نشرها لخدمة الهيمنة الأمريكية. وأن هذا التحرك، الذي قيل أنه بغرض حماية كوريا الجنوبية من التهديدات من قبل جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، يقصد به دون شك الصين وروسيا.
ويعد نظام «ثاد» بلا فائدة ضد الصواريخ المنخفضة من جانب الشمال، ولكن نظام الرادار فيه يمكن بكل سهولة أن يخترق الأراضي الصينية والروسية التي تعدها الولايات المتحدة التحدي الأساسي لهيمنتها.
كما من المتوقع أن يعزز نشر النظام الإجراءات المضادة وسباق تسلح مع حرب باردة جديدة تلوح في المنطقة. وإن المحللين الروس يعتقدون أن ذلك أكثر استفزاز عسكري على مدار السنوات في شمال شرق آسيا.
ومن الممكن أن يعمل ذلك على تفكيك الثقة السياسية وزعزعة العلاقات الاقتصادية والتجارية المزدهرة وتفاقم الأمن الإقليمي. وفي الوقت الذي تلعب فيه شبه الجزيرة الكورية دوراً هاماً على الساحة الجيوسياسية الدولية، من مصلحة الصين وروسيا تحقيق السلام والاستقرار هناك.
ولا يتعين على الولايات المتحدة التقليل من تصميم الدولتين على الحفاظ على مصالحهما الأمنية الاستراتيجية. حيث أن الدولتين تنسقان بشكل كبير أكثر من أي وقت مضى، ما يعمل كأساس لمواجهة تحديات نظام «ثاد».
وبالنسبة لواشنطن، فإن محاولاتها الحثيثة لنشر درع عالمية مضادة للصواريخ تكشف قلقاً بشأن تراجع نفوذها في العالم، وقلة الثقة في الإبقاء على أراضيها سالمة. ولكن الحفاظ على أمنها الخاص في الوقت الذي تضع فيه الدول الأخرى في خطر، بكل بساطة، أمر لا يحتمل.
الصين وروسيا تواصلان مناوراتهما
قالت وزارة الدفاع الصينية إن مسؤوليها عقدوا حواراً مع نظرائهم الروس حول المناورات البحرية التي أطلق عليها اسم «البحر المشترك 2016» والتي ستجري في شهر أيلول الجاري في بحر الصين الجنوبي.
وو تشيان، المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، أكد في حديث صحافي إن «الصين وروسيا عقدتا حواراً ثالثاً في الفترة ما بين السادس عشر والحادي والعشرين من شهر آب الماضي، حول المناورات البحرية المشتركة والتي أطلق عليها اسم البحر المشترك 2016 في مدينة تشانجيانغ، وتبادل الطرفان الآراء بشأن التخطيط والترتيبات المتعلقة بالاتصالات والدعم اللوجستي. وتوصل الجانبان إلى اتفاق واسع بالإضافة إلى تفقد المواقع والمنشآت ذات الصلة. وستركز هذه العملية على الإجراءات الدفاعية البحرية المشتركة».
ووفقاً لما أفادت به وسائل الإعلام الروسية، فإن المناورات ستجري في الفترة ما بين الثاني عشر والتاسع عشر من شهر أيلول، وكانت الصين وروسيا قد أكدتا بأن المناورات هي عملية روتينية، ولا تستهدف أي طرف ثالث، إلا أنها ما زالت تلفت إليها الأنظار بشدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. وأكدت إحدى وسائل الإعلام الأسترالية إن استراليا والولايات المتحدة تخططان لإرسال طائرة للقيام بدوريات بحرية وغواصة إلى موقع المناورات في بحر الصين الجنوبي لمراقبة تلك المناورات عن كثب.